اللغة الآرامية مهدّدة بالاندثار في آخر معاقلها السورية
معلولا تعدّ من البلدات القليلة التي تستخدم اللغة الآرامية، وهي مشهورة بآثارها القديمة، إذ يعود تاريخها إلى العصور الأولى للمسيحية.
ينكبّ جورج زعرور على مراجعة كتاب قديم ويدقّق عبر عدسة مكبرة في كلمات مخطوطة باللغة الآرامية، ثم ينقلها إلى الورق، في محاولة لحفظها بعدما باتت "لغة المسيح" التي لا تزال تستخدمها بلدة معلولا السورية مهدّدة بالاندثار.
وقال زعرور، 62 عاماً، وهو أحد آخر خبراء اللغة الآرامية وموثقيها في سوريا: "اللغة الآرامية تحتضر.. تتألم وتتحسّس الخطر"، محذّراً من أنه "إذا بقي الوضع على حاله، فسنشهد انقراض اللغة الآرامية خلال 5 أو 10 سنوات".
في متجره الصغير، حيث يبيع الأيقونات الدينية، يحتفظ المدرس الذي غزا الشيب شعره بمخطوطات ومراجع متعلقة باللغة الآرامية، انهمك خلال السنوات الماضية في جمعها، ويقضي أيامه في دراستها وترجمتها إلى اللغة العربية، بعدما ألّف نحو 30 كتاباً عن تاريخ اللغة الآرامية.
وتعود بدايات هذه اللغة السامية القديمة، المعروفة بكونها لغة المسيح، كما يردد سكان معلولا فخورين، للقرن الـ10 قبل الميلاد.
وتُعدّ معلولا من البلدات القليلة في الشرق الأوسط التي لا تزال تستخدم هذه اللغة، وتقع البلدة المعروفة بآثارها القديمة ومغاورها المحفورة في الصخر بمنطقة القلمون الجبلية على طريق استراتيجي يربط لبنان بدمشق، ويعود تاريخها إلى العصور الأولى للمسيحية.
قبل اندلاع النزاع في منتصف مارس/آذار 2011، كانت القرية وجهة يزورها سياح من أنحاء العالم لسماع لغة المسيح تتردد في أزقتها، وكان عدد سكانها أكثر من 6 آلاف نسمة، غالبيتهم من الكاثوليك الذين يتحدثون اللغة الآرامية.
أجيال الحرب
يشرح زعرور أن "80% من سكان معلولا لا يتكلّمون الآرامية اليوم، في حين أن أعمار البقية التي تتكلمها فوق الـ60 عاماً".
وتابع: "كانت أجيالنا السابقة تتعلم اللغة الآرامية قبل العربية، وتقول أولى كلماتها بالآرامية، أما أجيال الحرب، فقد وُلِد معظمها خارج معلولا، وتعلم أولادها العربية أولاً".
إضافة إلى توثيقه وتأريخه للغة الآرامية، أشرف زعرور على عدد من رسائل الماجستير والدكتوراة حول اللغة الآرامية في جامعة دمشق، كما ساهم عام 2006 في تأسيس معهد بمعلولا لتدريس الآرامية، أغلقت أبوابه مع بدء النزاع.
وقال مختار البلدة إلياس ثعلب، الذي تجاوز الـ80 عاماً: "أعتقد أن جورج زعرور هو المدرّس والموثّق الوحيد للغة الآرامية في سوريا"، مشيراً إلى أن هناك "بعض الأساتذة، صغار السن، يحاولون أن يتعلّموها، لكن زعرور الوحيد القادر على التبحّر فيها".
يتحدث المختار العجوز بفخر عن بلدته، ذاكراً أنها "واحدة من مناطق قليلة جداً في العالم، لا تزال تتحدث الآرامية".
وأردف: "لأكثر من 2000 سنة حملنا في صدورنا وعلى ألسنتنا لغة السيد المسيح، ونحن من أواخر الناس على الأرض ما زلنا نتشرف بهذه اللغة"، دون أن يخفي خشيته من اندثارها.
والآرامية من اللغات السامية التي اعتمدتها الإمبراطوريات السريانية، إضافة إلى الفرس قبل 2500 عام، واستمرت لغة محلية في المنطقة خلال الحقبتين اليونانية والرومانية حتى الفتح الإسلامي.
وللآرامية لهجات عدة تواصل مناطق في تركيا وشمال العراق التحدّث بها، وفق ما أكده الباحث في المعهد الفرنسي للشرق الأدنى جان بابتيست يون.
سكان القرية
وتعني معلولا بالآرامية "المدخل"، وتُعرف بشق في جبل على شكل ممر ضيق بين طرفي جبل شاهق، تقول الأسطورة إن القديسة "تقلا" وهي شابة سورية اعتنقت المسيحية عام 67 فرت من والدها إلى هذا الجبل الذي انشق فجأة ليفتح لها طريقاً.
في القرية التي لا يعكر هدوءها سوى زقزقة العصافير، لا تزال معظم المنازل القرميدية الصغيرة مهجورة وآثار المعارك بادية على بعض معالمها.
داخل الروضة الوحيدة الموجودة في معلولا تتجول الراهبة علّام بين الأطفال، لافتةً إلى أن عددهم تراجع من مئة عام 2011 إلى 30 فقط حالياً.
وفي غرفة طُلِيت جدرانها باللونين الأبيض والزهري وزُيِّنت برسومات، يردد أطفال تراوح أعمارهم بين 5 و6 سنوات قصائد باللغة الآرامية، بإشراف أنطوانيت مخ، المدرسة الوحيدة التي لا تزال قادرة على تعليم هذه اللغة.
وأفادت مخ، 64 عاماً، التي تعلمت الآرامية من والدها: "اللغة الآرامية في معلولا موروث يتم تناقله عبر الأجيال، الابن من أبيه، والأب من الجد، إنها لغة البيوت".
وتشير إلى الأطفال حولها قائلة: "جميعهم وُلدوا خارج معلولا خلال سنوات التهجير، نحاول اليوم أن نعيدهم قليلاً للغة الآرامية"، مضيفةً: "أشعر بالمسؤولية، لا يمكنني أن أترك عملي الآن وأتقاعد لعدم وجود بديل".
aXA6IDE4LjE4OC4xMzIuNzEg جزيرة ام اند امز