القصة الكاملة لشركة شحن الأموال اللبنانية.. مسار خطير لأزمة "مكتف"
اتخذت قضية ملاحقة شركة نقل أموال لبنانية بعداً سياسياً لا قضائيا، بسبب معارضة صاحب الشركة لرئيس الجمهورية.
وسلّط الحادث الأخير الذي تمثل بـ"تمرّد" المدعية العامة الاستئنافية في جبل لبنان غادة عون واقتحامها مكاتب "شركة مكتف" لشحن الأموال لطلب المستندات، الضوء على هذه الشركة، التي تعتبر الأعرق والأبرز في مجال شحن الأموال في لبنان.
وتعمل شركة مكتف منذ عشرات السنوات في لبنان، كما في بلدان عربية كان أبرزها العراق قبل سقوط نظام صدام حسين، وطورت نشاطها في السنوات الأخيرة بحيث أصبحت تستحوذ على ما نسبته 90% من حركة نقل الأموال في لبنان.
- إجراء جديد بحق قاضية لبنان المتمردة.. السياسة تدك حصن القضاء
- أزمة جديدة تضرب أركان الدولة اللبنانية.. القضاء بمرمى الانقسامات
وهذه الشركة مرخصة من مصرف لبنان، وأي عملية شحن لا تتم إلا بموجب ترخيص وتحت رقابة لجنة الرقابة على المصارف، وبعدما أوقفت عمليات النقل التي تختص بأفراد بات عملها يقتصر على نقل الأموال من وإلى مؤسسة مصرفية أو مالية.
وعملية الشحن تتم عبر شراء الأموال في لبنان (أي قبض الأموال نقداً من المصرف)، ويتم مقابلها تحويل المبلغ في الخارج إلى حساب هذا المصرف، ويمنع تحويلها لأي شخص ثالث وجميع هذه العمليات تحت رقابة هيئة الرقابة على المصارف.
ومع انهيار الوضع الاقتصادي، في نهاية عام 2019، حيث كثر الحديث عن عمليات تحويل أموال من المصارف اللبنانية إلى الخارج قام بها نافذون وسياسيون، استطاعوا عبرها تهريب جزء كبير من أموالهم إلى الخارج، ما أدى إلى تسريع الانهيار الاقتصادي، وهذا ما وجه الأنظار إلى شركات نقل الأموال بإعتبارها تؤكد هذه العمليات، لأنها هي من تقوم بشحن الأموال، بينها "شركة مكتف" الذي يؤكد صاحبها ميشال مكتف أنه يتم الاستماع إليه كشاهد وليس كمهتم في القضية، ولم يصدر بحقه حتى الساعة أي اتهام مباشر.
علماً أن لبنان حتى الساعة لم يقر قانون "الكابيتال كونترول"، وبالتالي أي عملية تحويل أموال هي قانونية مهما بلغت، ولا شئ في القانون اللبناني يجرمها، إلاّ أن المصارف اللبنانية فرضت قيوداً صارمة على عمليات السحب على اللبنانيين وأوقفت الدفع بالدولار الأمريكي، ولم تتجاوب مع طلبات تحويل الأموال إلى الخارج، لكنها تجاوبت مع النافذين بحسب ما يتهمها جزء كبير من الشارع اللبناني والقوى السياسية اللبنانية على رأسها "التيار الوطني الحر"، هذا بالإضافة إلى أنه هناك من يتحدث عن مسؤولية اخلاقية لتهريب الأموال في بلد يمر بانهيار اقتصادي متسارع.
وقضية تحويل الأموال هي محور تحقيق قضائي انطلق منذ أكثر من عام، لكن ما حدث في اليومين الماضيين، وضعه العديد من اللبنانيين في خانة الاستهداف السياسي، خصوصاً أن ميشال مكتف صاحب الشركة هو من الشخصيات المعارضة لرئيس الجمهورية ميشال عون، وكان قد ترشح في الانتخابات النيابية الأخيرة عام 2018 ضدّ "التيار الوطني الحر".
ويملك مكتف صحيفة "نداء الوطن" المحلية التي تعرف بخطها السياسي المعارض للرئيس ولحزب الله، وتهاجمهما بشدة، وما أكد هذه الشكوك أن القاضية عون التي تتولى الملف والمقربة من رئيس الجمهورية تمردت على قرار تنحيتها عن الجرائم المالية وهاجمت الشركة برفقة أنصار عون ما يعطي بعداً سياسياً لهذه القضية.
وتزامن هذا الهجوم مع إعادة تحريك دعوى قضائية على صحيفة مكتف "نداء الوطن" كان تقدم بها رئيس الجمهورية ضدها بعد افتتاحية في عام 2019 هاجم فيها عون وأطلق على الدولة اللبنانية "اسم جمهورية خامنئي"، وكان حفظها القضاء لكنها تحركت فجأة الأسبوع الماضي، وهذا ما أكده في تصريح نقلته صحيفته، وهو ما رأى فيه "مكتف" أن الهدف الأساس هو الصحيفة، بحسب ما قال في حديث لـ"نداء الوطن".
وشددّ مكتّف على أن ما فعلته القاضية خارج عن القانون، كاشفاً أنه رفض الخضوع لطلبها بتسليم البيانات التي بحوزته والمرتبطة بالمصارف.
وأضاف أنها أخذت حاسوبه بالقوة عبر استخدام حرسها الموكلين حمايتها في هذه المهمة، وهما عنصران في أمن الدولة.
وقال إن مصرف لبنان يمتلك جميع المعلومات بشكل أكثر تفصيلاً، مؤكدا "نحن أعطينا كل الأرقام حسب القانون للجنة الرقابة في مصرف لبنان، وعلى عون أن تطلبها من هناك. لو كانت مرتبطة بعمل شركتي لسلمتها إياها".
واعتبر مكتّف أن لعمل شركته اليوم دوراً إيجابياً في الحد من هامش تدهور سعر الصرف، كونه يشحن العملة الصعبة من الخارج إلى لبنان. متهماً القاضية عون بمحاولة توجيه ضربة إعلامية له نظراً لـ"تبعيتها السياسية".
وكانت القاضية عون قد تمردت على قرار عويدات بكفّ يدها عن القضايا المالية، واقتحمت ليومين متتاليين (الجمعة والسبت) "مكاتب مكتف لاستيراد الأموال" مدعومة بمناصرين من "التيار الوطني الحر" للحصول على وثائق ومستندات، وهو ما لاقى رفضا لبنانيا واسعا باعتبار أن ما حصل يضرب هيبة القضاء.
وقضية "مكتف" كانت ضمن القضايا التي تتولاها عون، لكن النائب العام التمييزي اتخذ قرارا قبل أيام، بتعديل المهام وإحالة القضايا المالية إلى قاضٍ آخر، بما فيها تلك المتعلقة بحاكم مصرف لبنان رياض سلامة والصيارفة على خلفية التلاعب بسعر صرف الدولار في السوق السوداء، إضافة إلى قضايا الأموال المهربة من لبنان.
ووفق تقارير لبنانية، فإن قرار عويدات جاء كإجراء تأديبي لمخالفة عون القوانين والأصول التي تنظم عمل القضاء والتعاميم الصادرة عن النائب العام التمييزي.
لكن التيار الوطني الحر وزعيمه جبران باسيل رأى في قرار النائب العام استهدافا للقاضية، ومحاولة من بعض السياسيين لإبعاد تحقيقات الفساد عنهم.
في المقابل، يتهم خصوم التيار الوطني الحر، القاضية عون بعدم الحياد انطلاقا من تركيزها على قضايا موجهة ضد حاكم مصرف لبنان وخصوم "الوطني الحر"، على حساب قضايا أخرى مثل هدر الأموال في وزارة الطاقة التي تولاها وزراء محسوبون على "التيار" طوال سنوات طويلة.
وكانت القاضية عون رفضت عدة مرات المثول أمام القضاء لمساءلتها حول تصريحات حزبية ومواقف على وسائل التواصل الاجتماعي تنعى فيها "دولة القانون في لبنان".