14 ألف بحيرة مهددة بالزوال.. تغير المناخ يجفف منابع الحياة على الكوكب
في ظل التغيرات المناخية، والتنمية الاقتصادية غير المستدامة، والزيادة السكانية، هناك تهديد لجودة المياه في البحيرات والخزانات العالمية.
"يبدو أننا نعيش عصر بداية اضمحلال البحيرات حول العالم، فقد أثبتت قاعدة بياناتنا أن أكثر من 25% من بحيرات العالم تتعرض لتدهور بيئي حاد".. عبارة صادمة خرج بها تقرير اللجنة السباعية التي شكلتها الجامعات والمراكز البحثية الأمريكية، بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة للبيئة "UNEP"، والإدارة الوطنية الأمريكية للملاحة الجوية والفضاء "NASA"، لبحث مدى تأثير التغيرات المناخية على جودة أكثر من 2 مليون بحيرة تزيد مساحتها على أكثر من 100 كيلومتر مربع.
شارك في إعداد الدراسة العلمية سبعة من العلماء المتخصصين، وهم، العالم المصري الدكتور عصام حجي، الباحث في أنظمة التصوير بالرادار في جامعة جنوب كاليفورنيا ومركز الدفع النفاث بوكالة ناسا، والدكتور سيد باطني، الأستاذ بقسم الهندسة المدنية والبيئية في مركز أبحاث الموارد المائية، بجامعة هاواي في مانوا الأمريكية، والدكتور رابين بهاتاراي، الأستاذ بقسم الهندسة الزراعية والبيولوجية بجامعة إلينوي الأمريكية، والدكتور أحمد نوهيجر الأستاذ بكلية الدراسات العليا للبيئة في جامعة طهران الإيرانية، والدكتور سابنا شارما، الأستاذ بقسم الأحياء بجامعة يورك الكندية، والدكتور دانيال نادريان، الأستاذ بكلية الدراسات العليا للبيئة بجامعة طهران الإيرانية، والدكتورة روح الله نوري، الأستاذة بكلية الدراسات العليا للبيئة بجامعة طهران الإيرانية.
قاعدة بيانات فريدة من نوعها
تحت عنوان "قاعدة بيانات لجودة المياه للبحيرات العالمية"، نشر الموقع الرسمي للمجلة العلمية الهولندية "science direct" الدراسة العلمية، التي تُعد إحدى أهم المجلات العلمية المتخصصة في مجال الموارد الطبيعية، وذلك في عدد أبريل/نيسان 2024، أكدت قاعدة البيانات التي قدمها الفريق العلمي، والذي أجرى دراسته طيلة خمسة سنوات كاملة، وفقا لبيانات وقياسات صور الأقمار الصناعية خلال الفترة من عام 1990 حتى 2020، أن ما يقرب من 25% من أهم البحيرات في العالم مهددة بالزوال، وأن تلك النتيجة جاءت بناء على قاعدة بيانات فريدة من نوعها لما يقرب من 13,876 بحيرة تقع في 77 دولة مختلفة، وأن الرصد البيئي للصور الفضائية أثبتت تعرضها لمخاطر تهدد وجودها نتيجة للتغيرات المناخية خلال الثلاثة عقود الأخيرة.
"للبحيرات أهمية بيئية واقتصادية واجتماعية كبرى، باعتبارها مصدرا هائلا للتنوع البيولوجي على كوكب الأرض، وتوفر فوائد لا يمكن إنكارها للحياة البشرية والنظم البيئية المائية الأرضية، وخسارتها تمثل عواقب وخيمة على ديناميات الشبكة الغذائية والعمليات الجيوكيميائية الحيوية للكرة الأرضية كلها".. من منطلق هذه الأهمية التي أوردها الفريق العلمي مقدم الدراسة، جمع الفريق قاعدة بيانات غنية للمكونات الأولية لجودة المياه بناءً على توافرها وخصائصها المورفومترية والمعلومات الجغرافية لبحيرات الأرض، ليتم إتاحتها لصانعي القرار في الدول التي شملتها الدراسة، والمساعدة في وضع السياسات والاستراتيجيات لتحسين جودة المياه والاستعادة البيئية في هذه النظم البيئية المائية التي لا تقدر بثمن.
- دراسة تحذر: الجفاف يهدد أكثر من نصف بحيرات العالم
- آمنة الضحاك: «ميناء غليلة» نموذج إماراتي رائد في تنمية الثروة السمكية
وقد أكدت دراسة "قاعدة بيانات لجودة المياه للبحيرات العالمية"، التي أجريت على بحيرات 77 دولة منها بحيرات تقع في 6 دول عربية، وهي مصر والعراق وسوريا وفلسطين ولبنان والأردن، أكدت أنه في ظل التغيرات المناخية، التنمية الاقتصادية غير المستدامة، والزيادة السكانية غير المنتظمة، هناك تهديد بدأ في الظهور بشكل ملحوظ لجودة المياه في البحيرات والخزانات المائية العالمية، مبينةً أن أكثر من نصف البحيرات ظهرت فيها بعض المظاهر الضارة مثل التخثث، والذي يُعد أحد أخطر المشاكل البيئية لمصادر المياه المفتوحة مثل البحيرات والمحيطات والخزانات، بالإضافة إلي مخاطر التملح والتلوث الميكروبي والعناصر السامة.
"البحيرات والإنسان يعتمد كلاهما على الآخر، واستمرارية وبقاء كلاهما يعتمد اعتمادا كليا على الحفاظ على النظم البيئية للبحيرات والخزانات المائية".. بتلك العبارات الحاسمة أوضحت الدكتور سحر فهمي مهنا، رئيس المعهد القومي لعلوم البحار والمصايد بمدينة السويس السابق، مؤكدة على كارثية خروج الكثير من بحيرات العالم من الخدمة، سواء بتلوثها بالعناصر السامة والمكروبية، أو نتيجة لانحسارها وجفافها كما حدث مع بحيرة طبرية.
البحيرات محاصرة بعدد كبير من المشكلات
أما عن الأسباب الحقيقية التي تهدد البحيرات العالمية بشكل عام، والبحيرات العربية بشكل خاص، فقالت الدكتورة سحر مهنا، إن العديد من البحيرات حول العالم محاصرة بعدد كبير من المشكلات التي تؤثر في استخدامها بطريقة مستدامة، والأخطر أن أغلب البحيرات وأحواضها ترتبط ارتباطًا وثيقًا، بل وتتفاعل مع الأنشطة البشرية بما فيها الموارد المائية والأراضي الزراعية، وهو ما يؤثر في الحالة الصحية للبحيرات، مشيرة في الوقت نفسه إلى قلة الوعي الجماهيري لعواقب الأنشطة البشرية ومدى تأثيرها في تدهور البحيرات وقيمة استخدامها.
وردًا على التهديد المباشر لفقد البحيرات على كوكب الأرض، أكدت رئيسة المعهد القومي لعلوم البحار والمصايد بمدينة السويس السابق، أن ذلك يختلف حسب نوعية البحيرات، إذا كانت بحيرات مالحة أو بحيرات عذبة، وأنه في كلا الحالتين يعني فقد البحيرات تهديد التنوع البيولوجي لكوكب الأرض، مبينة أن زيادة استخدام الأسمدة والمبيدات الزراعية خارج الحدود المستدامة قد يصيب البحيرات بظاهرة التخثث، وهي ظاهرة قاتلة لجودة المياه، كما أن زيادة تدفق مياه الصرف الصحي والمواد الكيميائية الأخرى في النظم البيئية المائية، يمكن أن يهدد الحياة المائية داخل البحيرة ما يؤثر عكسيًا على النظم البيئية للبحيرات التي توفر المياه العذبة والصحية للبشرية، وقد يصل الأمر إلى حد تآكل التربة، مطالبة في الوقت نفسه بضرورة رصد وفهم الظروف البيولوجية والكيميائية والفيزيائية للبحيرات ووضع استراتيجيات للتصدي ومكافحة كل أسباب تهديد أمر وجودها.