احتفال اللبنانيين أمام محطات الوقود.. رقص على الوجع أم تأقلم مع الوضع؟
طوابير الذل على محطات الوقود مستمرة في لبنان، ومعها المشاهد المتناقضة.. فهذه المحطات التي تحولت إلى مسرح للمشاكل والضرب وإطلاق النار لا بل وحتى القتل، تشهد كذلك رقصاً وفرحاً وأغان احتفالاً بوصول أشخاص إلى دورهم بعد انتظار دام لساعات.
الفيديوهات التي تبث بشكل يومي لـ"ميني حفلات" في المحطات قسمت اللبنانيين بين مؤيد ومعارض، إذ اعتبرها البعض "رقصاً على الوجع وقبولاً بالذل"، فيما وضعها البعض الآخر في خانة محاولة البحث عن الفرح في عز الألم.
ومن المشاهد التي لاقت تفاعلاً كبيراً، فيديو لعروسين يوم زفافهما في محطة وقود ببلدة القلمون شمال لبنان، حيث قام العريس برفقة عروسه بتعبئة البنزين لسيارته وسط تفاعل الحاضرين.
وقبلها أثار فيديو عرضته شركة إنتاج وتصوير لـ"زفّة" فلكلورية بالطبل والزمر على وقع أغنية "بيكفي إنك لبنان" الجدل، إذ اعتبره البعض محاولة لإسعاد المتواجدين، فيما هاجم عدد من الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي الشركة متهماً إياها بمحاولة استغلال أوجاع اللبنانيين لأهداف تسويقية.
كما تم تداول العديد من الفيديوهات لاحتفالات بوصول صهاريج المحروقات إلى المحطات، ولشبان عبّروا عن سعادتهم بعد وصول دورهم لتعبئة البنزين بالرقص والغناء، منها فيديوهات التقطت في محطة عثمان بالميناء شمال لبنان.
وعلّق رئيس الشركة، هاني تدمر في اتصال مع "العين الإخبارية" قائلاً: "لا شك أن هذه الفرحة تخفي وجعاً وقهراً كبيراً، فهو فرح مزيف، وقد اعتدنا على اللبناني أن يحاول التخفيف من همومه باللجوء الى روح الفكاهة".
ولفت إلى أنه "في البلدات الصغيرة التي يعلم سكانها بوصول الصهاريج، ينتظرها البعض بفرقة موسيقية للاحتفال من باب الترفيه كذلك، وهذا يحصل عندما يكون هناك انقطاع للمحروقات لمدة".
وبين مؤيد ومعارض لمشاهد الرقص والفرح على محطات الوقود في لبنان، كيف حللت أخصائية علم النفس الدكتورة ريما بجاني ما يحدث؟.
شددت بجاني في بداية حديثها لـ"العين الإخبارية" على "ضرورة التطرق إلى الشقين الذهني والنفسي للبنانيين"، وشرحت: "ذهنياً، يقنع اللبناني نفسه أنه ليس باستطاعته أن يغير شيئاً، حيث نسمع عبارات أنه (لا يمكننا فعل شيء، هكذا هو الوضع)، ما يعني أنه أصبح لديه القدرة على التأقلم مع الوضع، من خلال إيجاد طرق معينة للتعايش معه، هذا الأمر ينطبق على البعض لكن البقية تعاني".
أما نفسياً، كما قالت بجاني:"النفس لديها قدرة على الانفصال عن المشاكل إن كان بالإنكار أو عدم تصديق الحالة، ومن ضمن ذلك الطرق الفكاهية التي نراها في التعامل مع الوضع والتي يمكن وصفها بالفكاهة السوداء، كمشهد العروس والعريس على المحطة، فهذا تعبير عن إحباط بطريقة غير متوافقة مع الواقع".
وتعتبر بجاني ردة فعل الناس هذه "نوعاً من أنواع التنفيس عن الإحباط، الوجع، القلق، والخوف بطريقة معينة، وكما هو معروف اللبناني يحب الفكاهة والحياة والعيش، وهو بارع في التعبير عن واقع بشع بطريقة مضحكة".
التأقلم مع الأزمات غير صحي -كما أكدت بجاني- "لأنه لا يساعد في إيجاد الحلول، فهو طريقة للتعايش، لكن على الإنسان أن يعمل على قدراته النفسية والذهنية لمساعدة نفسه على إيجاد حلول لتخطي المشكلات".
وأضافت: "في الفترة التي تسبق معالجة الوضع في لبنان هناك حلان أمام اللبناني.. أولاً معرفة كيفية العمل على قدراته المادية كي لا يتأثر نفسياً، وثانياً أن ينتفض، إذ إن كل إنسان لديه القدرة على التغيير، لكن يجب بدايةً أن يكون لديه الوعي الوطني والذهني وهو ما نسميه الذكاء العاطفي، عليه أن يضع الحلول وأن يواظب للوصول إلى الهدف".
المشكلة -كما قالت بجاني- إنه "بعد الحرب لم يتخلص اللبناني من كل الرواسب، وبعد كل مصيبة لا يعمل على نفسه، إذ حتى الآن لم يستطع أن ينمي قدراته لمعرفة حقوقه والاتجاه نحو التغيير".
ولفتت إلى أن "الآثار النفسية التي قد تتركها الأزمات التي تمر على لبنان قبيحة جداً، وتؤثر على الإنتاجية والعطاء اليومي، من هذا المنطلق نقوم بالتوعية النفسية، مشددين على ضرورة عدم إهمال حياتنا النفسية والتمييز بين التفكير الإيجابي والإنكار، والعمل على تنمية قدراتنا".
وأضافت: "فلا يجب أن نسمح لأي أزمة أن تؤثر علينا باعتبار أن لا حل لها، كما يجب أن نكون واقعيين في التعامل مع الموضوع وألا نتجه إلى التشاؤم والمبالغة ما يحول دون إيجاد الحلول".
aXA6IDEzLjU5LjEyNy42MyA= جزيرة ام اند امز