دباغة مصر ينتظرون جلود الأضاحي.. العيد أهم مواسمهم
عيد الأضحى هو الموسم الأهم لهذه المهنة الضاربة في عمق التاريخ، والتي عرفتها مصر قبل نحو ألف عام.
بينما ينتظر أغلب المصريين موسم تناول لحوم الأضاحي؛ هناك من ينتظر شيئاً آخر، وهو الجلود التي كانت تغطي تلك اللحوم؛ لدباغتها وتجهيزها للسوق المحلي والخارجي.
عيد الأضحى هو الموسم الأهم لهذه المهنة الضاربة في عمق التاريخ، والتي عرفتها مصر قبل نحو ألف عام، وتُعد منطقة سور مجرى العيون بالقاهرة، أحد أبرز الأماكن التي تحتضن المصانع والورش العاملة بها، والتي يبلغ عددها 250 مصنعاً وورشة صغيرة.
لا تحتاج إلى لافتات ترشدك أنك في منطقة سور مجرى العيون، فالرائحة المنبعثة من المصانع والورش تعلن عن نفسها، ورغم صعوبتها على من لم يتعودوا عليها، إلا أنها بالنسبة لأحمد محروس، أحد العاملين بها، صارت مألوفة، بل إنه ينتظر موسم عيد الأضحى ليزكي أنفه بالمزيد منها.
ويقول محروس لـ "العين الإخبارية" في تشبيه بليغ: "أنت تتساءل عندما تشاهد ماسح الأحذية كيف يقبل إنسان أن يضع البشر أحذيتهم أمامه لمسحها، وهو يتمنى أن يضع البشر جميعاً أحذيتهم أمامه، وكذلك نحن العاملين بتلك المهنة، فأنت تضايقك الرائحة، ونحن نتمنى ألا ينقطع توريد الجلود لورشتنا لتظل هذه الرائحة قائمة".
وعيد الأضحى هو الفرصة الأكبر لتحقيق أمنية محروس، لذلك؛ فإن أيامه الأربعة بالنسبة له موسم عمل، لأن دباغة الجلود تمر بعده مراحل أخطرها المرحلة التي تلي عملية ذبح الحيوانات.
ويعمل محروس ورفاقه فور استلام جلود الأضاحي على إزالة الشعر منها باستخدام بعض المواد الكيميائية، ثم يتم بعد ذلك إزالة اللحم الملتصق بالجلد، وهي المرحلة التي ينتج عنها ما يعرف صناعياً باسم "السلاتة"، وهي التي تقوم مصانع دباغة الجلود ببيعها لمصانع أخرى تستخدمها في صناعة الغراء أو مصانع إعداد أكل الكلاب.
ويقول: "إذا تأخرنا في هذه الخطوات، قد يُصاب الجلد بالتعفن ويصبح غير مؤهلا للدخول في مرحلة تجهيزه بالكروم ليصبح ملائماً للاستخدامات الصناعية".
ويُعامَل الجلد بالكروم بعد نزع الشعر منه وإزاله بقايا اللحم، ليتحول من اللون الأبيض إلى الأخضر، وهي المرحلة التي تُكسِبه مناعة ضد التعفن، وبالتالي يصبح مؤهلا للتوظيف في أكثر من استخدام، كما يوضح محروس.
وتعد هذه المعاملة أحد مسببات الأمراض التي قد تصيب العاملين بتلك المهنة، كما كشفت الباحثة، نعيمة رمضان سليمان، في دراستها للحصول على درجة الدكتوراه عام 2002، من معهد الدراسات البيئية بجامعة عين شمس.
وتقول نعيمة: "الكروم أحد مسببات السرطان، واستخدامه في هذه الصناعة أحد الدوافع التي جعلت الدول الأوروبية تحجم عنها".
ولا يلقي محروس وأقرانه بالاً بهذه الدراسات وغيرها التي حذرت من أخطار مهنة الدباغة، ويقول ساخراً:"أعطني الجلود اليوم، ولا تفكر فيما سيحدث لي غداً".