جهد كبير قدمته دولة الكويت لإنجاح مؤتمر الكويت الدولي لإعادة الإعمار في العراق، بحضور ممثلين من أكثر من 70 دولة، و1350 شركة
جهد كبير قدمته دولة الكويت لإنجاح مؤتمر الكويت الدولي لإعادة الإعمار في العراق، بحضور ممثلين من أكثر من 70 دولة، و1350 شركة، بالإضافة إلى عشرات جمعيات المجتمع المدني والإغاثة.
فالحدث يبدأ من رمزية المكان، الكويت التي عانت سابقا من احتلال نظام صدام حسين وما زالت تنتظر سداد العراق لما تبقى عليه من ديون للكويت جراء ذلك الاحتلال، بادرت لاحتضان هذا المؤتمر وإنجاحه من أجل عودة الاستقرار لجارها العربي، وعودة النازحين إلى مدنهم ومنازلهم، بل إن الجمعيات الأهلية الكويتية تبرعت بأكثر من 100 مليون دولار ضمن قائمة المنح المقدمة لمشاريع إعادة الإعمار.
بالنسبة لكثيرين من المسؤولين العراقيين والدوليين في هذا الاجتماع لم يكن الرقم الذي وصلت إليه تبرعات الدول المجتمعة هو الأهم، بقدر انطلاق هذا المؤتمر الذي اعتبره الجميع خطوة أولى على طريق عودة العراق إلى استقراره ودوره الإقليمي على الساحة، بما عكس من اهتمام دولي بالعراق الذي قدم الكثير من التضحيات في محاربة هذا السرطان الإرهابي الداعشي بالنيابة عن أبناء البلد وعن العالم أيضا.
وبالقدر الذي عكس فيه المؤتمر صورة إيجابية ومتفائلة بعودة العراق ليقف على قدميه من جديد، بقدر ما كشف عن تحديات كبيرة ما زالت قائمة، تحتاج من صانع القرار العراقي أن يكون على قدر المسؤولية لمواجهتها.
الكويت والعالم العربي أولا ومن ثم العالم أثبت جديته في دعم بغداد من أجل عودة العراق قويا ومتماسكا ليأخذ مكانه في الإقليم، والدور الآن على العراق والمسؤولين العراقيين ليكونوا على قدر تحمل المسؤولية من أجل انتهاز هذه الفرصة لإعادة بناء وطنهم
فعلى هامش المؤتمر عُقد اجتماع مهم لدول التحالف الدولي ضد داعش على مستوى وزراء الخارجية حضره وزير الخارجية الأمريكي ريكس تلرسون الذي أوضح أن التصدي العسكري والأمني للإرهاب لا يكفي من أجل اجتثاث جذور هذا الإرهاب، مشيرا إلى أهمية المصالحة السياسية والمجتمعية.
وقد قدم المسؤولون العراقيون خلال المؤتمر تصورا طموحا من أجل دمج النازحين في مناطقهم من جديد وحل المشاكل الاجتماعية في المناطق التي هدمها وخربها داعش والحرب عليه، لكن ما لم يكن واضحا هو خطة المصالحة السياسية المنتظرة من أجل رفع الظلم والتهميش عن مكون أساسي ومهم من الشعب العراقي في محافظات الأنبار وصلاح الدين ونينوى، فالانتخابات البرلمانية على الأبواب، وما زال أهالي تلك المناطق يبحثون عن ممثلين سياسيين لهم يعبّرون بشكل قوي وجريء عن مطالبهم واهتماماتهم، فتجربة التصويت للأحزاب السياسية الإسلامية فشلت في السابق، مع ظهور المكون السني السياسي في العراق مهمشا على الساحة السياسية وانتشار الفساد بين مكوناته، ناهيك عن شريحة واسعة من المكون السني التي ما زالت تقاطع النظام السياسي القائم في العراق على المحاصصة الطائفية.
شبح الفساد المالي ما زال يطارد السياسيين العراقيين أينما حلّوا، بعد أن وثّق البرلمان العراقي سرقة أكثر من 350 مليار دولار من أموال العراق خلال فترة حكم رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، وقد قدم المسؤولون العراقيون في مؤتمر الكويت صيغا جديدة للتمويل أكثر شفافية، تتيح للمتبرع الإشراف المباشر على مشاريعه، أو توكيل البنك الدولي أو الأمم المتحدة بهذا الدور نيابة عنه، لكن هذا لم يمنع تساؤلات الكثيرين في المؤتمر ومن أبناء العراق عن حاجة بغداد الحقيقية للحصول من متبرعين على 88 مليار دولار لإعادة الإعمار، بدلا من السعي الجدي لتحصيل تلك الأموال المنهوبة، وما زال السؤال يطارد رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي الذي توعد الفاسدين في نوفمبر الماضي، وخيّرهم بين إعادة ما سرقوه وبين دخول السجن، فيما لم يتم حتى الآن أي ملاحقة حقيقية على الأرض لهؤلاء الفاسدين.
مئات رجال الأعمال من كل الجنسيات حضروا مؤتمر الكويت، لكن مَن له منهم تجربة سابقة في العراق يشكو كثيرا من البيروقراطية في جهاز الاستثمار العراقي، ومن انتشار الفساد بين كبار وصغار الموظفين الذين يستطيعون بجرة قلم عرقلة أي مشروع في حال لم يحصلوا على نسبة من أمواله.
الكويت والعالم العربي أولا ومن ثم العالم، أثبت جديته في دعم بغداد من أجل عودة العراق قويا ومتماسكا ليأخذ مكانه في الإقليم، والدور الآن على العراق والمسؤولين العراقيين ليكونوا على قدر تحمل المسؤولية من أجل انتهاز هذه الفرصة لإعادة بناء وطنهم، خصوصا أن المؤتمر كشف بوضوح عن الفارق بين ما يقوم به العرب من أجل دعم شقيقهم العراق، وما فعلته وتفعله إيران في العراق، فالهيمنة السياسية لإيران على العراق منذ عام 2003 لم تقدم له سوى أمراض انتشار الفساد والطائفية والتعصب، فإيران لا تريد أبدا أن يعود جارها العربي قويا مستقرا، كل ما تريده طهران هو بقاء العراق تحت حكم المليشيات الطائفية المسلحة، والفساد المالي والإداري الذي يتيح لها سرقة نفطه ومائه.
العالم العربي والغربي يمد يده إلى العراق ليساعده على النهوض، والعراق على عتبة انتخابات برلمانية حاسمة لتشكيل حكومة جديدة ستتولى مرحلة إعادة البناء سياسيا واقتصاديا، وعلى الناخب والسياسي العراقيين أن يختارا الآن بين الذهاب إلى عراق جديد قوي مستقر، أو البقاء في دوامة العراق القديم الطائفي الذي تشتته الحروب الطائفية ويمزقه الفساد.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة