هل نجحت زيارة الكاظمي إلى واشنطن؟
البعض فسر نتائج زيارة الكاظمي ولقائه بالرئيس الأمريكي اعتماداً على مؤشرات أفرزتها الأحداث في المشهد العراقي اليومين الماضيين
تباينت ردود الأفعال والمواقف بين الأوساط السياسية والمعنيين بالِشأن العراقي حول مدى نجاح زيارة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي الأخيرة إلى الولايات المتحدة.
وفيما اعتبر البعض الزيارة "ناجحة" شكك آخرون في المكتسبات التي يمكن أن تتحقق على أرض الواقع إنعكاسا لمذكرات التفاهم التي أبرمت بين بغداد وواشنطن في مجال الطاقة والاقتصاد والأمن وغيرها من المجالات الأخرى.
وحرص البعض على تفسير نتائج زيارة الكاظمي، ولقائه بالرئيس الأمريكي وكبار ساسة البيت الأبيض، اعتماداً على مؤشرات أفرزتها الأحداث في المشهد العراقي خلال اليومين الماضيين، فيما انقسمت المواقف النيابية بين التشكيك والتأييد والتزام الصمت حتى تتضح طبيعة التفاهمات التي ناقشها الوفد العراقي في واشنطن.
اتفاقيات بواشنطن وعنف بالبصرة
وأنهى رئيس الوزراء العراقي برفقة وفد حكومي ضم مسؤولين في قطاع النفط والأمن والصحة، زيارة إلى الولايات المتحدة، استغرقت 4 أيام بدأت ليل الثلاثاء الماضي.
وشهدت الجولة مباحثات ولقاءات مع مسؤولين في الإدارة الأمريكية، تكللت بتوقيع اتفاقيات في مجال استثمار الطاقة بمليارات الدولارات.
وعشية الخميس الماضي، عقد لقاء في البيت الأبيض جمع الكاظمي وترامب، وصرح الأخير عقب انتهاء الاجتماع أن قواته في العراق لن تغادر مواقعها قبل 3 سنوات، فيما أشار إلى أن التهديدات الإيرانية تفرض على واشنطن التزامها العسكري تجاه بغداد.
وفيما كان الوفد الحكومي العراقي منشغلاً بشرح مواقفه السياسية لواشنطن، محاولاً إعادة صياغة العلاقة المشتركة بعيداً عن التجاذبات الإقليمية وحركة الصراع في المنطقة، كانت أسلحة الاغتيال تبطش بناشطي ساحات الاحتجاج في البصرة.
واضطرت تلك التطورات ، بعدم السماح لتوقف طائرة رئيس الوزراء القادمة من واشنطن ، في العاصمة بغداد طويلاً ، بعد اقل من ساعتين من هبوطها حتى تقلع مرة ثانية باتجاه اقاصي جنوب البلاد لإدراك الموقف الأمني المنفلت في البصرة.
التحرك العاجل للكاظمي برفقة قيادات امنية رفيعة المستوى باتجاه المحافظة الصاخبة بالقتل ، فسرت على انها مصداقاً لنتائج الزيارة الى الولايات المتحدة والضمانات التي قطعتها بغداد هناك لمواجهة المليشيات المسلحة.
رسائل حكومة الكاظمي
يرى الأكاديمي والمحلل السياسي العراقي، إياد العنبر ، أنها زيارة الكاظمي رسائل حكومية إلى الجهات الخارقة للقانون والولايات المتحدة في نفس الوقت، يراد منها إظهار قوة السلطة وعدم التماهي مع أي جهة كانت تهدد أمن البلاد وثرواته بالنهب.
ويقول العنبر في حديث لـ"العين الاخبارية"، أنه: "إذا كان هنالك إرادة لفرض هيبة الدولة ومواجهة للجماعات المسلحة اعتقد ستكون مؤشرات الزيارة بالشكل الصحيح الذي يضمن أن تتحول رسائل الكاظمي إلى البصرة إلى منهاج عمل واضح ضامن لبيئة استثمارية صحية تندرج على طاولتها المشاريع التي وقعها العراق مع الولايات المتحدة ".
ويستدرك المحلل العراقي بالقول: "الإدارة الأمريكية برئاسة ترامب غيرت من أولويات تواجدها في العراق ما بعد مرحلة مواجهة تنظيم داعش من تواجد عسكري إلى حضور اقتصادي وهو ما جعلها تخطو نحو ذلك الأمر بتوثيق تلك الصلات عبر زيارة الكاظمي بتوقيع عدد من مذكرات التفاهم مما يجعل تلك الزيارة مختلفة عن غيرها ".
ويتوقع العنبر، أن تشهد الأيام القليلة المقبلة حالات من الجذب والجدل بين القوى السياسية بعد التفاهمات الاقتصادية الأخيرة بين بغداد وواشنطن ورغبة الإدارة الأمريكية في الدخول بثقل كبير في مجال الاستثمار .
خلاف وتجاذبات
يرى الأكاديمي العراقي، أحمد الوائلي، أن العراق شهد الكثير من توقيع مذكرات التفاهم مع الحكومة الأمريكية وغيرها من القوى العالمية منذ 2003 ولغاية الآن ، ولكن أغلبها سقط أدراج النسيان والتعثر بسبب المزاجات والمواقف الخلافية للقوى السياسية في العراق تجاه مصالح تلك الدول.
ويلفت الوائلي في حديث لـ"العين الاخبارية"، أن التفاهمات المشتركة وخطوط الشروع الأولى لا يمكن للكاظمي تمريرها وتحويلها على أرض الواقع دون أن تمر من تحت قبة البرلمان لغرض التصويت عليها، وبالتالي فقدان الهدف الاستراتيجي والفائدة المرجوة منها للبلاد وتحولها إلى حالة من الخلاف والتجاذب في القوى البرلمانية ".
لكن الأكاديمي والمحلل السياسي العراقي، إياد العنبر، استبعد قدرة البرلمان وفقا لصلاحياته على البت في مثل تلك الاتفاقيات باعتبار أن رئيس الوزراء يملك الصفة التنفيذية والدستورية التي تؤهله لإبرام الصفقات وتوقيع العقود الكبرى ولا يمكن اعتراضه في مجلس النواب إلا إذا كان هنالك خللا في آليات التنفيذ أو قصوراً لدى المسؤولين المعنيين بذلك الأمر .
زيارة ناجحة
اعتبر عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني، عماد باجلان، زيارة الكاظمي بـ"الناجحة"، والتي من شأنها أن تحقق مكاسب على الصعيد المالي والاقتصادي والصحي والعسكري.
واستدرك بالقول إن "الاتفاقيات التي وقعها الكاظمي مع الرئيس الأمريكي ترامب ستمضى وتدخل حيز التنفيذ سواء استطاع الأخير الفوز بالانتخابات الرئاسية المقبلة والوصول إلى ولاية ثانية أو تغيرت المعطيات بوصول المرشح الديمقراطي جون بايدن إلى سدة الحكم".
أما المتحدث باسم رئيس تحالف عراقيون، النائب حسين عرب، فيرى أنه من السابق لأوانه الحكم على زيارة الوفد الحكومي إلى الولايات المتحدة دون أن يقدم الكاظمي توضيحا عن الملفات التي فتحت في البيت الأبيض، وماهي التطورات التي طرأت على شكل ومضمون تلك القضايا.
وينوه عرب، في حديث إلى "العين الاخبارية"، إلى سعي العراق لعلاقة استراتيجية وشراكة قوية مع الولايات المتحدة في العديد من المجالات ولكن ضمن خطوط وسياسات توضح طبيعة العلاقة بين البلدين.
وتابع: "هذا ما ننتظر أن يعرضه الكاظمي على القوى السياسة خلال اليومين القادمين".
ويرهن المحلل السياسي، ياسين البكري، في حديث لـ"العين الاخبارية"، نجاح تلك الزيارة بما إذا كان الكاظمي استطاع أن يقنع إدارة البيت الأبيض بعدم النظر إلى العراق من زاوية الصراع مع ايران، والتوجه نحو بغداد بمنطق ومصالح دولة مقابل دولة".
ويقول البكري: "الأيام المقبلة هي التي تحدد ما إذا كانت زيارة رئيس الوزراء أدت أهدافها وحققت النتائج المرجوة من خلال قدرة السلطة على تحجيم نفوذ المليشيات المسلحة وتحويل التواقيع الاستثمارية من الأوراق إلى واقع ملموس يستشعره المواطن في مجال الطاقة والصناعة والأمن ".