القصة الكاملة لاختلاق رواية "مقتل" خاشقجي.. ابحث عن القاعدة وقطر
الاتهامات والمزاعم التي تراكمت على مدى الأيام اللاحقة لواقعة اختفاء خاشقجي كانت تستهدف الرياض
في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول فُقد أثر الصحفي السعودي جمال خاشقجي في مدينة إسطنبول التركية.. معلومة وحيدة صحيحة بين ركام من الادعاءات التي أغرقت وسائل الإعلام منذ ذلك الوقت.
الاتهامات والمزاعم التي تراكمت على مدى الأيام اللاحقة لواقعة اختفاء خاشقجي كانت تستهدف الرياض، التي بادرت بدورها إلى فتح قنصليتها أمام عدسات الكاميرات للتحقق من كذب هذه الاتهامات، لكن "الحملة المشبوهة" تواصلت.
- وزير الداخلية السعودي يستنكر ما يتم تداوله حول قضية اختفاء خاشقجي
- مصدر سعودي: نرحب باستجابة تركيا لتشكيل فريق مشترك لكشف ملابسات اختفاء خاشقجي
الحملة التي استهدفت بصورة واضحة السعودية وولي عهدها الأمير محمد بن سلمان، بنيت على أساس قصص رواها "مصدر مجهل" لصحف غربية، سيتضح لاحقا أنه على صلة بتنظيم القاعدة وإمارة قطر.
لكن الرواية المستندة إلى مصدر مجهل ودون التأكد من مدى صحة المعلومات التي أدلى بها كانت كافية لشن حملات عدائية ممنهجة ضد السعودية، ومن دون تعليق من تركيا، التي سُمح لسلطاتها بدخول القنصلية والتحقق من المزاعم الواهية.
وبعد مرور 11 يوما لم يظهر خاشقجي بعد، لكن مصدر القصة المشبوهة كان قد انكشف.
ففي الثالث عشر من أكتوبر/تشرين الأول، أفصح صحفيان كان لهما دور في نقل القصص عن خاشقجي عن هوية مصدرهما السري، ليتضح أنه خالد صفوري.
وما إن تكشف اسم صفوري، الذي يزعم أنه مقرب من خاشقجي، سارع الكاتبان الأمريكيان باتريك بوول وجوردن شاشتيل، المتخصصان في شؤون الأمن القومي والإرهاب، بكشف ماضيه الأسود وحقيقة صلاته بجماعات إرهابية استهدفت المملكة السعودية قديما.
وما يضاف إلى غرابة الموضوع، أن أحد الصحفيين اللذين نقلا قصة صفوري حول خاشقجي هو من عمل على نقل معلومات بشأن تحقيقات أمريكية حول صلة صفوري بالإرهاب بعد هجمات 11 سبتمبر.
القاعدة على الخط
وقال باتريك بوول، عبر موقع "بي جي ميديا" الإخباري الأمريكي، إن خالد صفوري له علاقات بتنظيم القاعدة وحركة حماس، كما أنه على علاقة صلة وطيدة معروفة بعبدالرحمن العمودي، أحد داعمي تنظيم القاعدة، الذي يقضي حاليا حكما بالسجن في الولايات المتحدة.
وحكم على العمودي بالسجن داخل أحد السجون الأمريكية الفيدرالية في عام 2004، والسبب أنه كان جزءا من مؤامرة لتنظيم القاعدة في ليبيا لاغتيال الملك السعودي الراحل عبدالله بن عبدالعزيز عندما كان وليا للعهد.
علاقات وطيدة مع قطر
العمودي، وهو مؤسس المجلس الإسلامي الأمريكي، الذي عمل به صفوري مديرا للشؤون الحكومية لمدة عامين (1995- 1997)، بعدها ساعد الأول على إطلاق معهد السوق الحرة الإسلامي، بإعطائه 35 ألف دولار كحزمة مالية أولى.
وقد جرت عدة تحقيقات بشأن المعهد بسبب صلاته المالية مع حماس وغيرها من المنظمات الإرهابية.
وكشف باتريك بوول عن عدد من الأنشطة التي تعاون فيها كل من صفوري والعمودي، كان من بينها تنظيم أول مأدبة إفطار في البيت الأبيض عام 1996، فضلًا عن تنظيم المعهد الإسلامي الخاص بصفوري عددا من اللقاءات، كان أحدها بتمويل من وزارة الخارجية القطرية.
وعملت قطر مع صفوري للمساعدة في تصوير نفسها بأنها إمارة ليبرالية، حتى إن صفوري قد نظم مؤتمرا برعايته في العاصمة الدوحة، حيث تلقى المعهد أكثر من 150 ألف دولار مدفوعات من قطر، قال عنها إنها تعويضات عن نفقات سفر مندوبين أمريكيين.
محاولة صناعة "فليم هوليوودي"
وما كان ينقص الميديا الغربية لإحكام حبكة "رواية القتل" المزعوم هو بناء خلفية لحدث مفاجئ، وقد تكفل عميل القاعدة وقطر الذي فضل حينها أن يبقى "مجهولا" باختلاقها.
ووضع صفوري بذرة القصة المختلقة بالحديث عن لقاء جمعه بالصحفي السعودي خاشقجي صيف العام الجاري، وقد اقتبست عنه الصحف زعمه أن مسؤولا سعوديا تواصل مع خاشقجي "يطلب منه العودة إلى السعودية مع ضمان سلامته". لكنه أضاف: "فسألته: ستذهب؟، وكان ردّه: أنا لست مجنونا".
وعلى وقع "الجنون" ستتلقف منصات قطرية اقتباسات صفوري، وتعيد إنتاجها مرارا في سياقات مختلفة، وتحت عناوين تصادفها عادة مع قراءة "الصحف الصفراء"، لنسج سلسلة من السيناريوهات الغرائبية.
وستتغذى عبارة "أنا لست مجنونا" على سلسلة من الأكاذيب لاحقا، أبرزها أن "المسؤول السعودي المفترض" حاول إقناع خاشقجي بالتفاوض مع السلطات السعودية، واختار القاهرة مسرحا للاجتماع المزعوم، ومن أجل مزيد من الإثارة كان يلزم البحث عن دافع لجريمة القتل.
كيف أصبحنا أمام "فيلم هندي"؟
الظل الخفي لعبارة "هل أنا مجنون؟" كان يضفي طابعا شائقا لقصة القتل المتوهمة، لكن محاولات "التجويد" التي بذلها عميل قطر أفسدت الحبكة على ما يبدو، حينما تحدث عن الدافع.
وقال صفوري إن خاشقجي قام برحلات إلى أوروبا لجمع الأموال لدعم منظمة "ديمقراطية للعالم العربي الآن" من المغتربين الذين ينتمون إلى الدولة الخليجية.
وأضاف أن خاشقجي لم يعبر عن نياته لإسقاط الحكومات، بل إلى تعزيز حقوق المواطنين الذين يعيشون في المنطقة العربية، قبل أن يؤسس للعبث الذي تتحول معه الأكاذيب إلى نكات سيئة التأليف، قائلا إن "خاشقجي أعرب له عن خوفه من المخاطر التي قد يجلبها عليه هذا العمل.. كان يعلم أن ذلك سيعرّضه للخطر".