الأسطول الأصفر.. "إيفر جيفن" تعيد أزمة 14 سفينة للحياة بعد نصف قرن
لم يكن أكثر الملّاحين تشاؤما في تاريخ التجارة البحرية، يتوقع أن تمتد أكبر أزمة سفن عالقة، لمدة 8 سنوات، كانت بطلتها قناة السويس.
لكن ذلك حدث بالفعل خلال الحرب الإسرائيلية العربية عام 1967، عندما توقفت حركة الملاحة في قناة السويس لمدة 8 سنوات، ولسوء حظها، كانت 14 سفينة تعبر القناة في فترة حرب الأيام الستة، قبل أن تغلق مصر قناة السويس.
في ذلك الوقت، كانت قناة السويس تحمل نفس الأهمية التي تملكها اليوم، كأقصر طريق ملاحي، وأكثر أمانا وأقل كلفة مقارنة مع قنوات الملاحة الأخرى بين آسيا وأوروبا، خاصة طريق رأس الرجاء الصالح.
نستعيد في "العين الإخبارية" هذه القصة الحقيقية للسفن الـ14، بعد دخول سفينة الحاويات "إيفرجيفن" يومها السادس عالقة في مياه قناة السويس، بعد تعرضها لعاصفة رملية أدت إلى جنوحها لضفتي القناة منذ الثلاثاء الماضي.
- لماذا لم تكتمل محاولة تعويم السفينة الجانحة في قناة السويس؟
- سميت سالفدج.. مهمة خاصة للوحش الهولندي في قناة السويس
- تاريخ إغلاق قناة السويس أمام الملاحة البحرية
وتم افتتاح ممر القناة في عام 1869، وهو ممر مائي اصطناعي على مستوى سطح البحر في مصر يربط البحر الأبيض المتوسط بالبحر الأحمر في طريقه إلى المحيط الهندي.
قبل تشغيل القناة، كان على السفن عبور القارة الأفريقية للوصول إلى المحيط الهندي للتجارة التي كانت تستغرق أسابيع؛ لكن بعد افتتاح القناة، تم تقليص المسافة، حيث فتحت طريقا مباشرا للسفن بين أوروبا وآسيا والأراضي المحيطة بالمحيط الهندي وغرب المحيط الهادئ.
بالعودة إلى حادثة عام 1967، فقد اندلعت حرب الأيام الستة بين إسرائيل والدول العربية التي حولت القناة إلى منطقة حرب؛ في ذلك الوقت، كانت 14 سفينة شحن تعبر القناة.
وأصدرت السلطات المصرية تعليمات لأفراد طاقم السفن بالرسو في أوسع جزء من القناة يعرف بالبحيرات الكبرى؛ وانتهت الحرب في ستة أيام، لكن الوضع الجغرافي حول القناة تغير بطريقة لم تجد طواقم أي طريق للخروج من القناة.
الأسطول الأصفر
هذه السفن الـ14 التي علقت في قناة السويس في ذلك العام، تنتمي إلى بلغاريا وتشيكوسلوفاكيا وفرنسا وبولندا والسويد وألمانيا الغربية والمملكة المتحدة والولايات المتحدة.
سميت مجموعة السفن بالأسطول الأصفر، حيث اكتسبت ذلك الاسم بسبب رمال الصحراء التي غطت السفن في النهاية، بسبب الأيام والأسابيع والشهور والسنوات التي ظلت راسية فيها.
ولضمان عدم تمكن إسرائيل من استخدام القناة، قامت مصر بإغلاق القناة من كلا الطرفين باستخدام الحطام والسفن القديمة والألغام الأرضية؛ لذا علق الأسطول المكون من 14 سفينة لمجرد أنها كانت في المكان الخطأ في الوقت الخطأ.
أما بالنسبة للتجارة الدولية، فقد تبين أنها كارثية، حيث كان عليهم استئناف المسار القديم حول أفريقيا مما زاد تكلفة الشحن بعدة أضعاف.
وبعد ثلاثة أشهر من البقاء في القناة، سُمح لأفراد الطاقم الأصليين بالعودة إلى ديارهم، لكن اضطروا إلى ترك السفن وراءهم؛ ومع ذلك، فإن الشركات التي تمتلك السفن لم تكن مرتاحة لترك السفن بمفردها وبدون ربان.
ووفقا لكاث سينكر، مؤلف كتاب "الذين تقطعت بهم السبل في حرب الأيام الستة"، فإن الشيء المنطقي الذي يتعين على الشركات فعله هو إبقاء الناس هناك لحماية البضائع الثمينة على متن السفن.
وهكذا، أرسلت الشركات أطقم إغاثة تقوم بالدوران داخل وخارج السفن لحماية السفن؛ وأثناء إقامتهم، شكّل أفراد الطاقم مجتمعهم الدولي الخاص، والذي أطلق عليه اسم جمعية البحيرات الكبرى.
هناك في الصحراء، قام أفراد طاقم السفن بتقسيم المهام من أجل الإدارة السلسة "لبلدهم" الجديدة وأرضها السفن الـ 14؛ حيث خدم أفراد الطاقم البولندي في مكتب البريد، بينما استضاف البريطانيون مباريات كرة القدم، فيما سفينة ثالثة تم تحويلها إلى كنيسة للصلاة.
بينما تم تحويل سفينة رابعة إلى مسرح سينمائي؛ وسفينة أخرى كانت بمثابة مستشفى.
وداخل مجتمعهم الخاص الصغير ذو الكثافة السكانية القليلة، كان من الضروري لأعضاء الجمعية الجديدة، أن يظلوا مشغولين. إذن ماذا يفعلون بخلاف إقامة الحفلات وأحداث الرقص ومباريات كرة القدم؟
حسنًا ، كان لديهم نسختهم الخاصة من أولمبياد عام 1968، هناك على متن إحدى السفن، فاز أعضاء الطاقم البولندي بالألعاب، حتى أنهم صنعوا طوابع بريدية يدوية الصنع!
وببطء، خفضت شركات الشحن عدد أفراد طاقم السفن لاحقا؛ وفقا للسجلات، قام ما مجموعه 3000 من أفراد الطاقم بجولة على متن السفينة في وقت أو آخر.
في عام 1973، اندلعت حرب أخرى بين إسرائيل ومصر. هذه المرة كانت مصر هي التي شنت هجوما مباغتا على إسرائيل؛ تسببت الحرب في أضرار جسيمة في كلا الطرفين بحلول نهاية الأسبوع.
أخيرا، انتهى الصراع باتفاقية وقف إطلاق النار؛ وبدأوا في سحب القوات حسب المعاهدة عبر حدود قناة السويس، كما بدأت مصر في إزالة أكوام الحطام والألغام الأرضية والسفن القديمة لفتح القناة، لكن الأمر استغرق عامين لتنظيفها. وفي 5 يونيو/ حزيران 1975 أعيد فتح القناة.
ومع ذلك، لم تستطع غالبية السفن العالقة الخروج بمفردها؛ كان لا بد من جرهم؛ وفقط السفن الألمانية كانت قادرة على الخروج من القناة بمفردها.