أكبر جدارية في مراكش.. تخليد للتقاليد وتكريم للثقافة المحلية
أكبر جدارية في مدينة مراكش، أنجزها الرسام المغربي مراد راشندال، بتعاون مع جمعية "ماتقيسش حومتي" المحلية، ومعناها "لا تلمس حيي"
تقف شامخة في مدخل واحد من الشعبية لمدينة مراكش المغربية، في خلفيتها أحد الأقواس العتيقة للمدينة المُطل على صومعة الكتبية العتيقة، ويتقدمهما شخصية يُحبها أهل الحي، باسطة يديها ترحيباً بالزوار والمارة.
إنها أكبر جدارية في مدينة مراكش، أنجزها الرسام المغربي مراد راشندال، بتعاون مع جمعية "ماتقيسش حومتي" المحلية، ومعناها "لا تلمس حيي"، وذلك تكريماً لرجل من أبناء الحي يُدعى الراضي شريف، ويُلقب بـ"لمْكَعْرط"، ومعناها في العامية المراكشية "الرجل الرزين البشوش ذو الحس الكوميدي والدعابة".
تكريم للبهجة والكرم
ويظهر في الصورة رجل مُراكشي من أبناء الحي حيث رُسمت الصورة، وهو حلاق معروف لدى الساكنة هُناك، بروح الدعابة والنكتة، إذ يرتدي الجلباب المراكشي التقليدي، الذي تتوسطه حقيبة الجلد التي كان يرتديها الرجال سابقاً في مراكش، لحفظ المال والأغراض البسيطة.
ويقف الراضي الشريف في الصورة، باسطاً يديه وهي حركة يقوم بها المراكشيون عند الغناء أو إلقاء النكات في التجمعات. فيما يحمل بيديه اليمنى جرة من طين، في إشارة إلى طبق الطنجية الذي تشتهر به المدينة.
وأوضح أمين الخضري رئيس جمعية "ما ماتْقيسش حُومْتي"، فإن هذه اللوحة، التي تعد الأكبر من نوعها في مراكش، ترمز إلى تاريخ المدينة الحمراء وأصالتها، بالإضافة إلى الترويج للغنى الثقافي والتميز الحضاري للمدينة.
وقال إن الغرض من هذه المبادرة على غرار الكثير من سابقاتها، هو إتحاف مدينة مراكش وأزقتها بلوحات فنية، تعكس روح المدينة، وتضفي رونقاً جميلا على أزقتها وشوارعها.
وكشف أن الجمعية سبق لها وأنجزت جداريات كثيرة سابقة، بينها واحدة تجمع الملك محمد السادس وولي العهد الأمير مولاي الحسن. بالإضافة إلى اثنتين حول موضوع كورونا، إذ أن الأولى بعنوان: "كُن أسدا في التصدي لا خائنا في التفشي"، والثانية تكريما واحتفاء بجنود الصف الأول في مواجهة الفيروس التاجي.
وأضاف أن أعمال الجمعية لن تقف عند هذا القدر، بل إنها تُخطط لإنجاز جدارية أخرى تحتفي بإحدى القامات الفنية الكبرى لمدينة مراكش، وهو الممثل والكوميدي عبد الجبار بلوزير، الذي أقعده المرض.
معارض في الهواء الطلق
من جهته، أوضح الفنان مراشد راشندال، الذي قدم من مدينة سلا، قرب العاصمة المغربية الرباط، لإنجاز هذه اللوحة الفنية، أن هذا العمل الفني الكبير حرك الحس الإبداعي في داخله.
وقال إن هذه اللوحة التي استغرقت منه حوالي 63 ساعة من الاشتغال، على مدار 7 أيام، تُعبر عن الفلكلور المغربي، والحياة الشعبية لأهل مراكش. مُشيراً إلى أنه تعمد استعمال الألوان الفاتحة في إشارة إلى البهجة وروح الدعابة التي تتميز بها مدينة مراكش.
وشدد على أن "فن الشارع يرقى بالمجتمعات" إذ أنه "يُخرج الإبداعات الفنية من أروقة المعارض إلى الأزقة والشوارع. وبالتالي يجعلها في متناول الجميع، إذ "يكفي أن تُطل من شرفة منزلك أو تتجول بدراجتك أو سيارتك لتُمتع ناظريك".
مبادرات متعددة
وليست هذه هي المبادرة الأولى التي تشهدها سواء مدينة مراكش، أو مدن مغربية أخرى، إذ تنتشر في الأزقة والأحياء وأيضاً الشوارع لإنجاز جداريات إما تحمل رسائل إيجابية، أو تكرم شخصيات وتخلد أحداثاً تاريخية ما.
وصارت الجداريات نُقطة ثابتة في الرونق العام للأحياء المغربية، خاصة في المدن الكبرى، إذ تضفي لمسة إبداعية على المعمار، وتكسر رتابة الإسمنت وجموده.
وفي مدينة الرباط، تُنظم جمعية "لبولفار"، ومعناها "الشارع"، في كُل سنة مهرجان "جدار لوحات الشارع"، والذي يستقطب فنانين تشكيليين كبار، سواء من داخل المغرب أو خارجه.
وطيلة أيام المهرجان، ينتشر المشاركون بين أزقة العاصمة المغربية الرباط، مُعتلين رافعات بطول العمارات الضخمة للمدينة، لرسم إبداعات تشكيلية بمواضيع ورسائل مختلفة.
وبدورها، تحتفي مدينة أصيلا، شمال المغرب، في كل سنة خلال موسمها الثقافي بفن الجداريات من خلال، إذ تُشد إليها رحال الرسامين من كُل حدب وصوب، لتأثيث جدرانها القصيرة بمُختلف الألوان والرسمات.
وحتى في المدن الصغيرة، تنهمك الجمعيات المختصة، بتنسيق مع السلطات والفاعلين المحليين، في إقامة معالم فنية تجعل من الأزقة والأحياء، معارض تشكيلية مفتوحة للعموم، تنشر قيم التسامح والتعايش، وتكرم بُناة الوطن وشخصياته.