أحداث قيصري.. هل تعكس دفة التطبيع بين تركيا وسوريا؟
ما إن خطت تركيا وسوريا خطوات على طريق طي صفحة القطيعة بينهما، حتى جاءت أحداث قيصري لتضع تساؤلات حول سر توقيتها، وتداعياتها على مساعي التطبيع بين البلدين.
وشهدت مدينة قيصري وسط تركيا، اليومين الماضيين، احتجاجات شابتها أعمال عنف طالت ممتلكات لسوريين، إثر اتهام سوري بالتحرش بطفلة، امتدت شرارتها إلى مناطق في شمال سوريا تخضع لسيطرة تركيا وفصائل موالية لها.
وعلى الرغم من أن الأوضاع هدأت خلال الساعات الماضية، فإنها تركت ندوبا وأثارت مخاوف من إمكانية تأثيرها على جهود التطبيع بين البلدين، خاصة بعد إغلاق تركيا معابرها الحدودية الرئيسية إلى شمال غرب سوريا، إثر تعرض قواتها لإطلاق نار من غاضبين بسبب أحداث قيصري.
فما مدى تأثيرها على جهود التطبيع؟
يقول المحلل السياسي والباحث في مركز «تحليل السياسات» من إسطنبول محمود علوش، في حديث لـ«العين الإخبارية»، إن «هذه الأحداث لن تؤثر على مسار التحول التركي في سوريا وعملية التطبيع مع دمشق».
وأوضح المحلل السياسي أن «تركيا حسمت خيارها في مواصلة مسار التطبيع مع دمشق، وهي تحدد سياستها في سوريا وفق مصالحها، وللتكيف مع التحولات التي طرأت ولا تزال على الصراع السوري والديناميكيات الإقليمية والدولية المحركة له».
الأمر نفسه أشار إليه الدكتور طه عودة أوغلو، الخبير السياسي التركي، قائلا في حديث لـ«العين الإخبارية»، إنه رغم أحداث قيصري يبدو أن الجانب التركي ماض في مسار التطبيع، خاصة مع دخول روسيا على خط التفاهمات بين البلدين.
وحول أحداث قيصري قال إنه لا يجب الفصل بينها وبين عملية التطبيع بين الطرفين، مشيرا إلى أن «هناك جهات لا تريد عودة العلاقات بين أنقرة ودمشق، فيما يتعلق بمسارات التطبيع التي عادت للانتعاش من جديد خلال الأيام الماضية».
وأشار إلى أنه «من الواضح أن الأحداث في مدينة قيصري والشمال السوري تحمل دلالات في التوقيت، خاصة أنها تزامنت مع التصريحات الإيجابية الصادرة من جانب حكام البلدين بشأن استئناف التطبيع، وانفتاح كل دولة على الأخرى».
وبحسب الخبير السياسي التركي فإن هناك اجتماعا مرتقبا يتم التحضير له في بغداد، للقاء بين الرئيس التركي ونظيره السوري لبحث استئناف العلاقات.
واتفق الكاتب والمحلل السوري عمر كوش مع تقديرات الخبيرين التركيين السابقين، قائلا في حديث لـ«العين الإخبارية»، إن أحداث قيصري لن تؤثر على التقارب بين دمشق وأنقرة، مشيرا إلى أنها «مرتبطة بحديث أردوغان الإيجابي حول الانفتاح مع سوريا، وأن تركيا ليس لها أي مطامع في شمال سوريا، وهي تصريحات يطلقها للمرة الأولى، قابلها الرئيس الأسد بتصريحات بإيجابية، مذكرا بشرطين، عدم التدخل في الشأن الداخلي لبلاده، ووحدة الأراضي السورية».
هل من تحديات؟
«لكن هناك تحديا كبيرا يواجه أنقرة في مسار التطبيع مع دمشق»، يتمثل في كيفية الحد من أضرار هذا التوجه على علاقتها بالبيئة الحاضنة لها في شمال سوريا، يقول المحلل السياسي والباحث في مركز «تحليل السياسات» من إسطنبول محمود علوش، مضيف: إلا أن تركيا لن تضحي بعلاقتها مع هذه البيئة، لأنها ستبقى إحدى الركائز الأساسية لسياستها بسوريا.
وأشار إلى أن الرسائل الإيجابية المتبادلة بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره السوري بشار الأسد حركت المياه الراكدة في مسار الحوار التركي السوري، وخلقت هامشا جديدا للدبلوماسية لمحاولة التوصل إلى بعض النتائج.
وبحسب المحلل السياسي فإن «الهاجس من مشروع الحكم الذاتي للوحدات الكردية من بين العوامل الضاغطة على أنقرة لإعادة تطبيع علاقتها بدمشق»، متابعا «مغازلة أردوغان للأسد تعكس الكيفية التي عمل بها هذا الهاجس على إحداث انعطافة كبيرة في سياسة تركيا السورية، ومثال أيضا على دور براغماتية الرئيس التركي في إعادة تشكيل علاقات أنقرة بالشرق الأوسط».
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قال مؤخرا إنه لا يستبعد لقاء محتملا مع الرئيس السوري بشار الأسد للمساعدة في استعادة العلاقات الثنائية بين الجارتين.
هل من تأثيرات إيجابية؟
إلا أن الدكتور طه عودة أوغلو، الخبير السياسي التركي، قال إن التطورات في الشمال الشرقي لسوريا واندلاع الشغب قد تسرع أو تكون الدافع الفعلي للمفاوضات بين سوريا وتركيا التي قد تبدأ قريبا، ومن ثم نزع فتيل الأزمة الحالية.
وكان أردوغان قد شدد على أن «خطة الفوضى تمت حياكتها في قيصري، بناء على قضية تحرش مثيرة للاشمئزاز ومخزية للغاية»، مشيرا إلى أن الفصل الثاني من هذه المسرحية تم تنظيمه ضد المصالح التركية والوجود التركي في شمال سوريا.
وأوضح المحلل السياسي السوري عمر كوش أن أحداث قيصري كانت نتيجة تراكمات من التعامل مع الملف الشائك المرتبط باللاجئين السوريين، وعدم بذل خطوات من أجل الاندماج الإيجابي، والعمل لصالح المواطن السوري، مشيرا إلى أن موضوع اللاجئين جرى استغلاله من المعارضة التركية.
aXA6IDE4LjIxNy45OC4xNzUg جزيرة ام اند امز