لبنان يقدم "المركزي" قربانا للإصلاح الاقتصادي.. خطة "ميقاتي"
نجح رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي، في فتح صفحة جديدة مع الشعب وصندوق النقد، واتخذ أول خطوة على طريق الإصلاح الاقتصادي الوعر.
ومنذ أواخر عام 2019 يشهد لبنان أوضاعا اقتصادية متدهورة قادته لفقدان 90% من قيمة عملته المحلية، ودخول البلاد في حالات ركود وإضرابات ونقص في الغذاء والدواء والمحروقات.
وكلما حاول لبنان النهوض من أزمته، كان البنك المركزي عقبة أمام إجراءات الإصلاح الاقتصادي، وكذلك الأطماع الخاصة ببعض السياسيين والتي لعبت الدور البارز في عرقلة أي محاولة لإنقاذ الاقتصاد اللبناني، حتى جاء "ميقاتي" الملياردير صاحب النفوذ السياسي، وقرر إخضاع البنك المركزي اللبناني إلى التدقيق الجنائي.
وقال غازي وزني وزير المالية في حكومة لبنان المنصرفة، الثلاثاء، إن الحكومة الجديدة في البلاد ستوقع عقدا بشأن التدقيق الجنائي للبنك المركزي في غضون بضعة أيام مع ألفاريز اند مارسال.
وشكل رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي حكومة جديدة يوم الجمعة، وجرى اختيار يوسف خليل وزيرا للمالية.
وينهي تشكيل حكومة جديدة مأزقا سياسيا انزلق لبنان خلاله إلى أزمة اقتصادية قادت ثلاثة أرباع الشعب إلى هوة الفقر وتسببت في أن تخسر العملة ما يزيد عن 90% من قيمتها.
ووصل التدقيق، وهو شرط رئيسي لحصول لبنان على مساعدات أجنبية حيوية، إلى طريق مسدود العام الماضي حين انسحبت شركة تقديم استشارات إعادة الهيكلة ألفاريز اند مارسال في نوفمبر تشرين الثاني قائلة إنها لم تتلق المعلومات التي تحتاجها من البنك المركزي.
وفي أبريل/نيسان، قالت وزارة المالية إن البنك المركزي وافق على تسليم الوثائق التي طلبتها ألفاريز اند مارسال.
وجاءت تعليقات وزني لوسائل الإعلام بعد مراسم تسليم مهامه لخليل.
وقال خليل وهو مسؤول سابق في المصرف المركزي ومقرب من محافظه رياض سلامة، اليوم الثلاثاء إن الفشل في منصبه الجديد ليس خيارا مضيفا أن من شأنه أن يفاقم مشاكل لبنان.
طرق الاقتصاد الوعرة
تعهدت الحكومة اللبنانية الجديدة بأن تعالج أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخ البلاد.
ويتضمن المسار الذي يجب على الحكومة السير فيه إصلاحات حددتها دول ومؤسسات مانحة، مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، قالت مرارا إنها ستفرج عن حزم تمويل بمجرد أن ترى تغييرا.
وفي المقابل، من المنتظر أن يحصل لبنان على مساعدات بمليارات الدولارات.
والبديل هو الغرق أكثر في ركود يشكل أكبر تهديد لاستقرار لبنان منذ الحرب الأهلية التي عصفت بالبلاد بين عامي 1975 و1990.
وأخفقت حكومات متعاقبة في تنفيذ تغييرات بسبب نظام المحاصصة الطائفية في لبنان. وعلى هذه الخلفية، ما نوع الإصلاحات التي يتعين على رئيس الوزراء اللبناني الجديد تنفيذها؟ وهل سيتمكن من النجاح فيما فشل فيه آخرون؟
وقال مفاوض لبناني سابق في محادثات صندوق النقد "محادثات صندوق النقد الدولي لن تكون نزهة في الحديقة... سيكون من الصعب جدا الوفاء بالشروط المسبقة".
الإصلاحات الاقتصادية
الكثير من الإصلاحات تتعلق بالنظام المالي والمصرفي الذي يقع في محور الانهيار الاقتصادي الذي بدأ في أواخر 2019 وأصاب بنوك لبنان بالشلل إلى حد كبير.
وتكمن الأسباب الأساسية في عقود من الاقتراض لدولة ينتشر فيها الفساد وأغلبه من بنوك تعتمد على تدفق مستقر للدولارات من الخارج للإبقاء على دوران عجلة النظام المصرفي. وبدأت الأزمة في التفاقم عندما تباطأت تلك التدفقات.
وظهرت أسعار متعددة للصرف الأجنبي محل الربط الثابت لسعر العملة المحلية بالدولار الذي دعم النظام المالي على مدار عقدين.
وتشمل توصيات صندوق النقد الدولي إعادة ترتيب المالية العامة وإعادة تأهيل البنوك وإعادة هيكلة الدين العام.
كما يوصي الصندوق بالاعتراف بالخسائر المسبقة في البنوك الخاصة والمصرف المركزي بطريقة تحمي صغار المودعين وتؤسس لأنظمة نقدية وأسعار صرف موثوق بها بما يشمل توحيد أسعار الصرف المتعددة مصحوبا بقيود رسمية على رؤوس الأموال.
وقال ناصر سعيدي، وهو خبير اقتصادي بارز ووزير سابق، إن حجم الخسائر في مصرف لبنان أمر حيوي إذ لا يمكن وضع أي برنامج مالي أو خطة لأي حزمة مالية للبنان بدون معرفة حجمها.
كما يريد المانحون أن يروا إصلاحات تؤدي لتحسين الشفافية ومكافحة الفساد. وأحد نقاط التركيز هو قطاع الطاقة إذ على الرغم من أنه يستنزف خزائن الدولة فقد فشل بشكل مخيب للآمال في توفير الكهرباء.
والكثير من الإصلاحات حددتها خارطة طريق فرنسية العام الماضي، بما في ذلك تدقيق محاسبي للمصرف المركزي.
جهود سابقة
رسمت الحكومة السابقة خطة تعاف مالي قدرت الخسائر بنحو 90 مليار دولار في القطاع المالي وهو رقم أقره صندوق النقد الدولي.
لكن في حين أن مجلس الوزراء يضم الكثير من اللاعبين الرئيسيين في الساحة السياسية اللبنانية، إلا أنهم كلهم تقريبا يعارضون الخطة ويشككون في حجم الخسائر.
ويقول بعض الزعماء السياسيين إن ودائع البنوك يجب ألا تُمس حتى وإن كان انهيار العملة قد دمر قيمة المدخرات بنسبة تصل إلى 80 بالمئة.
كما تعثرت محاولات لإجراء تدقيق جنائي في حسابات المصرف المركزي وسط خلافات بشأن قوانين السرية المصرفية.
كما حاولت حكومة رئيس الوزراء السابق حسان دياب تطبيق إصلاحات في قطاع الطاقة وبناء قدرات جديدة لتوليد الكهرباء. لكن هذا المسعى قوضته اعتراضات من كتلة الرئيس الذي أراد أن تُبنى محطة كهرباء في منطقة مسيحية.
واستقال دياب، وهو أكاديمي ليس له وضع سياسي مستقل، بعد سبعة أشهر من توليه المنصب في أعقاب انفجار مرفأ بيروت.
تحديات الإصلاح الاقتصادي
مع دق بعض مسؤولي الدولة ناقوس الخطر بشأن انهيار لبنان أو تشرذمه، يعتقد البعض أن جسامة الأزمة يجب أن تشجع السياسيين على اتخاذ قرارات رفضوها أو عارضوها في السابق.
لكن الوقت الذي استغرقه السياسيون للاتفاق على تشكيل حكومة ميقاتي، وهو اتفاق تم فقط بعد اتصالات فرنسية مكثفة، يُظهر أن المصالح الطائفية تبقى أولوية وتشير إلى حقل الألغام السياسي الذي يواجهه.
وقال المفاوض السابق إن إحدى المشكلات الأساسية التي سيكون على ميقاتي حلها هي اعتراضات المصرف المركزي على توزيع خسائر القطاع المالي.
وأضاف أنه إذا بدأت حكومة ميقاتي مفاوضات ناجحة مع صندوق النقد الدولي الآن، فإنها لن تتلقى على الأرجح تمويلا قبل بداية العام المقبل.
ووزير المالية الجديد يوسف خليل كان مسؤولا كبيرا في المصرف المركزي ومقربا من محافظه المخضرم رياض سلامة، ومن اختاره لحقيبة المالية هو نبيه بري رئيس البرلمان، وهو شيعي وأحد أعمدة النظام القائم منذ عقود.
وقال مايك عازار المستشار المالي في بيروت: "إعادة هيكلة النظام المصرفي على سبيل المثال، هناك الكثير من العمل الدؤوب الذي يجب القيام به على مستوى معين في كل بنك على حدة، هناك عمل ضخم لم يُنجز بعد".
وأشار عازار إلى أنه على مدار العامين المنصرمين، تزايدت خسائر القطاع العام مع استمرار الاقتصاد في الانكماش مما أضعف قدرته على امتصاص الصدمات، مضيفا أن خسائر المصرف المركزي والدين الحكومي بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي وصلت إلى أكثر من 700 بالمئة.