إن الإجماع في ولاية الرجل على المرأة انعقد في مسائل الزواج فقط، وما دون ذلك فإن الأمر محل خلاف بين الفقهاء.
يقول سمو الأمير محمد بن سلمان في لقائه مع وكالة بلومبيرج العالمية: «تم فرض قوانين الوصاية على المرأة عام 1979م، ونحن نتشاور مع كبار العلماء في المملكة لفصل ما هو من الإسلام عن غيره، هناك فرصة للتقدم في هذا المجال».
وعرف عن هذا الرائد والمصلح العظيم أنه إذا قال فعل، وليس لديّ شك في أن الأشهر القليلة المقبلة ستتحرر فيها المرأة من بعض القيود غير الشرعية، فقوله: «فصل ما هو من الإسلام عن غيره» يعني أن هناك بعض القيود الاجتماعية في هذه الشؤون التي لا علاقة لها بالإسلام؛ وبالتالي الحلال والحرام؛ بمعنى أن بعض العادات والتقاليد الموروثة التي لم يأمر بها الشارع -عز وجل- ولا نبيه -صلى الله عليه وسلم- تكتنف هذه القوانين، وهذه مآلها الإلغاء.
لا بد من الإشارة إلى أن المرأة، وبخاصة ما يتعلق بحقوقها، هي من أولى ضحايا التشدد الذي اتسمت به العقود الثلاثة أو الأربعة الماضية (عصر الصحوة المظلمة) التي انطلقت أول ما انطلقت ابتداء من عام 1979م
وكثير من هذه الأمور قد يعتقد بعض العوام أنها من أوامر أو مستحبات الدين الحنيف، بينما هي اتخذت صبغة القدسية مع مرور الزمن دونما شواهد أو أدلة من القرآن أو السنة، أو لعل بعضها على أحسن تقدير محل خلاف بين الفقهاء، وليست مجمعًا عليها، فأتت بعض الفتاوى المتشددة لتضعها في مستوى القطعية والإجماع، رغم أنها غير ذلك بتاتًا.
وغني عن القول إن الإجماع في ولاية الرجل على المرأة انعقد في مسائل الزواج فقط، وما دون ذلك فإن الأمر محل خلاف بين الفقهاء، وهذا ما يقول به -مثلاً لا حصرًا- معالي الشيخ عبدالله بن منيع في تصريح لجريدة عكاظ.
والشيخ المنيع هو من أسن أعضاء هيئة كبار العلماء، ومعروف عنه التسامح وعدم التضييق في المسائل الاجتماعية، وبخاصة تلك التي لا نص فيها، كما أنه من أبعد الفقهاء عما يسمونه (الماينبغيات) التي يكون مصدرها العرف والعادات والتقاليد وليس الدين.
وكان الرسول- صلى الله عليه وسلم- في زمن النبوة يكرم المرأة وينادي بتكريمها، بل يستشيرها، ويأخذ برأيها كما حصل مع استشارته لأم سلمة في صلح الحديبية، كما أن هناك أمورًا حياتية كثيرة استجدت، ولم تكن المرأة في الماضي تشارك فيها، أما اليوم فإن العصر اختلف وتغير، وأصبحت المرأة تقوم بمهام ونشاطات في كل الحقول الإدارية والاقتصادية والسياسية، فكان من الضرورة بمكان أن تتغير هذه الأمور تبعًا لهذه التغيرات؛ فمثلا هناك بعض النساء التي تعول أسرتها، ويعتمد عليها دخل الأسرة بشكل لم يكن كذلك في الماضي؛ ما يجعل من باب العدل والإنصاف أن يكون لها من الحقوق ما يتناسب مع أوضاعها المستجدة هذه.
ومن أهم قواعد أصول الفقه التي تبنى عليها الشريعة المطهرة -كما هو ثابت في مسائل استنباط الأحكام- أن (الأحكام تدور مع عللها وجودا وعدما)، فإذا تغيرت العلة كان من الضرورة تغير الأحكام تبعا لهذا التغير، والعكس صحيح. وهذا ما نأمل من فقهائنا أخذه في الاعتبار عند مراجعة هذه الأنظمة والقوانين التي وعد الأمير محمد بمراجعتها من قِبل هيئة كبار العلماء.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن المرأة، وبخاصة ما يتعلق بحقوقها، هي من أولى ضحايا التشدد الذي اتسمت به العقود الثلاثة أو الأربعة الماضية (عصر الصحوة المظلمة) التي انطلقت أول ما انطلقت ابتداء من عام 1979م كما أشار سموه؛ لهذا فإن من أولى الأولويات اليوم إعادة النظر في تلك القوانين، فما كان منها إسلاميًّا وانعقد عليه (الإجماع) فعلى العين والرأس، أما ما كان مصدره العادات والتقاليد الموروثة، أو أنه محل خلاف بين الفقهاء، فيجب عندها النظر في مصالح المجتمع العليا، فهي بمنزلة الفيصل بين القبول والرفض.
نقلا عن "الجزيرة السعودية"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة