المحرك التركي لقضية اختفاء خاشقجي دفع كل وسائل الإعلام تقريبا للتسرع والحكم في القضية، وإعلان تفاصيل لا يقبلها العقل.
أثبت اليوم الإعلام الغربي والعالمي الذي وثقنا دوما في مهنيته ومصداقيته فشلا لم نر له مثيلا من قبل.
وثبت هذا الفشل مع قضية اختفاء الإعلامي السعودي جمال خاشقجي، حيث غابت كل أصول الكتابة والإعلام.
تعلمنا منذ نعومة أظافرنا أن الخبر الصحيح لا يكتمل إلا بالإجابة عن الأسئلة الست: ماذا؟ من؟ أين؟ متى؟ كيف؟ لماذا؟
اليوم انقلبت كل الموازين، ولم يعد للقواعد قيمة ولا للقيم قواعد، والمخيف في الأمر أن خبر اختفاء الصحفي السعودي -والتي لا تزال غامضة- تم تناقله من وسائل الإعلام التقليدية والحديثة بجميع أنواعها في قصة وكأنها من نسج الخيال الهوليودي، في حين أن كل هذه الوسائل لم ولا تحمل سوى إجابة واحدة على سؤال واحد وهو: ماذا؟
غياب المهنية كان واضحا في كل وسائل الإعلام الذين تاجروا بالقصة وخدموا تركيا، التي أرادت بهذه القصة تعكير العلاقات السعودية الغربية، لتدخل على الخط مع الغرب في محاولة لإنقاذ فشلها السياسي وسقوطها اقتصاديا
كل العوامل المتبقية والمتعلقة بقضية الاختفاء كانت وما زالت غامضة.
بقية الأسئلة أجاب عنها رجب طيب أردوغان وأعوانه الذين حتى عندما تكلموا ومنذ البداية لم يعطوا حتى أسماءهم، بل تم التعاطي معهم وتقديمهم على أنهم: مصادر تركية مطلعة! وكان الأحرى أن يسموا بمصادر تركية "مضطلعة"، وكيف وثق الإعلام العالمي والغربي في معلومات صادرة عن الحكومة التركية المعروفة بقمعها الإعلاميين، وزج كل من يسير ضد التيار الإخونجي ولو بكلمة في السجون.
والأكثر خطورة في الموضوع أن السياسيين بدأوا في اتخاذ قرارات حول القضية ومستقبل تعاونهم وعلاقاتهم الدبلوماسية والاقتصادية مع المملكة العربية السعودية، اعتمادا على ما تناقله الإعلاميون ووسائل التواصل الاجتماعي، التي تمكنت من الخيال الشعبي المتعطش للدراما المبالغ فيها لإرضاء فضوله المكبوت.
وهذه هي الكارثة الحقيقية، فليس مستغربا أن يؤثر الإعلام والآليات التي تعمل وراءه على الرأي العام الذي لا يمكن لومه لغياب الوعي وعدم اطلاعه على الصورة الحقيقية كاملة أو قلة فهمه.
الكارثة في النخب السياسية والمفكرين الذين أبدوا تعطشا غير مسبوق أو متوقع لقصص الخيال.
فقط لو يحاول المتلقي الاعتماد على العقل قليلا سيجد أن كل الإجابات تأخذنا نحو طريق واحد؛ وهو أن المملكة السعودية لا يمكن أن تكون على علاقة باختفاء خاشقجي.
أولا: جمال خاشقجي ليس بذلك الإعلامي الخطير أو المثير أو المعارض الشرس، ولا تمثل مواقفه أي خطر أو إزعاج حقيقي على المملكة.
ثانيا: إذا ما نوت أي جهة رسمية أو غير رسمية اتخاذ إجراء -أي عمل عدائي- نحوه هل يعقل وبفكر محقق وإن كان مبتدئا أن يتم استقطابه نحو مكان بعينه، وبموعد مسبق لاستهدافه.. فأين العقل؟!
ثالثا: صمت الخطيبة التركية التي رافقته إلى باب القنصلية، ورفضها تقديم أي تصريحات لوسائل الإعلام، خجل أم تحفظ أو خوف من التورط في ورطة وجدت نفسها جزءا منها؟
نحن لا نعلم عن هذه السيدة سوى أنها خطيبته التركية، وفي مثل هذه الظروف الغامضة كان من المفترض على الإعلام التركي واستخبارات أردوغان أن يعدوا لنا قصة مقنعة عن طبيعة خاجقشي بخطيبته وظروف التعارف، وكثير من التفاصيل التي يتعطش الرأي العام لمعرفتها، وغياب مثل هذه التفاصيل تبقى حلقة مهمة مفقودة لتكتمل صورة الجريمة كما أرادوها.
والدوي الإعلامي الذي صحب اختفاء الصحفي السعودي شغل العالم، ونسيت الشعوب -المتأثرة "المثارة" بقصة الأتراك- القانون في كل العصور والدول؛ حيث لا يصح إدانة أي طرف إلا في حضور الأدلة والشهود، وبعد إقامة محاكمة واضحة وعادلة.
لكن المحرك التركي لهذه القضية دفع كل وسائل الإعلام تقريبا للتسرع والحكم في القضية، وإعلان تفاصيل لا يقبلها العقل، وهذا بدوره حرك الرأي العام والساسة.
غياب المهنية كان واضحا في كل وسائل الإعلام الذين تاجروا بالقصة، وخدموا تركيا التي أرادت بهذه القصة تعكير العلاقات السعودية الغربية، لتدخل على الخط مع الغرب في محاولة لإنقاذ فشلها السياسي وسقوطها اقتصاديا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة