مصير بوتفليقة.. ماذا قال شقيقه السعيد في رسالة الغضب؟
كشف السعيد بوتفليقة للمرة الأولى عن الوضعية الحالية لشقيقه رئيس الجزائر المخلوع عبد العزيز بوتفليقة منذ استقالته في أبريل 2019.
وتداولت، الأحد، مختلف وسائل الإعلام الجزائرية "نص رسالة" مثيرة للجدل قرأها السعيد بوتفليقة شقيق ومستشار الرئيس الجزائري السابق أمام مجلس الاستئناف بالمحكمة العسكرية في ولاية البليدة، السبت، والتي برأته من تهمة "التآمر على سلطتي الدولة والجيش".
وقرأ "السعيد" بعد موافقة قاضي الجلسة رسالة مكتوبة باللغة العربية "انتقد فيها تنكر المقربين منه ومن شقيقه الرئيس السابق"، وكشف عن وضعه "تحت الإقامة الجبرية"، معتبرا ذلك "نكرانا لجميله، وظلماً وتعسفاً في قضايا مفبركة ووهمية".
كما استهجن في المقابل وصفه بـ"قائد العصابات التدمير والفساد"، ووصف حال المقربين منهم بـ"الأموات الساجدين"، واعتبر بأنه "بريء من كل التهم الموجهة له".
ومما ورد في الرسالة المثيرة التي اطلعت "العين الإخبارية" على تفاصيلها: "أمثل أمامكم مرة أخرى، والله شاهد على ما أقول، إني بريء، لم أكن متآمرا ضد وطني وشعبي وجيشنا الأبي، بلادي وإن جارت علي تبقى عزيزة، وأهلي وإن ضنوا علي كرام".
وتابع قائلا: "أما عن تفاصيل الوقائع فإني أتركها للتاريخ، هناك شخص مسؤول واحد وهو فخامة الرئيس المجاهد عبد العزيز بوتفليقة الذي كرس وأفنى حياته، أفنى شبابه وحياته لخدمة الجزائر، دون تهاون ولم يبخل بصحته ثانية واحدة لفائدة شعبه، الحقد والبغض والكراهية غير موجودين في قاموسه، ولا الانتقام من شيمه، فقد كان دوماً متسامحاً ومتفهماً.
وذكرت الصحف الجزائرية بأن السعيد بوتفليقة قرأ رسالته التي أثارت الكثير من الجدل بـ"لباس السجن العسكري"، وكشف عن تواجد الرئيس السابق رهن الإقامة الجبرية.
وأردف قائلا: "كان أخي يسعى للتآخي، وعند وقت رد القليل والقليل من الجميل له ولذويه، ولا سيما العبد الضعيف، الذي تحول إلى قائد لعصابات التدمير والفساد من دون أن يترفع صوت واحد، ولا حتى من رفاق الدرب الذين أصبحوا أمواتاً، يجدون أنفسهم في نهاية المطاف في إقامة جبرية وأخيه في السجن، أقولها إقامة جبرية وأخوه في السجن، ظلماً وتعسفاً في قضايا مفبركة ووهمية".
وأضاف: "ومثلما بقي لعشرين سنة صامتاً مُسلماً أمره للقضاء والقدر بصمت رهيب ووقار، استنادا إلى ما قلته أترجاكم أن تعفوني من الأسئلة حتى لا نجرح أحدا، احكموا بضمائركم وإن قررتكم إنصافي فليكن ذلك كاملا غير منقوص، لأن التهمة الخطيرة التي وجهت إلي ليست مؤامرة، بل الاستيلاء على صفة الرئيس والتصرف باسمه".
والواضح من رسالة السعيد بوتفليقة بأنه ما زال يعتبر شقيقه عبدالعزيز بوتفليقة "رئيساً للجزائر"، مستعملاً في كل مرة عبارات "فخامة الرئيس المجاهد" التي كانت ملاصقة بصفة بوتفليقة طوال 20 سنة من حكمه.
وقال شقيق ومستشار بوتفليقة "إن فخامة الرئيس أطال الله عمره، لا يزال حياً يرزق وما قلته في البداية وأول يوم من يمكن الاستفسار معه، سأقبل قراركم مهما كان بصدر رحب كلنا سننفى وسنقف أمام قاضي القضاة الذي يمهل ولا يهمل، والذي ينصف كل عباده، حسبي الله ونعم الوكيل."
تبرئة وسجن مؤقت
وبعد جلسة استئناف الحكم الصادر نهاية 2019 بالسجن 15 سنة، استغرقت "أقل من نصف ساعة" أصدرت المحكمة العسكرية بمحافظة البليدة (وسط) حكماً قضائياً يقضي ببراءة المتهمين الأربعة من تهمتي "التآمر على سلطتي الدولة والجيش" التي وجهت لهم نهاية 2019.
ويتعلق الأمر بكل من السعيد بوتفليقة شقيق ومستشار الرئيس الجزائري المخلوع عبدالعزيز بوتفليقة ورئيس جهاز المخابرات الأسبق اللواء المتقاعد محمد مدين المعروف باسم "الجنرال توفيق" وكذلك الجنرال المتقاعد بشير طرطاق منسق الأجهزة الأمنية السابق (اسم جديد لجهاز المخابرات) ولويزة حنون رئيسة حزب العمال التروتسكي.
في المقابل، أصدر قاضي محكمة البليدة العسكرية حكماً بالإفراج عن الجنرال توفيق ووضعه تحت الرقابة الطبية بعد أن أفرج عنه منذ أكثر من شهرين لأسباب صحية.
فيما أبقي على الجنرال بشير طرطاق في الحبس العسكري لمتابعته في قضايا أخرى - لم يتم الكشف عنها - فيما ورد اسمه في قضايا فساد أخرى".
وتقرر نقل السعيد بوتفليقة إلى سجن الحراش المدني وسط العاصمة بعد أن أيدت محكمة سيدي أمحمد الأسبوع الماضي بوضعه السجن المؤقت لمتابعته في قضية فساد وزير العدل الأسبق الطيب لوح، مرتبطة بخروقات قانونية في جهاز القضاء وتبييض الأموال.
حاكم الجزائر الخفي
وأثارت الرسالة المثيرة للسعيد بوتفليقة شقيق ومستشار الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة استغراب المتابعين لما تضمنته من "محاولة تبييض صورة لطالما ارتسمت بنظام بوتفليقة خصوصاً خلال ولايته الرئاسية الرابعة" من 2014 إلى 2019.
وكان السعيد بوتفليقة يوصف بـ"الحاكم الفعلي من وراء الستار للجزائر" خصوصاً بعد مرض شقيقه عام 2013 إثر إصابته بجلطة دماغية مكث خلالها 88 يوماً بمستشفى "فال دو غراس" بالعاصمة الفرنسية باريس.
وطوال السنوات الـ7 الأخيرة من حكمه، كان ظهور بوتفليقة نادرا وعلى كرسي متحرك، يقتصر على لقاء قادة الدول والوفود بمقر الرئاسة.
ووصف قيادة الجيش السابقة السعيد بوتفليقة والمحيطين به بـ"القوى غير الدستورية" وكشفت عن "استحواذه على ختم الرئاسة بشكل غير قانوني".
ومنذ ولايته الرئاسة الثانية التي بدأت في 2004، تولى السعيد بوتفليقة مهمة مستشار شقيقه عبد العزيز بوتفليقة "بدون مرسوم رئاسي"، كما لم تعرف طبيعة المهام الموكلة له، قبل أن يتحول إلى "رئيس فعلي للجزائر" وفق ما كشفته المؤسسة العسكرية الجزائرية ومختلف وسائل الإعلام الرسمية.
ورغم وضعه الصحي، إلا أن الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة قرر الترشح لولاية خامسة خلال الانتخابات الرئاسية التي ألغيت وكانت مقررة في 18 أبريل/نيسان 2019، قبل أن تجبره أضخم احتجاجات شعبية على الاستقالة في 2 أبريل/نيسان 2019.
وختم بوتفليقة مسيرته بـ"رسالة اعتذار مثيرة" كشف فيها بأنه "لم يقرر الترشح لولاية خامسة وبأنه تفاجأ لذلك"، مؤكدا بذلك "استغلاله من قبل المحيطين به" في إشارة إلى شقيقه المثير للجدل.
قطر.. المتورط الخفي
وكشفت التحقيقات الأمنية والقضائية بعد استقالة بوتفليقة، عن تكوين شقيقه السعيد بوتفليقة "شبكة فساد" امتدت إلى خارج البلاد، عبر مجموعة من رجال الأعمال والوزراء والمحافظين، ومسؤولي البنوك، وهي القضايا التي كلفت الجزائر خسائر "أولية" فاقت قيمتها 60 مليار دولار، أكدت مصادر قانونية بأنها "متواجدة فقط داخل البلاد"، فيما يُجهل الرقم الحقيقي للأموال التي تم تهريبها خارج الجزائر والمتواجدة في بنوك عدة دول أوروبية وآسيوية وحتى من أمريكا اللاتينية.
وهي القضايا التي جر معها شقيق بوتفليقة أكثر من 40 من كبار المسؤولين في عهد النظام السابق بينهم قادة أمنيون وعسكريون ورؤساء حكومات ووزراء سابقون، صدرت في حقهم أحكام نهائية في بعض القضايا في انتظار جلسات استئناف أخرى، وفتح قضايا فساد جديدة لا زالت أروقة العدالة الجزائرية تعالجها منذ 2019.
وكشفت عدة وثائق وحقائق جديدة عن تورط النظام القطري في قضايا الفساد المتهم فيها شقيق بوتفليقة، عبر أحد البنوك الإخوانية المملوكة لرجال أعمال من العائلة الحاكمة القطرية ورجال أعمال من إخوان الأردن التي لها فرع في الجزائر، وكشفت عن صفقات مشبوهة وعمليات تحويل وتهريب غير قانونية للعملة الصعبة بمليارات الدولارات قام بها السعيد بوتفليقة ومقربون منه، وكذا قيادات إخوانية جزائرية، وهي العمليات التي تزايدت في الشهرين الأولين من 2019 أي قبل الحراك الشعبي الذي أسقط نظام بوتفليقة.
ونهاية الشهر الماضي، أيد مجلس قضاء الجزائر، مساء الثلاثاء، قرار إيداع السعيد بوتفليقة شقيق ومستشار الرئيس السابق رهن الحبس المؤقت في قضية وزير العدل الأسبق الطيب لوح، أحد أكثر المقربين من عائلة بوتفليقة.
وللمرة الأولى، أضاف قاضي محكمة "سيدي أمحمد" تهمة غسل الأموال للسعيد بوتفليقة بالإضافة إلى أخرى تتعلق بـ"تحريض الموظفين على التحيز في القضاء والتأثير على القرارات والأحكام القضائية"، بعد فحص رسائل نصية على هاتف وزير العدل الأسبق، وفق ما ذكرته مختلف وسائل الإعلام المحلية.