انتخابات فرنسا.. اليمين في مفترق طرق بسبب «حرب الخلافة»
يقف حزب التجمع الوطني الفرنسي (أقصى اليمين) في مفترق طرق، بعد أداء مخيب للآمال في الدورة الثانية من الانتخابات التشريعية، إثر خلاف داخلي محتمل.
وتعثرت مارين لوبان وتلميذها جوردان بارديلا البالغ من العمر 28 عامًا في الجولة الثانية من الانتخابات البرلمانية الفرنسية التي جرت أمس الأحد، حيث حقق الحزب 143 مقعدا في البرلمان الجديد، ليحل ثالثا خلف تحالف الجبهة الشعبية اليساري، ومعسكر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون؛ الحائزين على المركزين الأول والثاني على الترتيب.
وبينما يستوعب الحزب اليميني النتيجة المخيبة للآمال في الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية، بعد أداء كبير في الجولة الأولى، يتوقع أن يشهد تبادلا للاتهامات وقد يصل الأمر طرد لكبار المسؤولين، وفق مجلة "بوليتيكو" الأمريكية.
ومع تطلع مسؤولي التجمع الوطني إلى التحدي الكبير القادم للحزب، وهو الوصول لقصر الإليزيه الرئاسي في عام 2027، يمكن أن يتطور التنافس الناشئ بين التلميذ والأستاذ إلى تنافس يمزق واحدة من أنجح الشراكات السياسية في تاريخ فرنسا بعد الحرب العالمية الثانية.
ما هو على المحك هو مسألة من سيقود القوى القومية اليمينية في فرنسا في معركة رئاسة البلاد في غضون 3 سنوات، أو حتى قبل ذلك إذا اتخذ الرئيس إيمانويل ماكرون الخطوة غير المتوقعة بترك السلطة قبل نهاية ولايته.
وفي حين حرص لوبان وبارديلا على إظهار الوحدة في العلن، فإن شباب بارديلا وشعبيته الأكبر لدى قاعدة الحزب واستقلاليته المتزايدة في مسائل السياسة كلها تهديدات ضمنية لسلطة لوبان المعنوية على التجمع الوطني.
وفي حديثها إلى الصحفيين في يناير/كانون الثاني الماضي، اعترفت لوبان بمميزات بارديلا، لكنها قالت إنها "منحته فرصة".
أما بالنسبة لبارديلا، فقد قال مرارًا وتكرارًا، إن لوبان هي "المرشح الطبيعي" للرئاسة وأنه لن يكون "إيمانويل ماكرون"، في إشارة إلى كيفية انقلاب الرئيس ماكرون على رئيسه فرانسوا هولاند آنذاك، قبل أن يشق طريقه إلى الرئاسة في عام 2017.
جاذبية
وردًا على سؤال حول احتمال حدوث انقسام محتمل، قال جان لين لاكابيل، حليف لوبان إن "هذا غير وارد. الحقيقة أنهما يشكلان معًا ورقة رابحة".
لكن، وفي أحاديث خاصة مع بوليتيكو، يعتقد المطلعون الحاليون والسابقون على أوضاع الحزب، وكذلك حلفاء كلا الزعيمين اليمينيين المتطرفين، أن العلامة التجارية السياسية لبارديلا تتمتع بجاذبية أوسع من لوبان.
وقال أحد نواب التجمع الوطني الذي طلب عدم ذكر اسمه: "يعتقد بعض الفرنسيين أن جوردان بارديلا لديه فرص أفضل للفوز (في الانتخابات الرئاسية) من مارين لوبان".
فيما قالت مصادر مطلعة بالحزب: "ربما نحن لسنا حذرين بما فيه الكفاية (بشأن احتمال وجود منافسة بين الطرفين).. هناك خطر.. علينا أن نكون حذرين".
وقال العديد من المطلعين إن السؤال الحقيقي لا يتعلق بما إذا كان بارديلا سيتولى زعامة الحزب بقدر ما يتعلق بموعد توليه، وخاصة ما إذا كان سينتظر محاولة رئاسية رابعة للوبان في انتخابات 2027، أو سيحاول تسريع عقارب الساعة.
وقال أحد حلفاء الحزب: "لا أعتقد أنه سيكون هناك انقلاب قبل عام 2027، ولكن بعد ذلك، من يدري؟".
وأضاف أن بارديلا "علامة تجارية أكثر كفاءة، لا يحمل اسم لوبان ولا يحمل إرث تجاوزات العائلة".
من يملك فرصا أكبر؟
لا شك أن لوبان هي من منحت بارديلا فرصة بداية حياته السياسية، ولكن سرعان ما تفوق التلميذ على أستاذه.
بعد انضمامه إلى الحزب، الذي كان يسمى آنذاك الجبهة الوطنية، في سن الـ17 في عام 2012، صعد بارديلا بسرعة في صفوفه ليتصدر قائمته الانتخابية في انتخابات البرلمان الأوروبي لعام 2019، وهو في سن الثالثة والعشرين.
وفي هذه الانتخابات، فاز الحزب بنسبة 23.3 % من الأصوات، متغلبًا على تحالف ماكرون الوسطي.
ثم عُيّن بارديلا بعد ذلك رئيسًا بالإنابة للحزب خلال الانتخابات الرئاسية الفرنسية لعام 2022، وأصبح زعيمًا رسميًا للحزب بعد بضعة أشهر.
في ذلك الوقت، كان بارديلا مدركًا للحاجة إلى إظهار الولاء في حزب لم يكن يقوده في السابق سوى لوبان فقط، ونسب نجاحه إلى ما سماه "علاقة فريدة من الثقة التي لا تقدر بثمن" مع معلمته.
ومنذ ذلك الحين، قدم بارديلا ولوبان نفسيهما على أنهما "تذكرة موحدة" تواجه المؤسسة السياسية الراسخة في فرنسا.
وبفضل مكانتها كسليلة سلالة لوبان، ورثت السياسية البارزة، مارين لوبان قيادة الحزب من والدها جان ماري في عام 2011 إذ أنها تمثل التغيير في إطار الاستمرارية.
ومع ذلك، فإن هذه القوة هي أيضًا نقطة ضعفها: فاسم لوبان مرتبط ارتباطًا لا يمحى بتجاوزات والدها المعادية للسامية والعنصرية، والذي طردته من الحزب في عام 2015.
وهنا يأتي دور بارديلا.. إذ إن السياسي الصاعد دخيل لا تربطه أي روابط دم بعائلة لوبان، ويتمتع بجاذبية أكبر لدى قطاعات من الناخبين الذين كانوا يتحاشون تقليديًا منح الأصوات للتجمع الوطني في صناديق الاقتراع.
وصرحت لوبان نفسها بذلك خلال لقاء مع الصحفيين في يناير/كانون الثاني الماضي عندما قالت: "يحظى جوردان بشعبية لدى الفئات المهنية العليا، وأنا سعيدة بذلك".
ويساعد بارديلا أيضًا على توسيع نطاق وصول الحزب بفضل خلفيته الشخصية. فعلى عكس لوبان البرجوازية، التي ترعرعت في ضاحية سان كلو الباريسية الصغيرة، أمضى بارديلا شبابه في حي سين سان دوني الباريسي الصعب، حيث احتك بأبناء المهاجرين وتشرّب لغة الشباب الفرنسي ومراجعه الشعبية.
فهما معًا يمثلان مثلثين ديموغرافيين حاسمين؛ تجتذب لوبان أنصار التجمع الوطني التقليديين والناخبين من شمال البلاد المتراجع صناعياً الذين ينجذبون إلى علامتها التجارية "حماية الضعفاء"، بينما يفوز بارديلا بالناخبين الذين يصوتون لأول مرة والشباب الذكور والفئات الاجتماعية والاقتصادية الأعلى.
صراع محتمل
هنا قال جان لين لاكابيل: "لا غنى لأحدهما عن الآخر، وهما يكملان بعضهما البعض"، والأداء الجيد في انتخابات البرلمان الأوروبي لعام 2024، عندما حصد الحزب ثلث الأصوات، أي أكثر من ضعف أقرب منافسيه، يؤكد ذلك.
ولكن يشير آخرون إلى أن فكرة تقديم اسمين أو أكثر كمرشحين، أمر غير معتاد للغاية في الحملات الرئاسية التي جرت العادة أن يواجه فيها مرشح واحد الأمة بمفرده.
وبالفعل، فإن نظام الحكم شديد المركزية في فرنسا، الذي يوصف في كثير من الأحيان بأنه نظام ملكي رئاسي، ينفي فعليًا فكرة تقاسم شخصيتين رئيسيتين للسلطة.
ففي أفضل الأحوال، يتولى أحدهما منصب الرئاسة، حيث تكمن معظم السلطة، ويصبح الآخر رئيسًا للوزراء، وهو دور أدنى مرتبة يكاد يكون تابعًا.
وهذا يعني أنه عندما يحين وقت الحسم، حتى الحلفاء الأقوياء سيتحولون إلى خصمين، وفق بوليتيكو، التي تشير بذلك إلى صراع محتمل حينما تحين لحظة الانتخابات الرئاسة في 2027.
aXA6IDMuMTM4LjE3MC42NyA= جزيرة ام اند امز