معرض الخرطوم الدولي للكتاب يناقش دور التراث في تعزيز الهوية السودانية
سليمان يحيى أستاذ التراث والفلكلور بمعهد الدراسات الأفريقية والآسيوية بجامعة الخرطوم، يقول إن السودان بلد متنوع الثقافة والبيئة والمناخ
أكد متحدثون في ندوة "أثر التراث في تعزيز حفظ الهوية السودانية"، التي عقدت في المقهى الثقافي، السبت، ضمن فعاليات معرض الخرطوم الدولي للكتاب، أن للتراث دورا كبيرا في الحفاظ على الهوية والتماسك المجتمعي، ويقف في وجه الاستلاب الثقافي، كما يمثل مع الثقافة المحلية أحد العناصر الأصيلة، ومكون للهوية الوطنية وسمة من سماتها، ويمثل ذاكرة أي أمة ومصدر اعتزازها وقوتها، إذا تم توظيفه وإدارته بشكل سليم لبناء الأمم, مؤكدين أن موضوعي الهوية والتراث لا ينفصلان عن بعضهما.
وقال البروفيسور سليمان يحيي، أستاذ التراث والفلكلور بمعهد الدراسات الأفريقية والآسيوية بجامعة الخرطوم، إن السودان بلد متنوع الثقافة والبيئة والمناخ، وهو ما أفرز واقع متنوع ثقافياً وتراثياً.
وأضاف أنه ورغم التعدد فإن هناك جوهرا يربط السودانيين من حيث الشكل والسمات العامة، وهو ما ميز الشخصية السودانية.
وأشار "يحيي" إلى أن التراث أمر مشترك لكل أمة وشعب، ويظل متوارثا يتركه كل جيل للآخر، ولذلك يكتسب صفة الاستمرارية ويظل يعيش بين الناس.
وأوضح أن التراث هو مجموعة من الإنتاجات المجتمعية، يدخل فيها التاريخ والثقافة والعرق والهوية أيضاً، والتي هي واحدة من إنتاجات التراث لكل شعب وأمة، مضيفاً أن السودان يتمتع بذلك التنوع الجغرافي والمناخي، والذي أفرز بدوره تنوعًا ثقافيًا، ولكن في نهاية الأمر يحتفظ بالسمات التي تميزه.
وقال إن الثقافة السودانية الغالبة هي ثقافة هجين بين الأفريقية والعربية، والعنصران يؤثران بشكل كبير على السمات الثقافية للمجتمع السوداني في بواديه وحواضره، مشيراً إلى أن الثقافة العربية المنتشرة في السودان تتميز بخصائص وسمات تختلف عن الأخرى الموجودة بالبلاد العربية، وكذلك الثقافة الأفريقية الموجودة بالسودان تختلف أيضاً عن تلك السائدة في أفريقيا.
وخلص "يحيي" إلى أن الهوية السودانية تستمد سماتها العامة من التراث، مؤكداً أن للتراث دورا كبيرا في الحفاظ على الهوية والتماسك المجتمعي، حيث يقف في وجه الاستلاب الثقافي، وهو الخطر الأكبر الذي يهدد أي هوية وطنية، وشدد على أهمية صون التراث وحفظه كمعين لا ينضب تستمد منه الأجيال ثقافتها الوطنية وتميزها.
وأكد "يحيي" أن السودان تتوافر فيه درجة كبيرة من التنوع القبلي والعرقي، يمزج بين أصالة الهوية السودانية والوحدة الروحية، وتضافر عوامل الوحدة وتناسق المزاج العام والتجربة التاريخية، في إطار من التجانس في الأسس الاجتماعية، مؤكداً تشابه عوامل عدة مشتركة، وعلى رأسها العادات والتقاليد وتشابه النظرة إلى القيم الأخلاقية، وقال إنها تمثل سمات عظيمة تميز أفراد المجتمع، وتمنحهم ذاتيتهم ومعرفة أنفسهم.
وأضاف سليمان يحيى: "تعتبر الهوية الوطنية أحد المكونات الرئيسة لمجتمع السودان، وتشمل اللغة والدين والعرق والآثار والمأثورات والأمثال والشعر والأهازيج والحكايات والفلكلور والعادات والتقاليد والموروث الاجتماعي والتاريخي والعمراني والبيئي، وهي في حد ذاتها حافظة لوحدة الأمة ونفسيتها ومشاعرها وذاكرتها".
ونوه "يحيي" إلى أن المقتنيات والتراثيات الشعبية بأنواعها، تمثل بعناصرها منجزاً حضارياً عظيماً للأمة، وتشمل التاريخ الثقافي للمجتمع، الذي تناقلته الأجيال جيلاً بعد جيل، حتى أضحى ذلك من أعظم مكونات المجتمع المحلي.
ودعا يحيي في نهاية حديثه إلى ضرورة إدارة التنوع الثقافي بحكمة وبآليات علمية، حتى لا يحدث التهميش الثقافي الذي يؤدي للصراعات السياسية، والتي تتطور إلى صراعات مسلحة.
وبدوره، أكد الدكتور أسعد عبدالرحمن، الأمين العام للمجلس القومي للتراث وترقية اللغات، أن موضوعي التراث والهوية الوطنية لا ينفصلان ومرتبطان ببعضهما البعض.
وقال إن التراث وفقاً لتعريف اليونسكو على ضوء الاتفاقية العالمية لصون وحفظ التراث للعام 2003، هو ميراث المقتنيات المادية وغير المادية التي تخص مجموعة ما أو مجتمع لديه موروثات من الأجيال السابقة، وظلت باقية حتى الوقت الحاضر، ووهبت للأجيال المقبلة.
وأكد أسعد عبدالرحمن أن التراث المادي يشمل المباني والأماكن التاريخية والآثار والتحف وغيرها، التي تعتبر جديرة بحمايتها والحفاظ عليها بشكل أمثل لأجيال المستقبل، ويشمل ذلك الرؤى لقى المتميزة بالنسبة لمعايير علم الآثار والهندسة المعمارية والعلوم أو التكنولوجيا فيما يخص ثقافة بعينها، وتصبح تلك اللقى والمواد من الأهمية لدراسة تاريخ البشرية لأنها تمثل الركيزة الأساسية للأفكار والتي يمكن التحقق من صحتها، ويدل الحفاظ عليها على اعتراف ضمني بأهمية الماضي، والدلالات التي تسرد قصص الماضي، كما أن اللقى المحفوظة تؤكد صحة الذكريات؛ وصلاحية المادة المكتشفة، بدلاً من استنساخها أو استبدالها، فهي تقوم بتوجيه الناس وتدلهم على الطريق السليم للتواصل مع الماضي، وبالمثل فإن سمة التغيير هي معيار القيمة التي يضفيها كل جيل على الماضي، وكذلك على القطع الأثرية التي تربطها بذلك الماضي.
وأضاف أسعد أن التراث مكون أساسي للهوية الثقافية الوطنية، لشدة الارتباط بين الهوية والتراث والثقافة، فإذا كنا نريد الحديث عن التراث السوداني فذلك لا يكون بمعزل عن الهوية الوطنية والثقافة، ويعود ذلك إلى العلاقة الوطيدة بين هذه المكونات، وهي في الوقت نفسه متجددة في بعض مظاهرها، متغيرة حسب الظروف والأحوال، وهي ذات تجديد فاعل قابل لاستيعاب للمفاهيم الجديدة، ومحافظ على موروث الأجيال السابقة.
وألمح بأن تعزيز الهوية لا يتم بمعزل عن التراث، مبيناً أن التراث عنصر مهم من عناصر الهوية الوطنية، وفي الوقت نفسه امتداد للأجيال، واستمرار لمآثر الأجداد في الآباء، ومآثر الآباء في الأبناء والأحفاد.
وقال إن للتراث الشعبي دور في الحفاظ على الثقافة المحلية، إذ يؤكد صلتها بالماضي العميق، وهو في الوقت نفسه يمثل الماضي الممتد للحاضر والمستمر في المستقبل.
aXA6IDMuMTQ1LjkyLjk4IA== جزيرة ام اند امز