في 2001، قادت واشنطن تحالفاً لإسقاط حكم "طالبان"، ولتقضي أيضا على تنظيم "القاعدة" الإرهابي رداً على قيامه بهجمات 11 سبتمبر.
وفي عام 2021، أي بعد عقدين، أكملت الولايات المتحدة انسحابها العسكري من أفغانستان قبل حلول الذكرى العشرين لهجمات 11 سبتمبر، مفسحة المجال أمام حركة "طالبان" للعودة مجددا للمشهد السياسي وفرض سيطرتها على غالبية الأراضي الأفغانية، وصولا إلى العاصمة كابول، وسط حالة من اللا فعل الأمريكي.
فما الذي تغير بين عامي 2001 و2021 وجعل واشنطن، ومن خلفها حلف الناتو، أكثر لا مبالاة بعودة "طالبان" للسلطة من جديد؟!
من يفهم طبيعة أيديولوجيا "طالبان" لا يترك مجالاً للحديث عن إمكانية حدوث أي تغير في توجهات وسياسات الحركة، لأنها تتبنى فكراً تؤمن به ولا ترى له بديلاً، وإذا أظهرت أي نوع من المرونة السياسية بتقديم أفكار تقدمية فهو أمر لا يخرج على الأرجح عن كونه نوعا من "التُّقية" السياسية التي تستخدمها للوصول إلى أهدافها وفرض رؤاها وأيديولوجيتها.
هذا يعني ببساطة أن عودة أفغانستان إلى ما قبل 2001 ستكون مرجحة إلى درجة تشبه اليقين بوصول "طالبان" للإمساك بزمام الحكم في البلاد، وهو أمر أكدته كل المؤشرات الميدانية الحالية.
البعض أبدى تخوفه من أن تتحول أفغانستان إلى ظهير للجماعات الإرهابية في المنطقة، بعد خروج القوات الأمريكية، لكن آخرين يرون أن "طالبان" لن تسمح بتحول أفغانستان إلى ملاذ لهذه التنظيمات من جديد تطبيقاً لاتفاقها مع واشنطن في فبراير 2020، والذي قررت الولايات المتحدة بموجبه الانسحاب، وأيضاً لتجنب عودة واشنطن وحلفائها لاستخدام القوة ضد الحركة من جديد.
يعني هذا باختصار أن الذي تغير هو موقف واشنطن، التي لم تعد تنظر إلى أفغانستان كلها باعتبارها منطقة اهتمام، ومن ثمَّ لا يهم من يمسك بالسلطة فيها، سواء كانت "طالبان" أم الحكومة الأفغانية، التي ظلت واشنطن لعقدين تدعمها وتدافع عنها وتبني مؤسساتها الأمنية والسياسية، لتتركها فجأة تواجه مصيرها في مواجهة حركة متمرسة مثل "طالبان".
ورغم متابعة إدارة "بايدن" للتطورات الميدانية والسقوط المتتالي للمدن والأقاليم الأفغانية في قبضة عناصر "طالبان" وصولا إلى كابول العاصمة، فإنها أصرت على مواصلة عملية سحب قواتها، وقد أثار موقف إدارة "بايدن" انتقادات حتى من أقرب حلفاء واشنطن، وعلى رأسهم رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، الذي وصف انسحاب واشنطن من أفغانستان بقوله إنه "خطأ قد ندفع عواقبه جميعاً".
وقد يكون إصرار إدارة "بايدن" على المضي قدما في عملية الانسحاب من أفغانستان له ما يبرره من وجهة النظر الأمريكية، وهو وضع نهاية لحرب مكلفة بشرياً واقتصادياً أودت بحياة أكثر من 2300 جندي أمريكي وجُرح أكثر من 20 ألفاً آخرين، واستنزفت، بحسب بعض التقديرات، 2.3 تريليون دولار من الخزينة الأمريكية، بيد أن الانسحاب بهذه الطريقة يحمل في متنه كثيرا من الرسائل السلبية، خصوصا لحلفاء واشنطن، الذين تتزايد أزمة ثقتهم في مصداقية الحليف الأمريكي، وحتى لأعداء واشنطن، الذين احتفلوا بما اعتبروه "فشل" الحرب الأمريكية في أفغانستان!
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة