"منتدى كوالالمبور".. بوابة آسيوية لعودة الإخوان بدلًا من أوروبا
قناع جديد حاولت جماعة الإخوان التخفي من خلاله وراء ستارة منتدى كوالالمبور، حيث دارت الشكوك مع ميلاد المنتدى على أيدي عناصر التنظيم.
فميلاد منتدى كوالالمبور ارتبط منذ الوهلة الأولى بشخصيات إخوانية وعناصر متحالفة مع الجماعة الإرهابية عام 2014 في ماليزيا، وتزايدت الشكوك يومًا بعد الآخر حوله.
وبعد أن كان عنوان المنتدى يخص الأمة الإسلامية وإعادة البعد الحضاري، صار مع كل مؤتمر يعقده المنتدى يتكشف شيئا من الخداع ثم بعد انتهاء النسخة السادسة منه، والتي أقيمت في إسطنبول، خلال الفترة من 11 إلى 13 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، سقط القناع تمامًا وتبين أنه قناع يتخفى وراءه الإخوان.
ميلاد مشبوه
تأسس منتدى كوالالمبور، عام 2014، عقب الإطاحة بالإخوان بمصر في 30 يونيو/حزيران عام 2013، وبعد فرار العديد من الشخصيات الإخوانية إلى خارج البلاد، منهم من استقر في ماليزيا، ومع سقوط الجماعة باعتبارهم إحدى أدوات مشاريع نشر الفوضى في العالم العربي.
ومع ظهور بوادر مواجهة فكرية للجماعة تهدد وجودها، أدراك قادتها أن عليهم أخذ خطوة استباقية لحفظ أفكار أحفاد حسن البنا وأفرادها الفارين للخارج كرديف (احتياطي) للتنظيم، فاجتمع رئيس الوزراء الماليزي وقتها"مهاتير محمد" ذو الميول الإخوانية مع القيادي الإخواني السوداني عصام البشير، وكذلك القيادي الإخواني الجزائري عبدالرزاق مقري، ومن ثم قاموا بتأسيس المنتدى.
ووفقا لباحثين أسس المنتدى ليكون كيانا عالميًا يقوم بأدوار ووظيفة المساند والداعم للجماعة، تعمل على حفظ أفكارها وصيانتها غضة وطازجة، كي تصلح لترويجها للأجيال التالية، ومن المحتمل أن يصبح المنتدى بديلا مؤقتًا للجماعة في حالة تفكك التنظيم.
في بداية التكوين أعلن رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد أن المنتدى سيكون مهتما بقضايا الأمة الإسلامية والبعد الحضاري لها، وتم اختياره رئيسًا للمنتدى، وعين الشيخ الموريتاني محمد حسن ولد الددو الشنقطي ذو الميول الإخوانية نائبًا له، وعين الجزائري عبدالرازق مقري أمينا عاما للمنتدى، ثم في مرحلة تالية تم تعين الوزير التركي نعمان كورتولموش نائب رئيس حزب العدالة والتنمية التركي وعضو اللجنة التنفيذية المركزية بالحزب نائبًا ثانيًا للمنتدى.
آسيا بديلًا لأوروبا
هشام النجار الكاتب والباحث في الإسلام السياسي تحدث بدوره عن أن هناك محاولات ملحوظة لإعادة تدوير وإنتاج مشروع جماعة الإخوان، موضحا أن "الجماعة الإرهابية اتجهت بعد سقوطهم في المنطقة العربية والشرق الأوسط إلى إنشاء كيانات تقوم ببعث وإحياء فكر الجماعة، وتحديدًا في مناطق بعيدة عن مركز الجماعة في الوطن العربي".
وأضاف: "هذه المناطق من شروطها أن الإخوان لهم نفوذ سياسي ولديهم حاضنة اجتماعية كبيرة توفر لهم حماية وهذا واضح جدًا في اختيار العاصمة الماليزية كوالالمبور مقرا للمنتدى كما ارتبط اسمه بها".
ونوه إلى أن الرابط بين المنتدى وجماعة الإخوان يظهر في الفعاليات والمنتديات والمؤتمرات التي تُعقد دوريًا في ماليزيا، وكذلك ضيوف المنتدى من السياسيين من ذوي الخلفيات الفكرية الإخوانية، وأيضا ممثلو الجماعة من مختلف بلدان العالم.
ويرى النجار" أن المنتدى يهدف أولًا لإثبات الوجود وأن المشروع قائم ولم يسقط وثانيًا احتواء وتوظيف كل من فقد دوره من قادة الإخوان بالمنطقة العربية وخلق فرص عمل واستثمار لأعداد كبيرة منهم، فضلا عن إدارة أموال الجماعة واقتصادها، والتمركز بنقطة رئيسية لإدارة نشاط التنظيم الدولي للإخوان.
ومضى في تحليله: "في ظل الفشل والإخفاقات التي يعاني منها التنظيم الدولي حاليًا سواء في الدول العربية من جهة أو في دول أوروبا من جهة أخرى، بات خيار الإخوان الأخير هو التركيز على نشاط الجماعة في آسيا انطلاقا من ماليزيا على وجه التحديد".
واختتم حديثه قائلا: "يعتبر قادة التنظيم الدولي ماليزيا وبعض دول آسيا متنفسًا للتنظيم على مستوى تدوير أموال الجماعة وإدارة اقتصادها، فضلا عن الحكم في الشؤون الإدارية والحركية والتنظيمية، بجانب النشاط الإعلامي والفكري والبحثي، وجميع هذه الأنشطة تسهم في تنفيذ خطة امتصاص الصدمات التي يتعرض لها التنظيم في ساحات ومناطق عديدة".
قناع إخواني
حول طبيعة علاقة المنتدى بتنظيم جماعة الإخوان الإرهابية، وخطورة الأدوار الوظيفية المتوقع القيام بها لصالح الجماعة، تحدث خبراء ومختصون لـ"العين الإخبارية" عنه.
ثروت الخرباوي الكاتب والمفكر المصري أكد أن المنتدى هو الذراع الفكرية لتنظيم الإخوان مهما حاول التخفي وراء مسميات خادعة، موضحا أن جماعة الإخوان الإرهابية لجأت عقب هزيمتها في المنطقة العربية إلى محاولات لإعادة التموضع الفكري والتنظيمي مرة أخرى.
وأضاف: "وفي سبيل هذا التموضع أسست الجماعة العديد من الكيانات المختلفة لتكون وسيلتها للتخفي والتسلل من جديد، شملت هذه الكيانات مراكز بحثية وهمية، ومنافذ حقوقية وإغاثية، وأخطرها على الإطلاق ما يعرف بمنتدى كوالالمبور".
وحول خطورة المنتدى، أوضح الخرباوي، أنها تتمثل في أفكار الشخصيات الإخوانية التي أسسته، وكذلك المدعوون كضيوف له، أمثال: طارق السويدان المحاضر الإخواني الشهير، وصلاح عبدالمقصود وزير الإعلام في حكومة الإخوان، أو منصف المرزوقي الرئيس التونسي الأسبق والقريب من فكر الإخوان.
ولفت إلى خطورة المحتوى الفكري ذاته الذي يدعمه المنتدى، فكل أوراق العمل وكل المؤتمرات السابقة تشير إلى أنهم يعيدون صياغة فكر حسن البنا في قوالب جديدة مع بعض الرتوش المعاصرة، كحيلة للتخفي عن المتابعين.
وحذر المفكر المصري من أفكار البنا فهي أساس التطرف والإرهاب، موضحا أن ادعاءهم أن المنتدى يعمل من أجل النهضة والبعث الحضاري والتجديد الفكري هو ادعاء باطل وخداع ورديء فكل المعطيات تؤكد أنهم يصنعون بابًا خلفيًا للدخول منه إلى فكر وعي الشباب والمجتمعات العربية والإسلامية.
الإخوان -حسب الخرباوي- تنظيم ممتد يحظى بعناية مخابرات دول أجنبية، "وهذا يضعنا أمام ما نواجهه، وبالتالي يجب أن نتوقع ألا تكف عن توليد مؤسسات جديدة بنفس ذات الفكر، منها على سبيل المثال ما يسمى بالاتحاد العالمي للمسلمين، وهذا المنتدى".
إعادة تنظيم الأذرع
سامح إسماعيل الباحث والمحاضر في العلوم السياسية، اعتبر بدوره أن منتدى كوالالمبور هو أحد أذرع الإخوان الفكرية التي تم تشدينها من أجل فرض وهيمنة أفكار الإخوان على الشبكة العنكبوتية.
وخلال حديثه لـ"العين الإخبارية"، رأى إسماعيل أن "وجود شخصية بحجم الإخوانى الجزائري عبد الرزاق مقري رئيس حركة مجتمع السلم، الذراع السياسية لإخوان الجزائر، على رأس المنتدى أمر له دلالات متعددة، حيث يحاول منذ قمة كوالالمبور الأولى في عام 2014، قيادة تنظيم دولي فكري موازٍ لتنظيم الإخوان الحركي، عبر تقديم بديل قيادي جديد في آسيا، وهو هنا يحاول تكثيف عمل الهامش الإخواني كظهير موازٍ في ماليزيا وباكستان وإندونيسيا".
ومضى في توضيحه: "المنتدى ينشط باستمرار عبر استراتيجية إعادة تنظيم الأذرع الإخوانية في مناطق ربما يحاول فيها التنظيم إعادة ترتيب صفوف هيكله، ففي ماليزيا يسيطر الحزب الإسلامي (باس) على ٣ ولايات، ويتقلد عبدالهادى أوانج، زعيم الحزب منصب مبعوث رئيس الوزراء للشرق الأوسط".
وتابع: "كما تنشط الجماعة الإسلامية الإخوانية في باكستان وبنغلاديش، بالتزامن مع أنشطة مكثفة لحزب العدالة والرفاهية الإخوانى الإندونيسي، وكذلك ينشط داخل المنتدى حزب تواصل الموريتاني، عبر رئيسه محمد محمود ولد سييدي، وكلها تحركات ذات دلالة على أهمية الهامش كظهير حيوي للتنظيم الدولي".
أزمة فكرية
وما بين هذا وذاك، يرى عمرو عبدالمنعم الكاتب والباحث في الإسلام السياسي، أن "منتدى كوالالمبور كيان إخواني بامتياز، فقد اتضح من خلال مؤتمراته السابقة وموضوعاته التي يناقشها أنه مسار جديد من مسارات الإخوان، بداية من المنظمين وانتهاء بالحضور ومرورًا بالأفكار، كما عرفت هذه المؤتمرات مشاركة مئات الباحثين الإخوان وعشرات مراكز الدراسات الوهمية بقيادة شخصيات لها علاقة فكرية وتنظيمية بجماعة الإخوان الإرهابية".
ونبه عبدالمنعم إلى أن تأسيس المنتدى بهذا الشكل التنظيمي يؤكد أن ثمة أزمة فكرية تمر بها الجماعة، مؤكدا أن "الجماعة تمر حالية بأزمة تنظيمية شديدة عبر الانشقاقات التنظيمية، لكن الأزمة الحقيقية تكمن في عدم قدرة أفكار الإخوان على الصمود أمام تحديات المرحلة التالية".
واستطرد قائلًا: "إن المؤتمر السادس للمنتدى أثبت بالفعل أن جماعة الإخوان تجاوزها الزمن فلم يستطيعوا أن يتقبلوا أي نقد، ففي كلمة خيري عمر الذي قدم نقدًا موضوعيا لتجربة الإخوان في مصر وجد استهجانًا كبيرا من الحضور ومن المنصة، حتى إن كلمته غير موجودة على صفحة المنتدى".
وشدد على أن خطورة المنتدى تكمن في عزمهم إنشاء شبكة من الباحثين المهتمين بالفكر الإسلامي، وتوفير منصات لهم بحيث يتم ضخ هذه الأفكار عبرها حتى يتلقاها الشباب على أنها هي الفكر الإسلامي التنويري التجديدي الحقيقي في حين أنها هي أفكار حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المتطرفة والإرهابية".
aXA6IDE4LjExNy43MS4yMTMg جزيرة ام اند امز