بعد هروب لأكثر من عام.. عودة خزانة أسرار "العشرية السوداء" للجزائر
أكدت مصادر أمنية جزائرية لـ"العين الإخبارية" عودة وزير الدفاع الأسبق الجنرال خالد نزار إلى البلاد بعد هروبه لأكثر من عام خارج البلاد.
ونفت المصادر في الوقت ذاته عودة الجنرال المثير للجدل "عبر طائرة رئاسية"، كما روجت بعض المواقع الإلكترونية وصفحات مواقع التواصل.
- تبرئة شقيق بوتفليقة وجنرالين من تهمة التآمر بالجزائر
- وزير الدفاع الجزائري الأسبق يتهم إخوان الخارج بالتآمر على الجيش
لكنها أكدت في الوقت ذاته أن عودته جاءت بعد "مفاوضات مع السلطات الجزائرية لضمان عودة آمنة إلى البلاد تُجنبه مصير السجن"، بعد أن أدين غيابياً نهاية 2019 بالسجن 20 عاماً مع نجله "لطفي" بتهمة "الدعوة للانقلاب على قيادة الجيش السابقة".
وحصل وزير الدفاع الأسبق (83 عاماً) على ضمانات كافية أقنعته بالعودة إلى الجزائر، بدأت من "سحب الجزائر مذكرة التوقيف الدولية" التي أصدرتها في 2019 للقبض على الجنرال الهارب، فيما لم يحسم وضع نجله "لطفي" ومدير أعماله "حمدين" اللذين أدينا أيضا غيابيا بـ20 سنة سجناً لكل منهما.
وكشفت المصادر الأمنية لـ"العين الإخبارية" عن أنه "ستعاد محاكمة الجنرال نزار بالمحكمة العسكرية"، وتوقعت في المقابل أن يصدر حكم بتبرئته من التهم الموجهة له "مع الحد من نشاطه".
في سياق متصل، كشفت مصادر جزائرية مطلعة في فرنسا، عن أن وزير الدفاع الأسبق خالد نزار قدِم من "غرب فرنسا وليس من إسبانيا" التي فر إليها في آب/أغسطس 2019، وتنقل من مدريد إلى فرنسا خشية تسليمه من قبل السلطات الإسبانية بموجب اتفاقيات تبادل المتهمين بين البلدين.
ولم تُصدر السلطات الجزائرية أي توضيح عن تفاصيل عودة وزير الدفاع الأسبق الجنرال المتقاعد خالد نزار، أو تفاصيل جلسة استئناف الحكم الصادر ضده نهاية 2019 بالسجن 20 عاماً بتهمة "إضعاف معنويات الجيش والتآمر على سلطته".
جدل واستياء
مصادر كشفت اـ"العين الإخبارية" أيضا عن تسريب معلومات عن عودة الجنرال خالد نزار إلى الجزائر الشهر الماضي "لم تكن إلا بالون لاختبار ردة فعل الشارع الجزائري" من قبل مقربين منه، قبل أن تتأكد رسمياً عودته أوائل الشهر الحالي.
وصاحب الإعلان عن عودة "نزار" موجة من الجدل والاستياء في الجزائر، والتي تزامنت مع ما يعتبره المراقبون "صفقة تسوية سرية" بين السلطات الجزائرية وصقور المخابرات السابقين والجنرالات النافذين فترة التسعينيات الذين أطاحت بهم قيادة أركان الجيش السابقة بـ"تهم التآمر على سلطتي الدولة والجيش".
وانتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي في الأسابيع الأخيرة صور "قيل إنها لوزير الدفاع الأسبق خالد نزار قبل صعوده إلى طائرة تابعة للرئاسة الجزائرية"، فيما تضاربت الأنباء حول صحة تلك الصور، خصوصاً وأن وجه نزار لم يكن ظاهرا وشبهه البعض بالرئيس الأسبق اليامين زروال.
ورغم أن خالد نزار لم يشارك فيما اصطلح عليه بـ"الاجتماع السري" قبيل استقالة بوتفليقة في أبريل/نيسان 2019، إلا أن انتقاداته لطريقة تعامل قائد الجيش السابق الراحل أحمد قايد صالح مع الأزمة السياسية، أثارت حوله الشكوك، وسط حديث عن بقاء نفوذه داخل المؤسسة العسكرية رغم تقاعده منذ 1993.
صفقة و3 فرضيات
وانقسمت ردود أفعال الجزائريين والمتابعين بين ناقم على ما يعتبرونه "تنازلاً مجانياً لأركان الدولة العميقة وتراجعاً عن محاسبة المتورطين في أزمة التسعينيات وفساد النظام السابق".
فيما برر حقوقيون ذلك بما أسموه "تصويب أخطاء قيادة الجيش السابقة وبأن الأحكام القضائية لم تكن إلا مجرد تصفية حسابات سياسية".
وربط المراقبون عودة الجنرال المتقاعد خالد نزار مع الأحكام القضائية الأخيرة التي برأت رئيس جهاز المخابرات الأسبق الفريق محمد مدين ومنسق الأجهزة الأمنية السابق الجنرال المتقاعد بشير طرطاق والسعيد بوتفليقة شقيق ومستشار الرئيس السابق من تهمة "التآمر على سلطتي الدولة والجيش".
ولم يستبعد المتابعون أن تكون تلك الخطوات "تمهيدا لإعادة ترتيب بيت النظام الجزائري الذي يعيش منذ أكثر من عام صراعاً بين أجنحته" وسط حديث عن ثورة مضادة قادها فلول نظام بوتفليقة والدولة العميقة للضغط على نظام عبد المجيد تبون.
فيما أرجعت أوساط سياسية أسباباً أخرى لدلالات وتوقيت ما تعتبرها "صفقة سياسية بإعادة المحاكمات" إلى "محاولة نظام تبون تحصين الجبهة الداخلية ضد مؤامرة كبيرة تحاك ضد الجزائر"، وفق تلميحات كبار المسؤولين الجزائريين، وأن تواجد شخصية عسكرية بحجم الجنرال المتقاعد خالد نزار خارج الجزائر "يشكل خطرا أمنياً على البلاد".
وذهبت أطراف أخرى إلى اعتبار عودة نزار بمحاولة السلطات الجزائرية "عدم تكرار سيناريو عسكريين هاربين سعت مخابرات أجنبية على رأسها التركية لاستدراجهم للحصول على معلومات حساسة عن الجيش الجزائري"، مثلما حدث مع قائد جهاز الدرك الهارب العميد غالي بلقصير.
واعتبر محللون في تصريحات لـ"العين الإخبارية" أن "المرحلة المقبلة ستشهد تكثيف محاكمات رموز نظام بوتفليقة مقابل تبرئة مسؤولين عسكريين بارزين منذ فترة التسعينيات"، ورجحوا في المقابل "عودة قوية لجناح الدولة العميقة إلى دهاليز الحكم".
وعقب استقالة بوتفليقة في 2 أبريل/نيسان 2019، فضح وزير الدفاع الأسبق خالد نزار شقيق بوتفليقة وكشف عن معلومات خطرة تعلقت بالطريقة التي كان ينوي بها السعيد بوتفليقة التعامل مع الاحتجاجات الشعبية التي خرجت مطالبة برحيل نظام بوتفليقة.
واعترف "نزار" بأن السعيد بوتفليقة كان "الحاكم الفعلي للجزائر"، وبأنه كان ينوي إقالة الفريق الراحل أحمد قايد صالح من قيادة الجيش وفرض حالة الطوارئ.
الجنرال المثير للجدل
وتولى الجنرال خالد نزار وزارة الدفاع الجزائرية من 1990 إلى 1993 وهي الفترة التي شهدت بدايات تحول جذري في الجزائر، بعد إقرار التعددية السياسية في البلاد، وما أعقبها من استقالة للرئيس الأسبق الراحل الشاذلي بن جديد في يناير/كانون الثاني 1992.
وهو رابع قائد أركان للجيش الجزائري منذ استقلال البلاد خلال فترة الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد (1979 – 1992) وثاني وزير للدفاع بالجزائر "من غير رئيس البلاد"، إذ احتفظ معظم رؤساء الجزائر السابقين بحقيبة الدفاع، فيما كان هواري بومدين أول وزير للدفاع بعد استقلال الجزائر عام 1962 قبل أن يقود انقلاباً عسكرياً على حكم أحمد بن بلة (1962 – 1965).
وكشفت شهادات عسكريين سابقين بأن وزير الدفاع الأسبق ضغط على الشاذلي بن جديد لدفعه على الاستقالة، قبل أن يعلن إلغاء المسار الانتخابي وتعليق العمل بالدستور وحل البرلمان، وتشكيل "مجلس أعلى للدولة" يشرف على تسيير البلاد لمرحلة انتقالية.
ويتهم خصوم الجنرال المتقاعد بأنه "كان المتسبب الأول مع الجبهة الإرهابية للإنقاذ في الانفلات الأمني والأزمة السياسية" التي عاشتها الجزائر فترة تسعينيات القرن الماضي والتي عرفت بـ"العشرية السوداء"، ويعتبرونه "حزانة أسرار سوداء لتلك الفترة الدامية" التي شهدت تغول الجماعات الإرهابية، وبأنه "من أعطى الأوامر لقتل ملايين الجزائريين" وفق شهادات بعض السياسيين والأمنيين الذين عاصروا تلك الفترة.
بينما يدافع عنه آخرون بالقول إنه "أجهض إقامة مزاعم الخلافة" التي كانت أجندة مفضوحة لـ"الجبهة الإرهابية للإنقاذ" المحظورة والتي جمعت في قياداتها كل التيارات المتطرفة من الإخوان والسلفية الجهادية وهي التيارات التي شكلت نواة العمل الإرهابي المسلح في الجزائر سنوات التسعينيات.