تعتبر اللغة العربية لغة البيان والفصاحة وهي لغة خصبة بمفرداتها وأساليبها، متميزة بحيويتها، تمتلك ذخيرة أوزان صرفية واشتقاقات هائلة.
وقد ظلت اللغة العربية إلى يومنا هذا نبعاً غنياً لكل من ينهل منها الأفكار والمعاني السامية الأخاذة، وهي اللغة التي بُنيت عليها الحضارة الإسلامية، حيث امتلكت خصوصيات متميزة أمّنت لها الاستمرارية وجنّبتها الترهُّل والذبول، حيث شاركت في إثراء الفكر الإنساني، ما جعل من هذه الخصوصيات أداة للتنوع الثقافي وينبوعاً لإغناء الفكر العربي والإسلامي وقدرة على التعايش مع كل الأديان والحضارات بلا خوف ولا تردد.
وتشكل اللغة العربية درعاً واقيا أمام الهجمة المعلوماتية الوافدة التي تحمل في ثناياها غزواً ثقافياً وإعلامياً ينبغي إدراكه والتعامل معه بلا أثر سلبي علينا، ولغتنا العربية بمنزلة الحصن المنيع، فإذا تخلّينا عنه أصبحنا رهن قوة خارجية تهدد بقاءنا وتدمر وجودنا وتستهدف حضارتنا وهويتنا، وغاية المتربصين بلُغتنا وحضارتنا الإنسانية نشرُ ظواهر حياتية واجتماعية وثقافية لا تمت لتراثنا الأصيل.
ويُعدُّ مؤتمر اللغة العربية، المنعقد ضمن فعاليات معرض "إكسبو دبي" تحت شعار "حوار المجتمعات وتواصل الحضارات"، حدثاً ثقافياً كبيراً، وأيضاً يأتي انسجاماً مع المستهدفات الاستراتيجية لوزارة الثقافة والشباب في الإمارات، وإسهاماً في ترجمة رسالة "إكسبو 2020" لتواصل العقول وصنع المستقبل، إذ يُعتبر المؤتمر منصةً معرفية وعراقة تراثية جمع تحت مظلة واحدة خبراء اللغة في جميع المجالات، لرسم مستقبلها بناء على القراءة الدقيقة للتحديات التي تواجهها، وذلك برعاية كريمة من صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي.
وتشجيعاً لآليات تطوير لغتنا العربية بمضامينها ومفاهيمها اتخذت القيادة الإماراتية قرارات هادفة وبنّاءة لنشرها، خاصة ونحن في بدايات الخمسين عاماً الثانية من عمر اتحاد دولة الإمارات، التي تظل سباقة في جميع الميادين بنظرة مستقبلية أصيلة، وجاء التتويج بالاحتفاء بالعام الأول على تأسيس مركز "أبوظبي للغة العربية"، متزامنا مع إحياء اليوم العالمي للغة العربية، الذي يتم الاحتفال به في الثامن عشر من ديسمبر/كانون الأول من كل عام، وهو اليوم الذي أصدرت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً عام 1973م بإدخالها اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية للمنظمة.
ودولة الإمارات منذ انطلاقتها آلت على نفسها حماية اللغة العربية والوقوف بوجه الدعوات التي تقف في مواجهتها، فاهتمت بها من خلال إقامة المعاهد والكليات الجامعية والمؤسسات الثقافية الداعمة والهادفة لحمايتها، بغية النهوض الحقيقي بها على مختلف المستويات وتكريس مكانتها في المجتمع المحلي وعلى النطاق العالمي، والاهتمام بتطوير أساليب استخداماتها وتمكينها كوسيلة للتواصل واكتساب المعرفة، وبالتالي تأكيد قدرتها على مواكبة موجات التحديث في العصر الراهن.
وتُشكّل رؤية صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، أهمية بالغة تميزت باتخاذ جملة من المبادرات والمشاريع، واستمرار الجهود الحثيثة التي تبذلها الدولة منذ فترة طويلة لتطوير اللغة العربية، ومنها إنجاز أكاديمية اللغة العربية في أبوظبي أواخر عام 2009م، وجاء في البيان الصادر عن الأكاديمية: "أمام التحديات الجسيمة التي تواجه اللغة العربية والتي ما انفكت تتعاظم، بحيث باتت تقلص إشعاعها وتهدد مصيرها، ويُخشى أن تنذر بأفول نجمها، نشأت في أبوظبي أكاديمية اللغة العربية، تجسيماً للشعور العميق بالمسؤولية التاريخية نحو لغتنا العربية بما هي لسان النص المقدس، ومستودع تراثنا الحضاري ورمز هويتنا الجامعة، وبما هي أداة التواصل في الفضاء العربي، وعُدة الأمة في الإبداع وبناء الحياة حاضراً ومستقبلاً".
وعلى هامش اجتماعات مؤتمر وزراء الثقافة العرب في "إكسبو 2020 دبي" جرى إطلاق بنود هامة أبرزها القيام بمبادرات ومشاريع تحفظ اللغة العربية وتعزز حضورها، واستشراف مستقبلها في الفضاء الرقمي والعوالم الجديدة، وتوظيف تكنولوجيا العصر في طرق تعلّمها ونشرها، بما في ذلك استيعاب حركة الترجمة والمحتوى الرقمي.
ولغتنا العربية هي الموحِّدة للعرب، ورغم جراحات التجزئة العميقة، وبسبب حيويتها ومرونتها وخصوبتها وقابليتها للتجدد والتطور مع مختلف العصور التي مرت بها الأمة، فهي ذات اللغة التي نشطت في الترجمة والتعريب، فاستوعبت المستجدات العلمية والمصطلحات اللغوية في مجال الكيمياء والفيزياء والطب وعلوم البيولوجيا وتكنولوجيا الاتصال والمعلوماتية والحواسيب، وبذلك تعزز نشرها وحضورها عالمياً بوصفها لغة معرفة وثقافة وإبداع، وللإسهام في رسم معالم حاضرها ومستقبلها، ولا يُعقل أن نتجاوز مكانة هذه اللغة حتى على المستوى العالمي.
واللغة العربية هي اللغة الرسمية في دولة الإمارات، وذلك بحسب المادة السابعة من دستور الدولة، وعليه فإن جميع الخطابات والمراسلات والوثائق والاتفاقات الرسمية والقوانين والأنظمة والقرارات الصادرة عن حكومة دولة الإمارات باللغة العربية. وفي أهميتها يقول صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي: "أهمية اللغات بالنسبة للأمم باعتبارها الثروة الأعظم قيمةً، لأن اللغة ركن أساسي في حضارات الأمم، ولم تَسُدْ أمة لا تستند في تطوير علومها ومعارفها على لغتها الأم، فكيف إذا كانت تلك اللغة هي العربية، التي مثلت جسراً لنقل الثقافة والعلوم والآداب، ليس للأمة العربية فقط، وإنما لأمم وحضارات أخرى عبر القرون".
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة