"تنازل ولي الدم".. قانون أم عرف يغذي العنف الأسري في غزة؟
مادلين الجرابعة (21 عاما) طالبة جامعية وصلت مساء 28 مايو الماضي، إلى مشفى وسط منطقة دير البلح وعليها آثار ضرب واضحة في جميع أنحاء جسمها
بعد نحو شهرين من مقتل الفتاة الفلسطينية مادلين الجرابعة على يد والدها وسط قطاع غزة، بالضرب حتى الموت، تداول نشطاء نبأ الإفراج عن الأب بعد تنازل ولاة الدم.
وفجر هذا النبأ حالة غضب عارمة في الأوساط النسوية والمجتمعية، وسلط الضوء على خلل يتطلب الحاجة لتعديل بنود قانون "تنازل ولي الدم" أو الصلح الجزائي الذي يحدد عقوبة مالية على القتل غير المتعمد لا تتجاوز 2000 دولار، إذا تنازل ولي الدم عن القضية.
مادلين (21 عاما) هي طالبة جامعية متفوقة، وصلت مساء 28 مايو الماضي، إلى مشفى وسط منطقة دير البلح وعليها آثار ضرب واضحة في جميع أنحاء جسمها.
ووصفت حالتها الطبية حينها بالخطيرة، وبعد عدة ساعات أعلن عن وفاتها، وفق تقرير حقوقي حينها.
وحسب تقارير حقوقية استندت إلى مصادر طبية؛ فقد تبين أن سبب الوفاة تعرض الفتاة للتعذيب والضرب الذي أدى إلى إصابتها بكدمات بجميع أنحاء الجسم ومحاولات الخنق حول العنق.
وأفادت مصادر شرطية بأن المواطنة تعرضت للضرب من والدها على إثر خلاف عائلي، واعتقلت الشرطة والدها بعد ملاحقته.
المفاجئ؛ أنه بعد حوالي شهرين من الواقعة التي شكلت حالة صدمة في المجتمع بقطاع غزة، ذكرت وسائل إعلامية محلية ونشطاء أنه جرى الإفراج عن قاتل الفتاة (والدها) بناء على الصلح الجزائي وتنازل أولياء الدم؛ وهو ما فجر حالة غضب عارمة، نتيجة تهاون المنظومة القانونية في قضايا العنف العائلي.
الصلح الجزائي يحمي القتلة
وتؤكد زينب الغنيمي، مدير عام مركز الأبحاث والاستشارات القانونية والحماية للمرأة، أن قانون الصلح الجزائي يتعاطى مع الجنايات وجرائم القتل على أنها أشياء بسيطة يتم التنازل عنها من أولياء الدم حسبما جرى العرف.
وأشارت الغنيمي في حديثه لـ"العين الإخبارية" إلى أن النيابة لا تكيف الجريمة على أنها جريمة إنما ضرب أفضى للموت مثلا، وأثناء التحقيقات تتعاطى النيابة وجهات التحقيق وحتى القضاء مع القضايا عبر الدفوع التي يقدمها المحامون على اعتبار أن الفتيات والنساء ليسوا كما الرجال.
وعبرت عن حالة الغضب الشديد التي تعتمل النساء الفلسطينيات، قائلة: "نقول لأنفسنا لا عزاء لنا في غزة لأن حق المقتولات لم يصلهن حتى يكون لهن عزاء".
وشددت على أن المطلوب نسف الحل الجزائي وخاصة في مثل هذا النوع من الجرائم التي تُظلم بسببه المرأة مرتين، مؤكدة أنه ليس من حق أحد في العائلة التنازل عن حق أي واحد من عائلته.
وحذرت من أنه إن لم يتم وضع حد للتهاون في قتل النساء والتهاون من جهات الاختصاص، فإن المشكلات ستتفاقم والعنف الأسري ضد المرأة سيزداد.
توالي ضحايا العنف الأسري
وقتلت 10 سيدات وفتيات على أيدي عائلاتهن في غزة منذ بداية 2020، بحسب أريج الأشقر، مسؤولة اتحاد لجان العمل النسائي بالجبهة الديمقراطية.
وأشارت الأشقر لـ"العين الإخبارية" إلى أن عام 2019 شهد أيضا مقتل 22 سيدة بغزة وهذا يعتبر عدادا كبيرا لضحايا ظاهرة العنف الأسري ومؤشراتها خطيرة.
ورأت أن هناك تهاونًا في العديد من الجرائم المرتكبة بحق المرأة خصوصا قتل الآباء لبناتهم، وذلك لعدم وجود قوانين تردع المجرمين وتضع حدا لقتل النساء لأي سبب كان.
قانون حماية الأسرة
المفارقة أن تزايد حالات القتل داخل العائلة، يأتي وسط جدل مجتمعي حاد، بعد مساعي الحكومة الفلسطينية للتصديق على قانون حماية الأسرة، ما تسبب بتعليق هذه المساعي.
وقالت الأشقر: "الأطر والمؤسسات النسوية تطالب بقانون لحماية الأسرة من العنف. هذا القانون نحن نصر على إقراره لحماية المرأة من كل مظاهر العنف في كل مكان من فلسطين.. ونحن رفعناه للرئيس الفلسطيني محمود عباس لإقراره، وهذا سيشكل رادعا للقتلة وبالتالي سيحمي السيدات من التفكك بهن".
وحذرت من أن القاتل لأول مرة سيكرر القتل طالما أفرج عنه بسهولة في المرة الأولى، مطالبة بالتشدد من جهات الاختصاص حماية للمجتمع من القتل السهل.
ثلاثية تغذي العنف
الباحث الحقوقي مصطفى إبراهيم، رأى أن الصلح الجزائي بغزة، والصمت والتواطؤ المجتمعي ثلاثية تغذي العنف الأسري ضد النساء والأطفال.
وأشار إبراهيم في حديثه لـ"العين الإخبارية" إلى أن هناك معلومات بأن حملة الغضب التي انطلقت على مواقع التواصل الاجتماعي رفضا لقرار الإفراج عن قاتل ابنته، دفعت النيابة لإلغاء قرار الإفراج، وهو أمر لم يؤكد بعد.
وقال: "قبل أيام تم الإفراج عن الرجل الذي قتل ابنته في غزة، وتم توجيه اتهام له بالقتل غير المتعمد وربما الضرب الذي أفضى للموت".
الافراج عن القاتل، حسب المتابعين، جاء بناء على الصلح بين ما يسمى أولياء الدم أي أفراد العائلة، وهو جاء بناء على قانون الصلح الجزائي الذي تم تشريعه في قطاع غزة، والذي يحدد عقوبة مالية على القاتل لا تتجاوز 2000 دولار، بحسب الحقوقي إبراهيم.
وطالب إبراهيم النيابة العامة في غزة والجهات المختصة في حكومة حماس بوقف العمل بقانون الصلح الجزائي الذي يعمل على تخفيف العقوبة وضياع الحق العام، مقابل دفع مبلغ من المال.
وقال: "على النيابة اتخاذ قرار فوري بوقف قرار الإفراج الذي تم في غزة، وتطبيق القانون وترك العدالة تأخذ مجراها، وإلا ستتهم النيابة بأنها تشجع على ارتكاب مزيد من العنف الأسري ضد النساء والأطفال وتكيف التهمة وهي الضرب الذي أفضى للموت".
المجرم يعفو عن نفسه
ندى نبيل، المتحدثة باسم المرصد الأورومتوسطي في الأراضي الفلسطينية، أشارت إلى أنهم رصدوا قبل أيام إفراج النيابة العامة عن قاتل "جرابعة" وهو والدها، بحجة ما يسمى "تنازل أولياء الدم"، وهو إجراء يعفي القاتل من العقوبة الموقعة قانونًا.
وقالت: "يبقى للقضاء أن يأخذ من القاتل الحق العام للدولة، والذي يمثل رادعًا أمام تكرار مثل هذه الجرائم التي تهدد أمن وسلامة أفراد المجتمع وتزعزع الاستقراره، إذ من غير المبرر أن يُمنح المجرم الحق في العفو عن نفسه والإفلات من العقاب على هذا النحو المشين".
وأضافت "إنّه لمن الفظاعة أن نرى المجرمين -وتحديدًا مرتكبي الجرائم الأسرية- طلقاء وآمنين من الملاحقة في ظل تصاعد الانتهاكات بحق المرأة ، ولا يبدو وفق القوانين الحالية أنّ تحقيق العدالة للضحايا أمرًا قريب المنال".
ودعت الجهات التشريعية إلى "تطوير تشريعات أكثر صرامة لمحاسبة مرتكبي الجرائم الأسرية، وضمان عدم إفلاتهم من العقاب".