إقليم قره باغ.. عقود من الصراع بين أرمينيا وأذربيجان حول "الحديقة السوداء"
مع تجدد الاشتباكات بين الانفصاليين الأرمينيين والجيش الأذربيجاني، تتصاعد التخوفات من اشتعال الحرب مجددا بين الدولتين المتجاورتين حول إقليم ناغورني قره باغ الذي يعود النزاع عليه إلى عشرينيات القرن الماضي.
وقُتل جندي أذربيجاني ومقاتلان أرمينيان الأربعاء في أعمال عنف قرب ناغورني قره باغ، الجيب الانفصالي المدعوم من أرمينيا، والمتنازع عليه منذ الحرب في عام 2020، فيما أعلنت أذربيجان أنها سيطرت على مرتفعات استراتيجية عدة في إقليم ناغورني قره باغ.
وقال الجيش الأذربيجاني إنه شن عملية أطلق عليها اسم "انتقام"، ردا "على التحركات الإرهابية غير المشروعة للمجموعات الأرمينية المسلحة في أراضي أذربيجان"، بينما وقع زعيم الانفصاليين في ناغورني قره باغ أرايك هاروتيونيان الأربعاء مرسوماً يعلن تعبئة عسكرية جزئية في هذه المنطقة.
وكلمة ناغورني تعني بالروسية جبال أو مرتفعات، أما كلمة قره باغ فتعني الحديقة السوداء ويعرف الإقليم باسم ارتساخ في أرمينيا وهي كلمة مكونة من جزأين الأولى أرا وهو إله الشمس عند الأرمن القدماء والكلمة الثانية هي تعني الغابة أو الكرمة، لذلك يعني الاسم الأرميني غابة أو كرمة الإله أرا. أما في أذربيجان فيعرفونها باسم بخاري قره باغ أي قره باغ العليا.
جذور الصراع
تبدأ جذور الصراع في الإقليم للحقبة السوفيتية في عشرينيات القرن الماضي حين قام جوزيف ستالين في عام 1923 ضم الأقلية الأرمينية (سكان قره باغ) داخل حدود أذربيجان، وبحدود إدارية تُرسم لتجعل كل ما يحيط بها أذربيجانياً رغم رغبة السكان في التبعية الأرمنية، وفي المقابل تظل الأقلية الأذربيجانية في إقليم "ناختشيفان" معزولة داخل جمهورية أرمينيا. بالإضافة إلى أن السلطة السوفيتية منحت "قره باغ" صلاحية الحكم الذاتي داخل جمهورية أذربيجان، وهو ما كان أشبه بقنبلة موقوتة.
ولكن بعد أن تفتت العقد السوفيتي وبعد أن استقلت جمهورية أذربيجان، اندلعت الحروب بين كل من أذربيجان وجمهورية أرمينيا، كل منهما يريد ضم تلك البقعة إلى أراضيه. وكان السبب في ذلك الصراع هو ادعاء أرمينيا بأن تلك المنطقة ملكاً لها، معللة ذلك بأغلبية سكانها الأرمن. أدى ذلك الصراع إلى نزوح مئات الآلاف من الأرمن من أذربيجان إلى أرمينيا ونزوح مئات الآلاف من الأذريين من أرمينيا إلى أذربيجان.
طلب البرلمان في قره باغ الانضمام إلى أرمينيا، وتم التصويت على ضم المنطقة إلى أرمينيا 20 فبراير/شباط 1988. وإعلان الانفصال كان نتيجة نهائية للآتي بأن السلطة الأذرية السوفيتية منعت الجالية الأرمينية من ممارسة عقائدها واستخدام القيود على الحريتين الفكرية والدينية"، ولكن الأهم من ذلك، اعتبرت الحرب صراعاً من أجل الأرض.
وجنباً إلى جنب مع الحركات الانفصالية في دول البلطيق (إستونيا ولاتفيا وليتوانيا)، والحركات الانفصالية في القوقاز التي ساعدت على تمزق الاتحاد السوفيتي، أعلنت أذربيجان الانفصال عن الاتحاد السوفيتي ونقل الصلاحية إلى سلطتها، صوتت الغالبية الأرمينية على الانفصال عن أذربيجان وانضمام قره باغ إلى أرمينيا.
اندلعت الحرب أواخر شتاء 1992. ولم تتمكن المنظمات الدولية من احتواء الصراع، وفي ربيع 1993 استولت القوات الأرمينية على مناطق خارج الوصيدة بما يعادل 9 في المئة من الأراضي الأذربيجانية، وقد وصل عدد المشردين من الجهتين إلى 23 ألف مشرد أذري، و80 ألف أرميني وأرتساخي. وقد وضعت روسيا حلاً لوقف الصراع تم التوقيع عليه في مايو/أيار 1994، بواسطة مؤتمر الأسس الأمنية والتعاونية الأوروبية (مجموعة مينسك)، وقد عقدت من جانب أرمينيا وأذربيجان.
وجرت بعض المعارك بينها أحداث أبريل/نيسان 2016، وأدت إلى مقتل 110 أشخاص، كما تواجهت أرمينيا وأذربيجان في خريف العام 2020 للسيطرة على منطقة ناغورني قره باغ الجبلية، وأسفرت الحرب الأخيرة عن مقتل حوالي 6500 شخص وانتهت بهدنة تم التوصل إليها بوساطة روسية.
وتصل مساحة الإقليم 4,800 كم2 وعاصمته سيتباناكيرت نسبة للزعيم الأرميني ستيبان شوماهان، ويغلب عليه الطبيعة الجبلية والأنهار التي يستخدم ماؤها في إنتاج الكهرباء والري.
ثورات واضطرابات
وتسبب هذا الإقليم في صراع مستمر منذ فترة طويلة بين أذربيجان وأرمينيا، ولدى الأخيرة التي صارت مسيحية منذ القرن الرابع، تاريخ مضطرب بعد استقلالها عام 1991.
وعرفت أرمينيا هذه الدولة الفقيرة وغير الساحلية عدة ثورات وعمليات قمع دموية، وعمليات اقتراع مطعون فيها، على خلفية اتجاه عدة زعماء لممارسات سلطوية.
وأوصلت ثورة سلمية في ربيع 2018 رئيس الحكومة الحالي نيكول باشينيان إلى السلطة، بعدها أجرى إصلاحات، لقيت ترحيبا واسعا، لإحلال الديمقراطية واجتثاث الفساد.
في المقابل، تمثل أذربيجان بلداً شيعياً على ضفاف بحر قزوين، تحكمها عائلة واحدة منذ 1993.
وأدار الضابط السابق في المخابرات السوفيتية حيدر علييف البلد بقبضة من حديد حتى أكتوبر/تشرين الأول 2003، حين أورث السلطة إلى ابنه إلهام قبل بضعة أسابيع من وفاته.
على غرار والده، لم يسمح إلهام علييف ببروز أي معارضة، وعيّن في 2017 زوجته مهريبان نائبة للرئيس.
aXA6IDMuMTM1LjIxNi4xOTYg
جزيرة ام اند امز