التنمية في مفهومها الشامل، الاقتصادي والاجتماعي، لا تستقيم دون شرط التنمية الثقافية، وهذه الأخيرة لا تستقيم دون توفر شرط التعليم الجيّد
«مستقبل الثقافة في الخليج العربي» كان عنوان حلقة نقاشية أقيمت ضمن فعاليات البرنامج الثقافي المصاحب لدورة معرض الكويت الدولي للكتاب المقام حالياً. كان لي شرف المشاركة فيها معية الدكتور عبدالله الجسمي، رئيس قسم الفلسفة في جامعة الكويت.
ولا يمكن لحديثٍ عن مستقبل الثقافة في بلداننا أن يدور دون أن يخطر على البال الكتاب الشهير للدكتور طه حسين: «مستقبل الثقافة في مصر» الذي صدرت طبعته الأولى عام 1938، حين كانت مصر تعيش بواكير حداثتها الواعدة، وقد أثار هذا الكتاب في حينه زوبعة ضد عميد الأدب العربي لما حسبه البعض مغالاة منه في إبراز ما وصفه بالهوية المتوسطية الهيلنستية لمصر، على حساب هويتها العربية - الإسلامية والأفريقية.
قراءة المستقبل تعتمد على وضع أكثر من سيناريو، ولكل سيناريو متطلباته، فإن أردنا مستقبلاً أفضل لثقافتنا في المنطقة فعلينا العمل على توفير شروط السيناريو الذي يأخذنا نحو المستقبل لا للوراء أو يُبقينا في دائرة المراوحة.
هذه الزوبعة حجبت الأنظار عن الأفكار الأخرى المهمة الواردة في الكتاب، وبصورة خاصة لجهة تأكيد طه حسين أهمية التعليم، والتعليم الجيّد منه خاصة، القائم على رؤى الحداثة، في النهوض بالثقافة، فلا مستقبل يعتدّ به للثقافة دون توفر شرط التعليم.
وهذا أمر لا يخصّ مصر وحدها وإنما يخص كل بلد يطمح لأن يبني مستقبلاً زاهراً لأبنائه وللأجيال القادمة منهم خاصة، بما في ذلك بلداننا في منطقة الخليج المدعوة لأن تولي منظومات التعليم فيها أهمية كبرى من أجل بناء القاعدة المكينة للمستقبل، فالتنمية في مفهومها الشامل، الاقتصادي والاجتماعي، لا تستقيم دون شرط التنمية الثقافية، وهذه الأخيرة لا تستقيم دون توفر شرط التعليم الجيّد الذي يستجيب لتحديات قرننا الحالي.
قلنا مراراً إننا نرى في ثقافة هذه المنطقة رافداً من روافد الثقافة العربية، وإن كان للمنطقة من خصوصيات، فهي كتلك التي لكل إقليم من الأقاليم العربية مشرقاً أو مغرباً، لكنها خصوصيات لا تحجب جوهر الثقافة العربي النابع أولاً وقبل كل شيء من اللغة العربية، بصفتها لغة الكلام والكتابة والقراءة.
وفي هذه المسألة بالذات، فإن مهمة كبرى منوطة بالتعليم في الحفاظ على هذه اللغة، فيما نرى اليوم نزوعاً سائداً نحو تهميشها خاصة في مدارس وجامعات التعليم الخاص المنتشرة في بلداننا، على حساب التعليم العمومي، الذي إليه يعود فضل كبير في تخريج أجيال من الكوادر والمثقفين والإداريين الذين بنوا أجهزة الدولة والاقتصاد في بلداننا وصنعوا الوعي في مجتمعاتنا.
قراءة المستقبل تعتمد على وضع أكثر من سيناريو، ولكل سيناريو متطلباته، فإن أردنا مستقبلاً أفضل لثقافتنا في المنطقة فعلينا العمل على توفير شروط السيناريو الذي يأخذنا نحو المستقبل لا للوراء أو يبقينا في دائرة المراوحة.
نقلاً عن "الخليج"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة