المؤكد أننا أمام نحو أسبوعين من التصعيد الكلامي والتهديدات المتبادلة
رغم شكوك بعض المحللين والمراقبين، فإن العلاقات بين الكوريتين تتجه ـ بعد القمة الأخيرة ـ إلى مربع التهدئة والبحث عن الأمن والاستقرار، الأمر الذي دفع البعض إلى تشبيه المسار المفاجئ للعلاقات المتوترة بين الدولتين بانهيار جدار برلين وسقوط الاتحاد السوفيتي السابق.
وفي ظل استنساخ النظام الإيراني لتكتيكات كوريا الشمالية في التعامل مع العالم، فإن توجه الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون نحو التهدئة والبحث عن الاستقرار يضع طهران في مأزق استراتيجي حقيقي، لاسيما أن العالم يتابع بدقة ردود الأفعال الإيرانية والكورية الشمالية حيال ما يُبذل من مساع للحوار والتفاهم وتسوية الأزمات.
ففي الوقت الذي كان يعلن فيه الزعيم الكوري الشمالي عن إغلاق مواقع التجارب النووية، كان الرئيس الإيراني حسن روحاني يرفض أي توجه للحوار معلناً أن "الاتفاق النووي أو أية قضية أخرى بذريعته، غير قابل للتفاوض مطلقا".!
توجه الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون نحو التهدئة والبحث عن الاستقرار يضع طهران في مأزق استراتيجي حقيقي، لاسيما أن العالم يتابع بدقة ردود الأفعال الإيرانية والكورية الشمالية حيال ما يُبذل من مساع للحوار والتفاهم وتسوية الأزمات.
يتفهم المراقبون ما وراء هذه النبرة المتشددة للنظام الإيراني، الذي استدرج الغرب لمفاوضات شاقة استغرقت نحو 13 عاماً قبل التوصل للاتفاق النووي، فإيران تعجبها سياسة "حافة الهاوية" التي يستخدمها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وتراهن على أنه يلوح بالعصا في وجهها، ولكنه لن يذهب على الأرجح إلى حد إعلان الحرب ضدها!
السؤال الأكثر إلحاحاً الآن في منطقتنا قبل أيام من موعد الثاني عشر من مايو، حيث يتعين على الإدارة الأمريكية تحديد موقفها حيال الاتفاق النووي الموقع مع إيران، هو: هل ينفذ الرئيس ترامب تهديداته بالانسحاب من الاتفاق، أم سيقدم له حلفاؤه البديل عبر النجاح في إيجاد صيغة ما للتعاطي مع الخطر الإيراني من دون أن يبدو كمن تخلى عن تعهده بالانسحاب منذ بداية حملته للانتخابات الرئاسية الأمريكية؟.
الشواهد تؤكد أن ترامب يحاول، منذ توليه منصبه، أن يثبت مقدرته على الوفاء بكل تعهداته التي وعد بها الناخبين، فقد أصدر قراراً بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، مخالفاً مسار أسلافه من الرؤساء الأمريكيين، كما يتجه للانسحاب من العديد من الاتفاقات الدولية الخاصة بالتجارة والمناخ وغير ذلك مما سبق أن وعد به، لذا فإن الاتفاق النووي يمثل اختباراً صعباً جديداً لصدقية ترامب، التي تعد أحد أوراق القوة التي يلوح بها في وجه منتقديه وخصومه السياسيين على الدوام.
هل تقبل إيران التفاوض على إطار أوسع وأكثر شمولاً أو اتفاق تكميلي ـ كما قال الرئيس الفرنسي ماكرون خلال زيارته الأخيرة إلى واشنطن ـ يضم ـ إلى جانب الاتفاق النووي ـ برنامجها الصاروخي ومرحلة ما بعد انتهاء النووي (أي ما بعد عام 2025) والخلافات حول نفوذها الإقليمي وطموحات إيران التوسعية، أم تواصل تعنتها وتدفع الرئيس ترامب إلى الانسحاب من الاتفاق النووي؟.
وزير الخارجية الأمريكي الجديد مايك بومبيو أكد خلال زيارته للمملكة العربية السعودية مؤخراً أن "إيران تتصرف بشكل أسوأ بعد توقيع الاتفاق النووي"، مضيفاُ أن "الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران سيكون خيارنا في حال لم يتم تعديله" رغم رفض كل من روسيا والصين وألمانيا وبريطانيا وفرنسا، إلغاء الاتفاق أو الانسحاب منه.
التدقيق في الخطاب السياسي لأطراف الجدل حول الاتفاق النووي يشير إلى أن إيران لن تقبل بأي تعديل للاتفاق النووي، وهددت بالانسحاب منه في حال انسحاب واشنطن، وبالتالي قد يُفهم ضمناً رغبتها في الإبقاء على الاتفاق مع ترك الباب مفتوحاً أمام أي تفاوض محتمل حول نقاط أخرى ليس من بينها الملف النووي، وهذا الأمر في الحقيقة لا يتعارض مع رغبة شركاء الولايات المتحدة الخمسة الموقعين على الاتفاق، كما يمكن أن يكون موضع قبول أمريكي أيضاً.
الملاحظ أيضاً أن موقف الدول الأوروبية الثلاث ـ بريطانيا وفرنسا وألمانيا ـ يبدو موضع اهتمام من جانب الرئيس ترامب، الذي حرص على الذهاب في الضربة الأخيرة إلى سوريا بمشاركة بريطانيا وفرنسا، ولا يريد أن يتصرف بشكل انفرادي في ملفات معينة، لذا فإن وجهات النظر التي ناقشها معه الرئيس الفرنسي ماكرون والمستشارة الألمانية ميركل ستؤخذ بعين الاعتبار في البيت الأبيض، ولكنها لن تكون بوصلة أو محدداً لقرار ترامب ما لم تنجح الدول الثلاث في إقناع طهران بوجهة النظر القائلة بأهمية وجود اتفاق تكميلي، لأن هذا البديل هو الحل الوحيد كي يمكن أن يتحدث ترامب بالثقة المعهودة عن تنفيذ وعده بالانسحاب أو تغيير الاتفاق.
المؤكد أننا أمام نحو أسبوعين من التصعيد الكلامي والتهديدات المتبادلة حتى نصل إلى محطة الثاني عشر من مايو، حيث سيعلن الرئيس ترامب موقفه من الاتفاق.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة