الهاربون إلى تركيا بدأوا يدركون أن الاطمئنان للسياسة التركية البراجماتية، لم يعد ممكناً.
من تابع الوقفة الاحتجاجية على غياب الإعلامي السعودي جمال خاشقجي في تركيا مؤخراً، بلا شك أنه لاحظ أن حماس بعض العرب المحسوبين على "تيار الإخوان المسلمين" الهاربين من العدالة في بلادهم، هم من يقودون تلك الاحتجاجات ويتهمون المملكة العربية السعودية بإخفائه -مع أن ولي العهد السعودي كان قد صرح بأنه غادر القنصلية في إسطنبول-حتى يمكن القول بأن ذلك الحماس إما أنه "نفاق" للرئيس التركي أردوغان الذي يوفر لهم المأوى خوفاً من أي غدر قد يحدثه عليهم، أو أنه نتيجة طبيعة في سياسة بيع الضمير الوطني لمصلحة حساب "الجماعة"، وفي الحالتين يزعجون الشعوب العربية.
أمر الوقفة الاحتجاجية يمكن قراءته من الزوايا السياسية التالية: أنه دليل على أن الهاربين إلى تركيا بدأوا يدركون أن الاطمئنان للسياسة التركية البراجماتية لم يعد ممكنا، وأنهم يمثلون، الآن، ضغطاً سياسياً على أردوغان بعدما تم القضاء عليهم في الدول العربية
وإذا اعتبرنا أن رد فعل خطيبة جمال خاشقجي، كإنسانة، هو أمر طبيعي، إلا أن دخول توكل كرمان وعبدالرحمن القرضاوي وغيرهم في وقفة احتجاجية أمام القنصلية السعودية في إسطنبول أعطى للموضوع بعداً سياسياً للذين اعتادوا على طعن بلدانهم في الظهر خدمة لأجندات عابرة للحدود، واستغلال أي حدث ولو كان غير حقيقي للإساءة للعرب، وهذه إحدى المشكلات التي تعاني منها الدول العربية مع هذه "الجماعة" التي لا تجد أي حرج أو خجل في مزايداتها السياسية ضد بلدانها ولا يمتلكون أدنى غيرة على الوطن، أو هكذا يبدو منهم.
مثل هؤلاء الذين أشاعوا بين الناس أنهم لا يقيمون لمصلحة الوطن ولاء أو انتماء في مواجهة "حزبهم" منذ أيام تجربة "الإخوان" في مصر، اليوم هم يمعنون في الإضرار بأنفسهم مع المجتمعات العربية والدول التي كانوا ينتمون لها لحساب تجاذبات سياسية بين تركيا، التي تحاول أن تتمدد عربياً، والدول العربية خاصة السعودية ومصر، فالموضوع في هذه القضية لم يعد جماعة خرجت على الدولة وهاربة من العدالة في بلادها، ولكنها تتفرغ من أجل دعم موقف سياسي لدولة تعتبر منافسة للدول العربية؛ وذلك لتعجيزها وتشويهها أمام الرأي العام العالمي، إنه فكر إخواني أصيل.
أمر الوقفة الاحتجاجية يمكن قراءته من الزوايا السياسية التالية: أنه دليل على أن الهاربين إلى تركيا بدأوا يدركون أن الاطمئنان للسياسة التركية البراجماتية لم يعد ممكنا وأنهم يمثلون، الآن، ضغطاً سياسياً على أردوغان بعدما تم القضاء عليهم في الدول العربية ولم يعودوا ورقة رابحة بقدر أنهم عبء سياسي، وبالتالي فهم يجتهدون في إبداء الولاء له لإحياء أهميتهم حتى لو كان الأمر فيه من الأكاذيب والمغالطات السياسية الكثير، وعليه فإن تلك الوقفة الاحتجاجية عبارة عن محاولة "إنعاش شخص يحتضر".
القدر الثابت أن الإنسان العربي في أي مكان في العالم قد يكون على اختلاف مع سياسة بلاده أو أنه غير راضٍ عما يحدث فيها، ولكن تأكد أنه لا يقبل من أي أحد الوقوف مع من يمثل خطراً على وطنه فأجواء "الربيع العربي" حرقت الكثير من الناس كانوا رموزاً سياسية في بلدانهم في العالم، أمثال الدكتور محمد البرادعي الذي كان أحد مرشحي الرئاسة وكان يلقى تأييداً من شريحة كبيرة من الشعب المصري، ولكنه في لحظة تاريخية فقد كل شيء، والحال ينطبق على توكل كرمان فمهما كانت المبررات للوقفة الاحتجاجية إلا أنها غير مبررة لدى الشعوب العربية، وبالتالي فإن كراهيتهم تزداد ونواياهم الخبيثة تكشفها المواقف السياسية، وكأن التاريخ بدأ يقتص منهم.
غضب الشعوب العربية على "الإخوان" يتضاعف يوماً بعد يوم، فإذا كان هذا موقفهم تجاه موقف سياسي ما زال ملتبساً وغير واضح، فكيف الأمر إذا ما كان حقيقياً وواضحاً؟ أعتقد أن نواياهم كانت تخفيها النوايا الحسنة للشعوب ولكن حين أفاقت تلك النوايا اكتشفت الشعوب الحقيقة المرة، ومع كل مرة تزداد الفجوة بينهم وبين المجتمع حتى صار الحديث اليوم عنهم كأنه إحياء لذكراهم التي تم نسيانها ولم نعد نسمع لها حضوراً.
حبال الشعوب العربية في الصبر على منتمي "الإخوان المسلمين" لم تعد طويلة حتى على الدول التي تستضيفهم مثل قطر وتركيا، ولم تعد لديهم القدرة على مزيد من الانتظار بل إن ذلك يفاقم أزمات ليست مع تلك الدول وإنما مع شعوب الدول المستضيفة أيضا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة