ليا كامبوس.. ملكة جمال حاربت الجميع من أجل الصافرة النسائية
تشهد كرة القدم حاليا مستجدات ثورية، بحصول الحكام السيدات على فرصة أكبر لإدارة المباريات.
ولم يعد ظهور الحكام السيدات مقتصرا على مباريات الكرة النسائية، بل منهن من حصلن على فرصة إدارة مباريات في المسابقات الكبيرة للرجال، مثل دوري أبطال أوروبا وكأس أمم أفريقيا بجانب عدة دوريات أوروبية.
ويرجع الفضل في الظهور المرموق للحكام السيدات إلى البرازيلية ليا كامبوس، التي تحدت أطرافا كثيرة من بينها رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا"، من أجل منح النساء فرصة إدارة المباريات في الساحرة المستديرة.
حب منذ الطفولة
وُلدت كامبوس عام 1945 في بلدة صغيرة بولاية ميناس جيرايس جنوب شرق البرازيل، وأبدت اهتماما مبكرا بممارسة كرة القدم في طفولتها، تماما كما يفعل الأولاد الصغار في البلد اللاتيني.
تقول كامبوس في مقابلة مع شبكة "بي بي سي" البريطانية: "كنت أحاول دائما لعب كرة القدم مع الأولاد في المدرسة ، لكن المدرسين كانوا يمنعونني ويقولون إن هذا الأمر ليس مناسبا للفتاة، وكذلك كانت تفعل أسرتي".
حاولت أسرة ليا دفعها للمشاركة في مسابقات ملكات الجمال باعتبارها نشاطا ملائما أكثر للفتيات، وفي عام 1966 حصلت على وظيفة في العلاقات العامة بنادي كروزيرو، وحتمت عليها وظيفتها الجديدة أن تسافر مع الفريق في جميع أنحاء البلاد، وهو ما جدد اهتمامها بكرة القدم.
كذلك عملت ليا لفترة كصحفية ومراسلة متخصصة في أخبار الرياضة وكرة القدم على التحديد.
في ذلك الوقت كانت النساء ممنوعات من لعب عدة رياضات بشكل احترافي من بينها كرة القدم، وذلك بموجب قانون صدر عام 1941 وظل ساريا لسنوات طويلة.
وبهذا يمكن القول إن الطريق كان مسدودا أمام ليا، ليس فقط بحكم العادات والتقاليد، بل أيضا بقوة القانون.
قائدة ثورة التحكيم النسائي
أدركت ليا كامبوس أن معركتها ستكون خاسرة إذا حاولت تحدي الجميع، فضلا عن أنها ببساطة لن تجد من تلعب معه في ظل الحظر المفروض على النساء، لذا سلكت طريقا آخر للاستمرار في الملاعب.
تقول ليا عن هذا الأمر: "إذا حاولت اللعب كان من المستحيل الحصول على أي دعم بسبب قانون منع النساء من اللعب، لذا ظهرت حاجتي لطريق آخر هو التحكيم".
في عام 1967 التحقت كامبوس بدورة تحكيم مدتها 8 أشهر، لكنها لم تحصل على صافرة الحكم بهذه السهولة، حيث قوبلت بتعنت السلطات، فضلا عن موقف جواو هافيلانج، رئيس اتحاد الرياضة البرازيلي وقتها، والذي أصبح رئيسا للفيفا لاحقا (1974-1998).
هافيلانج حاول تعجيز كامبوس بإخضاعها لعدة اختبارات قاسية للحصول على رخصة التحكيم، ثم صدمها بتصريح قوي قال فيه إن "السيدات لا يمكن لهن العمل في كرة القدم بسبب بنيتهن الجسدية الضعيفة المختلفة عن الرجل".
حاولت ليا طويلا للحصول على رخصة التحكيم في ظل تمسك هافيلانج بموقفه، واستخدمت علاقاتها وصلاتها بوسائل الإعلام المختلفة لمحاولة تغيير الوضع دون جدوى.
كانت ليا كامبوس في بعض الأحيان تتطوع لإدارة مباريات لفرق كرة القدم نسائية للهواة، لكن الشرطة كانت تتدخل لإنهاء تلك المباريات في أغلب الأحيان.
بعد 4 سنوات من المعاناة نجحت ليا في الوصول إلى إيميليو ميديتشي، رئيس البرازيل وقتها، وروت له قصتها، ليدعوها لزيارته في قصره ويمنحها أمرا موقعا منه شخصيا، يلزم اتحاد الرياضة بمنحها الترخيص اللازم لإدارة المباريات.
بمجرد حصولها على الترخيص تمكنت ليا من السفر إلى المكسيك لإدارة مباريات في كأس العالم للسيدات عام 1971، ثم أُسند إليها عدة مباريات في الدرجات الدنيا بالدوري البرازيلي عند عودتها.
لم تنعم ليا طويلا بانتصارها، حيث تعرضت لحادث مفجع عام 1974 بعدما اصطدمت الحافلة التي كانت تستقلها بشاحنة أثناء سفرها بين منطقتين في البرازيل، وفي مفارقة مثيرة للريبة، فإن تلك الحافلة كانت تابعة لشركة "كوميتا" التابعة لهافيلانج وعائلته.
خضعت ليا لما يزيد عن 100 عملية جراحية وقضت عامين على كرسي متحرك بعد صراعات مع شركة كوميتا للحصول على التعويضات، ثم انتقلت للعيش في أمريكا رفقة زوجها الصحفي الكولومبي لويس إدواردو ميدينا الذي التقته هناك.
عملت ليا بعد ذلك في صنع الحلويات وبيعها لأفراد الجالية البرازيلية في الولايات المتحدة، لكنها تلقت ضربة قوية بعد تفشي جائحة كورونا عام 2020، حيث فقد زوجها عمله، وانتقلا معا للعيش لدى أحد الأصدقاء بعدما أصبحا بلا سكن.
في ذلك الوقت قامت مجموعة من الحكام في البرازيل بلفتة إنسانية، وجمعوا لكامبوس وزوجها ما يكفي للحصول على سكن جديد في ولاية نيوجيرسي.
ليست أول حكم امرأة
على الرغم من المكانة الريادية للحكمة البرازيلية، فإنها على الأرجح ليست أول سيدة تحصل على رخصة التحكيم في مباريات كرة القدم.
في عام 2018 تلقى الفيفا رسالة من التركية دراسان أردا، التي زعمت أنها أول امرأة تحصل على رخصة الحكم وذلك في نوفمبر/تشرين الثاني 1967، علما بأنها أدارت أول مباراة لها في يونيو/حزيران 1968.
كذلك تشير تقارير صحفية إلى أن السويدية إنجريد هولمجرين هي الأولى في هذا المجال، بحصولها على الرخصة في عام 1966، فيما نشرت وسائل إعلام نمساوية قصة عمل السيدة إيديث كلينجر كحكم بداية من عام 1935.
وحتى الآن لا يملك الفيفا آلية واضحة لتحديد من هي أول سيدة تقوم بإدارة مباراة في تاريخ كرة القدم.