بين الحرائق التي اندلعت في أنحاء متعددة من لبنان والانتفاضة الشعبية، ثمة مساحة ضيقة.
بين الحرائق الطبيعية أو المفتعلة -لا فرق- التي اندلعت في أنحاء متعددة من لبنان، والانتفاضة الشعبية التي عصفت بمعظم مناطقه، ثمة مساحة ضيقة حشرت الجميع في مربع الخيارات الصعبة، فإما أن يتم إنقاذ البلاد وإما الذهاب نحو الكارثة. في الحالتين، الحرائق والانتفاضة الشعبية، كانت هناك قواسم مشتركة تتعلق بأداء الطبقة السياسية التي عفّى عليها الزمن، على اختلاف انتماءاتها الحزبية والطائفية، ومحاولات الاستثمار في الكوارث والاحتجاجات الجماهيرية لصالح السياسيين وفئاتهم الحزبية والطائفية الضيقة، مما دفع اللبنانيين إلى التوحد خلف شعارات تطالب بإسقاط هذه الطبقة والنظام برمته، بدءاً من الحكومة والبرلمان، وصولاً إلى رئاسة الجمهورية، ليتحول الحراك والغضب الشعبي إلى نوع من المحاكمة الشعبية للعهد اللبناني برمته.
لم يعد بوسع الشعب اللبناني، الذي سئم النظام الطائفي والحكم المتوارث للعائلات الإقطاعية، على مدار العقود الماضية، وظل يرزح تحت عبء وعود الدولة المثقلة بالديون، جراء الفساد المستشري واحتكار السياسيين لثروات ومدخرات البلاد، الصبر أكثر من ذلك
ما حدث في لبنان، خلال الأيام القليلة الماضية، سواء على صعيد الحرائق أو الانتفاضة الشعبية، يؤكد حاجة اللبنانيين إلى التغيير الجذري في كل شيء، وهناك من يرى أن لبنان يعيش اليوم حالة مخاض بين مرحلتين، فإما أن يتمكن اللبنانيون من إحداث ثورة حقيقية على صعيد الأنظمة والقوانين وإسقاط كل الرموز والنخب السياسية الحاكمة، عبر إصلاحات جذرية جريئة وشاملة تطيح في النهاية بكل مؤسسات النظام وتركيبته الطائفية وإعادة بناء الدولة على أسس وطنية ديمقراطية، وإما الذهاب جميعاً نحو الهاوية وإغراق المركب بمن فيه على طريقة شمشون "عليّ وعلى أعدائي يا رب".
إذ لم يعد بوسع الشعب اللبناني، الذي سئم النظام الطائفي والحكم المتوارث للعائلات الإقطاعية، على مدار العقود الماضية، وظل يرزح تحت عبء وعود الدولة المثقلة بالديون، جراء الفساد المستشري واحتكار السياسيين لثروات ومدخرات البلاد، الصبر أكثر من ذلك، حيث وجد نفسه في النهاية يدفع ثمن الإصلاحات التي يجري الحديث عنها من جيوب الفقراء، بينما الأغنياء والفاسدون يزدادون غنى من دون أن يجرؤ أحد على محاسبتهم أو مساءلتهم بسبب الحماية الطائفية والحزبية.
وحقيقة الأمر أن صبر اللبنانيين نفد، بعد أن وجدوا أنهم مطالبون بدفع فاتورة الإصلاحات التي يطالب بها مانحو مؤتمر "سيدر" والبنك الدولي، إضافة إلى عجز الموازنة على حساب لقمة العيش في ظل ظروف اقتصادية ومعيشية متهاوية أصلاً، ليأتي فرض ضريبة جديدة على مكالماتهم الصوتية عبر الإنترنت ورسائل "الواتساب" ليشعل الغضب في كل أنحاء البلاد من الشمال إلى الجنوب ومن الغرب إلى الشرق، وليتحول هذا الغضب إلى صرخة قوية تطالب بمحاكمة العهد الحالي بكل ما فيه من نخب ورموز سياسية، وتؤكد حاجة اللبنانيين إلى التجديد. فهل تشهد الأيام المقبلة "الكلام الآخر" الذي تحدث عنه الحريري بعد انقضاء مهلة الـ72 ساعة، ليفتح الطريق أمام رياح التغيير الآتية، لا محالة، لإقامة لبنان الجديد.
نقلاً عن "الخليج"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة