صباح الأحمد.. قوة وحكمة "اجتثاث" الإرهاب
شهدت الحرب على الإرهاب نقلة نوعية في عهد أمیر الكويت الشیخ صباح الأحمد الجابر الصباح، سواء على الصعيد المحلي أو الدولي.
يودع العالم أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، الذي وافته المنية، الثلاثاء، وهو يستذكر بمزيد من العرفان والتقدير، جهوده الرائدة في مكافحة الإرهاب بالكويت والعالم.
"طراز فريد من الحكمة في مواجهة المخاطر".. هكذا كان أمير الكويت الراحل، الذي لم يترك شعبه ولا الأمه العربية ولا العالم فريسة بين براثن الإرهاب بل سعى بكل ما أوتي من قوة وحكمة لاجتثاث هذه الآفة في الداخل والخارج.
وشهدت الحرب على الإرهاب في عهده نقلة نوعية سواء على الصعيد المحلي أو الدولي، حيث أخذ الشيخ الراحل على عاتقه قيادة تلك المعركة بنفسه.
ولا ينسى العالم مسارعته بعد فترة قصيرة من وقوع حادث التفجير الإرهابي الذي تعرض له مسجد الإمام الصادق في 26 يونيو/حزيران 2015، إلى الحضور شخصيا إلى موقع الحادث غير عابئ بالأخطار التي قد تحيط به أو تهدد سلامته، ليوجه صفعة للإرهابيين ويؤكد فشل مخططاتهم في زعزعة أمن البلاد وإحداث فتنة.
وعلى الصعيد الداخلي بذلت المؤسسات والجهات الحكومية الكويتية جهودا مضنية بغية تحصين الجبهة الداخلية من جانب، وتطهير المجتمع من أي عناصر متطرفة ، وإصدار التشريعات والقوانين اللازمة لمكافحة الإرهاب وتجفيف منابع تمويله .
وعلى الصعيد الخارجي، شاركت الكويت بفعالية في مختلف الجهود الدولية لمحاربة الإرهاب، سواء عبر التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش، أو عبر عضويتها في التحالف العسكري الإسلامي لمحاربة الإرهاب، أو شراكتها في مركز استهداف تمويل الإرهاب.
وكانت الجهود الكويتية الرائدة في إطار تلك الحرب محل إشادة وتقدير دولي في مختلف المحافل والمناسبات.
تلاحم القيادة والشعب
ورغم الجهود الحثيثة، التي قامت بها الكويت لتحصين الجبهة الداخلية، لم تسلم الكويت من هجمات التنظيمات الإرهابية، ففي 26 يونيو/حزيران 2015 تعرض مسجد الإمام الصادق بحي الصوابر لتفجير انتحاري نفذه تنظيم "داعش" الإرهابي، أثناء أداء صلاة الجمعة.
وبعد فترة قصيرة من وقوع حادث التفجير الإرهابي الذي أودى بحياة 26 شهيدا وعشرات الجرحى سارع الشيخ صباح إلى الحضور شخصيا إلى موقع الحادث غير عابئ بالأخطار التي قد تحيط به أو تهدد سلامته، ليطلق جملته الإنسانية الشهيرة "هذولا عيالي"، في أكبر دليل على تلاحم القيادة والشعب في مشهد مهيب وقف له العالم إكبارا وتقديرا، وفي خطوة أسهمت في إفشال أهداف التنظيم الإرهابي من ذلك الهجوم.
خلية العبدلي
وبعد أسابيع من هذا الهجوم، وجهت وزارة الداخلية الكويتية في أغسطس/آب 2015 ضربة موجعة للإرهاب وداعميه، بالكشف عن خلية مكونة من 25 كويتيا وإيراني، تتعامل مع إيران وحزب الله الإرهابي، يخزن أفرادها كميات كبيرة من الأسلحة والمتفجرات بهدف القيام بأعمال عدائية ضد الكويت.
وأصدر القضاء الكويتي أحكاما نهائية مشددة على معظم أعضاء الخلية، تتراوح بين المؤبد والحبس 5 سنوات، وذلك بعد إدانتهم بتهمة التخابر مع إيران وحزب الله.
وفي أول قمة خليجية بعد تلك التطورات، أكد الشيخ صباح الأحمد على أهمية التعاون الجماعي لمواجهة الإرهاب.
وقال خلال كلمته خلال القمة الخليجية الـ37 في المنامة ديسمبر/كانون الأول 2016: "إننا نواجه جميعا تحدي الإرهاب الذي يستهدف أمننا واستقرارنا وسلامة أبنائنا بل وأمن واستقرار العالم بأسره الأمر الذي يتطلب منا مضاعفة عملنا الجماعي لمواجهته ومواصلة مساعينا مع حلفائنا لردعه".
الحرب على تنظيم الإخوان
التعاون الجماعي في إطار الحرب على الإرهاب، الذي دعا إليه أمير الكويت، طبقته بلاده بشكل مثالي في حربها على تنظيم الإخوان الإرهابي بالتعاون مع مصر.
وشهدت الحرب على تنظيم الإخوان الإرهابي في عهد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح مرحلة حاسمة، بدأت مع إعلان السلطات الكويتية، في 12 يوليو/تموز 2019، القبض على "خلية إرهابية" مرتبطة بـ"الإخوان" في مصر، صدرت ضد أعضائها أحكام بالسجن تصل إلى 15 سنة من محاكم مصرية.
وقال بيان وزارة الداخلية الكويتية الصادر آنذاك إن أجهزتها الأمنية قامت "بضبط خلية إرهابية تتبع تنظيم الإخوان قد صدر بحقهم أحكام قضائية من قبل القضاء المصري وصلت إلى 15 عاما"، وهي رسالة واضحة لعناصر التنظيم الهاربين ألا مكان لهم في الكويت، وأن الكويت أخذت على عاتقها مساندة ودعم الجهود الأمنية المصرية في مطاردة تلك العناصر الإرهابية والصادر ضدهم أحكام قضائية.
ورغم أن هذه ليست المرة الأولى التي تعتقل فيها الكويت عناصر إخوانية، فسبق أن أعلنت الكويت في أغسطس/آب 2013 ترحيل 9 مصريين تظاهروا دعما للرئيس المعزول الراحل محمد مرسي.
وفي عام 2014 اعتقلت الكويت القيادي الإخواني محمد القابوطي المتهم بحرق مركز شرطة في بورسعيد وسلمته لمصر، وفي أغسطس 2017 قام الإنتربول المصري باستعادة عنصرين إخوانيين هاربين لدولة الكويت لاتهامهما بحرق كنيسة ماري جرجس بسوهاج، والقيام بأعمال شغب وعنف في أعقاب فض اعتصامي "رابعة والنهضة".
ولكن هذه المرة الأولى التي تكشف فيها الكويت صراحة في بيان رسمي عن انتماء الخلية المعتقلة لجماعة الإخوان وتصفهم بأنهم إرهابيون، وفي هذا تغير نوعي في تعامل السلطات الكويتية مع تلك الجماعة.
وفي خطوة جديدة لتعزيز الجهود المشتركة، وقعت مصر والكويت اتفاقية في مجال التعاون القضائي تشمل تبادل المعلومات والتنسيق في القضايا واستكمالها، وذلك بالتزامن مع زيارة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي للكويت سبتمبر /أيلول الماضي.
واتفق الرئيس المصري وأمير الكويت، خلال تلك الزيارة، على استمرار التعاون لمواجهة الإرهاب.
تلك الجهود تكللت باعتقال الكويت المزيد من العناصر الإخوانية الهاربة من مصر، وتسليمهم للقاهرة.
جهود نوعية
أيضا في إطار جهودها النوعية لمحاربة الإرهاب، أنشأت الكويت مركز السلام التأهيلي المختص بتقديم التوجيه والإصلاح لكل من تأثروا بفكر خارج نطاق الفكر السليم حيث يمر منتسبو المركز ببرنامج يهدف لتأهيل كل شخص ذي فكر متطرف.
ويتضمن البرنامج رعاية لاحقة حتى بعد إطلاق سراح النزلاء بهدف الاستمرار في تلك الرعاية للحيلولة دون حصول انتكاسة لدى المفرج عنه لضمان استمرارهم على السلوك المستقيم والمعتدل حتى يكون للفرد دور مؤثر وفعال في المجتمع.
وإضافة لتلك الجهود، حرصت الكويت على تطوير ادواتها وتشريعاتها ونظمها بشكل دائم وبما يحقق افضل النتائج على مستوى مكافحة الإرهاب ومنع تمويله وأن تكون قوانينها ولوائحها التنظيمية متوافقة مع قرارات مجلس الأمن وتوصيات مجموعة العمل المالي (فاتف).
وفرضت المؤسسات المالية الوطنية في الكويت رقابة شديدة وصارمة على التحويلات المالية وحركة نقل رؤوس الأموال سواء من أو إلى الكويت، لضمان عدم استغلالها من أي جهة إرهابية.
جهود دولية رائدة
وعلى الصعيد الخارجي، تعد الكويت ولاتزال عنصرا فاعلا في التعاون مع المجتمع الدولي في مجال مكافحة ظاهرة الإرهاب.
وتسعى وزارة الخارجية الكويتية بشكل دائم وبالتعاون مع دول مجلس التعاون الخليجي ومختلف دول العالم الى تنسيق المواقف الدولية في مجال مكافحة الارهاب.
وتعد الكويت عضوا فاعلا في التحالف الدولي لمحاربة تنظيم "داعش" حيث تترأس إحدى المجموعات المنبثقة عن هذا التحالف وهي مجموعة منع دفق المقاتلين الإرهابيين الأجانب إلى مناطق النزاع.
كما تعد الكويت شريكا أساسيا في مركز استهداف تمويل الإرهاب الذي يتخذ من المملكة العربية السعودية مقرا له وأنشئ بالتعاون بين دول مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة الأمريكية.
ويهدف المركز إلى تتبع كل من يشتبه فيه بتمويل الإرهاب سواء من الأفراد أو الكيانات بغض النظر عن الجنسية.
كما حرصت الكويت على تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1373 والخاص بإنشاء القائمة الوطنية وتصنيف الكيانات والأفراد.
كما تعمل الكويت حاليا بشكل جدي على تلبية متطلبات مجموعة العمل المالي (فاتف) والخاصة بمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.
وتحرص الكويت على استضافة والمشاركة في المؤتمرات والاجتماعات الدولية والاقليمية المتعلقة بمكافحة ظاهرة الارهاب لتبادل الخبرات والمعلومات حول هذه الظاهرة والتعاون والتنسيق بين كافة الأجهزة المعنية لكشف الارهابيين والمجرمين.
ومرارا أكدت الكويت، خلال مشاركتها في تلك المؤتمرات، إدانتها لكل أشكال الإرهاب ومصادر تمويله، ودعت إلى عدم ربط الإرهاب بأي دين أو جنسية أو حضارة أو جماعة عرقية، وشددت على أهمية وضع خطط دولية وإ‘قليمية ووطنية تتسم بالشمولية والتكامل لمكافحة الإرهاب.