بعد 88 عاما.. وصية «أبو أمة» التشيك إلى العلن

حدث تاريخي يتأهب له قصر الرئاسة في التشيك عندما يفتح الرئيس بيتر بافيل رسالة مختومة ظلت مغلقة لـ88 عاما.
والرسالة التي سيتلوها بافيل غدا الجمعة هي الأخيرة التي أملاها توماش غاريغ ماساريك، مؤسس تشيكوسلوفاكيا وأول رئيس لها، قبل وفاته عام 1937، بحسب صحيفة «التليغراف» البريطانية.
ونجت الرسالة من أخطر المنعطفات في تاريخ البلاد؛ إذ عبرت سنوات الاحتلال النازي، وتجاوزت مرحلة السيطرة السوفياتية، قبل أن يجري تهريبها إلى لندن، ثم أودعت في الأرشيف الوطني عام 2005 شريطة ألّا تُفتح قبل 19 سبتمبر/أيلول 2025.
ومنذ ذلك الحين، ترسخت حولها هالة من الغموض والتكهنات، حتى تحولت إلى لغز وطني يشغل الرأي العام.
تكهنات شعبية وصحافة متحفزة
ومع اقتراب موعد الكشف عن مضمون الرسالة، تسابقت الصحف التشيكية لنشر سيناريوهات لما قد تحمله الوثيقة.
وبعضها وضع ساعة عدّ تنازلي على غرار إطلاق الصواريخ، فيما ملأ القراء صفحات التعليقات بتوقعاتهم. هل كتب ماساريك تحذيرًا مبكرًا من أدولف هتلر الذي ضمّ إقليم السوديت بعد عام فقط من وفاته؟ أم وجّه إصبع الاتهام إلى جوزيف ستالين والشيوعية التي ابتلعت البلاد بعد الحرب؟
ولم تتوقف التكهنات عند السياسة، إذ ذهب بعضهم إلى تخيّل أن الرسالة قد تحمل أسرارًا شخصية أو حتى دعابة خفية، فيما رأى آخرون أنها قد تكون أقرب إلى وصية رمزية أو رسالة أمل موجهة إلى أجيال تعيش في دولة ديمقراطية محررة من الاستبداد.
تاريخ معقد ومصير غامض
الوثيقة نفسها عاشت رحلة مليئة بالمخاطر، فقد أملاها ماساريك على ابنه يان، والذي كان سفيرًا لتشيكوسلوفاكيا في بريطانيا ثم وزيرًا للخارجية لاحقًا.
وخلال الحرب العالمية الثانية، حملها معه متنقلاً بين العواصم الأوروبية حتى أعادها إلى براغ عام 1945.
لكنّ الغموض تواصل بعد العثور على يان ميتًا عام 1948 أسفل نافذة وزارة الخارجية، في حادثة اعتُبرت انتحارًا رسميًا، ورأى فيها كثيرون عملية اغتيال دبرها النظام الشيوعي الناشئ آنذاك.
ولاحقًا، ساعد دبلوماسيون غربيون في تهريب الرسالة مجددًا إلى الخارج، قبل أن تُحفظ بأمان في الأرشيف الوطني بعد سقوط الشيوعية عام 1989.
إرث بين الأمل والخيبة
ماساريك الذي يُلقب بـ"أبو الأمة"، لم يكن مجرد رئيس دولة، بل فيلسوفًا وسياسيًا استطاع أن يحوّل حلم استقلال التشيك والسلوفاك إلى واقع عام 1918 بدعم من الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون.
واشتهر بدفاعه عن حقوق المرأة، وقاد بلاده في فترة ازدهار ديمقراطي قبل أن يستقيل عام 1935 بسبب المرض، ويتوفى بعد عامين.
واليوم، يقف التشيكيون بين الترقب والقلق، فالمؤرخون يحذرون من رفع سقف التوقعات، مذكرين بأن الرسالة قد تكون مجرد ملاحظات عابرة أو أفكار شخصية كتبها ماساريك في لحظاته الأخيرة، بل إن البعض لا يستبعد أن يكون خط اليد غير واضح أو حتى أن تكون الوثيقة مزورة.
ومع ذلك، يبقى الاعتقاد السائد بأنها ستعكس الرؤية السياسية لرجل استشرف مبكرًا المخاطر التي تهدد أوروبا.
ومهما حمل النص، فإن لحظة فتح المظروف ستشكل فصلا جديدًا في علاقة التشيك بتاريخهم المضطرب، وتجعل من ماساريك حاضرا من جديد في قلب النقاش الوطني بعد ثمانية عقود من رحيله.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTAg جزيرة ام اند امز