قنبلة موقوتة.. نقص الأموال يهدد مسار السلام بالسودان
اعتبر خبراء سودانيون أن عدم توافر السيولة المالية، تسبب في تأخير تنفيذ "الترتيبات الأمنية" الخاصة بدمج قوات الحركات المسلحة بالجيش، وهو ما اعتبروه قنبلة موقوتة تهدد مسيرة السلام.
وقال الخبراء إن انتشار قوات الحركات المسلحة داخل المدن بكامل عتادهم الحربي، خلق حالة من السيولة الأمنية السالبة، وشكل خطراً حقيقاً على مستقبل الأمن والاستقرار في السودان.
ورغم مضي أكثر من عام على توقيع اتفاقية جوبا لسلام السودان، ما يزال بند الترتيبات الأمنية الأكثر أهمية في الوثيقة، معلقاً ولم يحدث فيه أي تقدم على الأرض، وتبرر الجهات الرسمية تأخير تنفيذ هذا النص بشح في الأموال المطلوبة لإكمال هذه العملية.
وقرر مجلس السيادة السوداني الأسبوع الماضي، إخراج قوات الحركات المسلحة الموقعة على اتفاقية السلام من المدن، على أن تبقى في نقاط تجمع لحين الشروع في عملية الدمج والتسريح، في خطوة تبدو استشعاراً لخطورة الموقف.
وأوضح مصدر عسكري سوداني لـ"العين الإخبارية" أن عملية الترتيبات الأمنية تحتاج إلى مبالغ ضخمة، فهي معقدة للغاية تبدأ بتجميع قوات الحركات الموقع على اتفاق السلام في نقاط محددة وتأهيلها، ومن ثم دمج اللائقين في الجيش وتسريح البقية وهذا أمر مكلف ماليا.
وأشار إلى أنه وفق اتفاقية جوبا يجب تفعيل مفوضية الرتيبات الأمنية لتتولى عملية الدمج والتسريح، ولكن الدولة السودانية قامت الآن بتشكيل لجان للترتيبات الأمنية بغرض التسهيل، غير أنها اصطدمت بشح المال.
ورأى أن بند الترتيبات الأمنية لن يتم ما لم يقوم الجهات الدولية والإقليمية بالوفاء بالتزاماتها وتعهداتها المالية تجاه اتفاقية جوبا لسلام السلام.
وجرى توقيع اتفاق سلام السودان في العاصمة جوبا في يوم 3 أكتوبر وأسهم في إيقاف الحرب في دارفور ومنطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان بعد عودة نحو 7 فصائل مسلحة للخرطوم والمشاركة في السلطة الانتقالية.
وأقر الاتفاق بأن تدفع الحكومة السودانية 700 مليون دولار أمريكي سنوياً إلى إقليم دارفور لتعويض ضحايا الحرب، وذلك على مدار 10 أعوام وهو ما شكل أكبر تحدٍ للسلطة في سبيل الوفاء باستحقاقات السلام في ظل شح المال واضطراب سياسي.
ويقول المحلل السياسي السوداني عزالدين دهب، إنه من الصعب أن تتمكن حكومة السودان من الوفاء بالاستحقاقات المالية الخاصة باتفاقية السلام، مما يهدد تنفيذها خاصة بند الترتيبات الأمنية المهم، في ظل الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تعيشها البلاد.
وأضاف دهب في حديثه لـ"العين الإخبارية" أن "المجتمع الدولي أوقف كافة المساعدات المالية للسودان بما في ذلك التعهدات الخاصة باتفاق السلام، بعد الإجراءات التي اتخذها قائد الجيش في 25 أكتوبر الماضي، وهو ما زاد الأوضاع تعقيداً".
وشدد على أن تأخر تنفيذ بند الترتيبات الأمنية سوف يقود إلى اضطرابات جديدة في السودان خاصة إقليم دارفور الذي شهد اشتباكات مؤسفة بين القوات المشتركة ومنسوبين للحركات في بادرة خطيرة للغاية.
وتم تأسيس قوة مشتركة من القوات النظامية ومنسوبين للحركات المسلحة لحفظ الأمن في إقليم دارفور لتكون بديلة للبعثة الأممية "يوناميد"، لكنها تواجها تحديات صعاب في أداء مهامها من بينها وجود قوات الحركات بعتادها داخل المدن، وفق مصادر.
ويري الخبير العسكري السوداني الفريق المتقاعد خليل محمد الصادق، أن تأخر تنفيذ بند الترتيبات الأمنية يعد بمثابة "قنبلة موقوتة" وخطر حقيقي يهدد الأمن والاستقرار في السودان.
وقال الصادق في حديثه لـ"العين الإخبارية" إن "هذه أوضاع فوضوية تهدد كيان الدولة مالم يتم تداركها، فتجد في طرقات المدن سيارات مدججة بالسلاح وعليها أشخاص يحملون رتب عليا في مشاهد غريبة".
وأثنى على قرار مجلس السيادة السوداني الخاص بإخراج قوات الحركات المسلحة من المدن ووضعها في نقاط تجميع لحين إجراء الترتيبات الأمنية، التي دعا لضرورة الإسراع فيها إكمالها.
وقال إن المعوق الأكبر لتنفيذ بند الترتيبات الأمنية هو شح الأموال، ولكن هناك عدم إرادة من الجانبين تجاه هذا البند فمن الواضح أن الحركات المسلحة رفعت سقفها بخصوص عملية الدمج والتسريح.
ففي ظل أوضاع سياسية وأمنية مضطربة في السودان منذ قرارات قائد الجيش السوداني الشهيرة، تزداد المخاوف من انهيار اتفاق السلام المبرم في جوبا والذي وضع حداً لحرب أهلية متطاولة في البلاد.
وتبقى السيناريوهات مفتوحة على ضوء متغيرات الأوضاع السياسية في السودان، بينما تظل الرهانات قائمة على صحوة المجتمع الدولي واستئناف المساعدات المالية الى الخرطوم استثناء لملف السلام المعقد.