رويترز: لبنان يواجه أصعب أزمة دولار منذ الحرب الأهلية
مصرفيون تحدثوا عن حد أقصى غير معلن للدولارات التي يستطيعون بيعها مقابل الليرة، وشركات تشكو شح العملة الخضراء
أدى ركود الاقتصاد المحلي وتباطؤ اللبنانيين بالخارج في ضخ الدولارات إلى تراجع احتياطيات مصرف لبنان (البنك المركزي) من النقد الأجنبي، ما دفع البلاد إلى أزمة شح في الدولار هي الأسوأ منذ الحرب الأهلية.
في العاصمة بيروت تصطف سيارات لملء خزاناتها بالبنزين، لكن عاملا في محطة الوقود يلوح لقائديها، مشيرا إلى لافتة مكتوب عليها "إضراب" وهو يصيح قائلا "لا وقود اليوم".
ولم يكن الإضراب، الذي شاركت فيه محطات البنزين في أنحاء البلاد، يتعلق بالوقود لكن بالدولارات اللازمة لدفع ثمن الوقود، أو بالأحرى شح في الدولارات.
وقال فادي أبوشقرة، المتحدث باسم موزعي الوقود، والذي قاد الإضراب هذا الأسبوع "لا نريد افتعال أزمة.. القطاع ينزف".
وأضاف قائلا "يدفع لنا الزبائن بالليرة اللبنانية، لكننا نريد الدولارات لندفع للمستوردين، من أين نحصل على الدولارات إذا كانت البنوك لا تعطينا".
وتواجه الشركات صعوبة في شراء الدولارات الذي تحتاج إليها من البنوك.
ويقول البعض إنهم اضطروا للذهاب إلى مكاتب الصرافة التي تبيع بسعر أعلى من السعر الرسمي البالغ 1507.5 ليرة مقابل الدولار.
ولم يشهد لبنان مثل تلك الصعوبات المالية منذ الحرب الأهلية التي عصفت بالبلاد من 1975 إلى 1990.
ولا تزال البنوك في لبنان تبيع الدولارات بسعر الصرف الرسمي، لكن أصحاب بعض الشركات يقولون إنهم لا يستطيعون الحصول على كميات الدولارات التي يحتاجون إليها.
ويثقل كاهل لبنان دين عام من أعلى المعدلات في العالم عند 150% من الناتج المحلي الإجمالي السنوي، وأعلنت الحكومة حالة طوارئ اقتصادية في محاولة للسيطرة على ماليتها العامة.
وقال وزير المالية علي حسن خليل في مؤتمر صحفي هذا الأسبوع "الوضع الاقتصادي صعب، لكننا لسنا دولة منهارة على المستوى المالي".
وتابع "نعم.. لا يوجد الكثير من السيولة في العملات الأجنبية في أيدي الناس في السوق، ولكن لا يزال سعر صرف الدولار ثابتا في البنوك".
وقال اتحاد المصارف اللبنانية إن البنوك تلبي طلبات النقد الأجنبي والدولارات متاحة. وقال مصرف لبنان المركزي إن البنوك بمقدورها الاستفادة من إمداداتها الدولارية لتلبية طلبات العملاء.
وقال رياض سلامة حاكم مصرف لبنان لرويترز: "عندما يكون لديها (البنوك) نقص فإنها تشتري (الدولارات) من البنك المركزي".
ورغم ذلك، قال 3 مصرفيين اتصلت بهم رويترز إن هناك حدا أقصى للدولارات التي يستطيعون بيعها مقابل الليرة.
وقال مصرفي بارز، طلب عدم الكشف عن هويته حتى يتحدث بحرية، "يعطي البنك المركزي حصة يومية من الدولارات لكل بنك لكن الناس يطلبون من البنوك دولارات تزيد عن تلك الحصص".
ولم يرد مصرف لبنان المركزي على طلب للتعقيب.
وقال المصرفي: "إنها المرة الأولى في تاريخ القطاع المصرفي اللبناني التي لا يتم فيها تلبية الطلب على الدولارات في السوق بهذه الطريقة".
وقالت المصادر المصرفية إنه لا توجد مشكلة في السحب من حسابات الودائع بالدولار أو الليرة.
وقالت مصرفية، طلبت عدم الكشف عن هويتها لأنها ليست مخولة بالحديث علانية في المسألة، "ليست المشكلة في شح الدولارات، وإنما في الطلب المرتفع".
وقالت 7 شركات استيراد اتصلت بها رويترز إنها تجد صعوبة أو مزيدا من التكلفة في الحصول على الدولارات، وطلبت عدم الكشف عن أسمائها خشية تضرر أنشطة أعمالها جراء الحديث علانية.
وقال مستورد جلود إن البنوك تستغرق أياما لتحويل الشيكات بالليرة إلى دولارات، "وفي بعض الأحيان يقولون لنا آسفين، لا نستطيع تغييرها".
والليرة اللبنانية مربوطة عند مستواها الحالي مقابل الدولار الأمريكي منذ أكثر من عقدين، وتعهدت الحكومة بالإبقاء عليها كما هي، فهي تريد تجنب خفض قيمة العملة قد يلحق ضررا بمدخرات الناس والقدرة على الإنفاق.
وقام سلامة، الذي يشغل منصب حاكم مصرف لبنان منذ نحو ربع قرن، بتعزيز الاحتياطيات منذ عام 2016 من خلال سلسلة من الإجراءات، من بينها اجتذاب تدفقات بأسعار فائدة مرتفعة على الودائع الكبيرة الطويلة الأجل، لكن ذلك امتص سيولة من البنوك.
تباطؤ المصادر التقليدية للدولار
ووسط نمو اقتصادي متدن وعدم استقرار سياسي تباطأت المصادر التقليدية للنقد الأجنبي، ومن بينها السياحة والعقارات وتحويلات اللبنانيين المقيمين في الخارج.
وهبطت الاحتياطيات الأجنبية للمصرف المركزي بما في ذلك الذهب، نحو 15% من أعلى مستوى لها على الإطلاق الذي سجلته في مايو/أيار من العام الماضي، إلى 38.7 مليار دولار في منتصف سبتمبر/أيلول.
وقال البنك المركزي إنه تلقى 1.4 مليار دولار في أواخر أغسطس/آب من مودعين من القطاع الخاص.
وفي انعكاس لضغوط متزايدة على المالية العامة للبنان، خفضت وكالة فيتش مؤخرا تصنيفها للدين السيادي للبلاد إلى عالي المخاطر، بينما أبقت ستاندرد آند بورز جلوبال تصنيفها الائتماني عند B-/B، لكنها حذرت من احتمال خفضه، قائلة إنها تعتبر أن احتياطيات النقد الأجنبي كافية لخدمة دين الحكومة "في الأجل القصير".
وقال وزير المالية علي حسن خليل، أمس الأربعاء، إن لبنان ملتزم بسداد جميع ديونه بجميع العملات.
وأضاف قائلا "لبنان ملتزم بسداد التزاماته، وهو يقوم بذلك بالعملات كافة، ولم نتأخر يوما عن أداء التزاماتنا ولو ساعة واحدة".
وفي العام الماضي، تعهدت دول أجنبية ومانحون بتقديم 11 مليار دولار لبرنامج للاستثمار في البنية التحتية اللبنانية مدته 12 عاما، بشرط أن تنفذ الحكومة إصلاحات.
وقالت ذهبية جوبتا، المحللة المختصة بشؤون لبنان لدى ستاندرد آند بورز "ربط العملة ربما يصبح على المحك إذا لم نر التزاما سياسيا قويا وتنفيذا للإصلاحات التي أُعلن عنها والتي قد يجري دعمها بصرف بعض أموال المانحين".
والدولار والليرة عملتان متداولتان بشكل قانوني في لبنان، وهو مستورد صاف للسلع مع حاجة دائمة للدولارات لتمويل العجز التجاري والحكومي.
ومع زيادة الطلب على الدولار ترفع بعض شركات الصرافة المبلغ المطلوب من الليرة اللبنانية مقابل الدولار بشكل أعلى من هوامش الربح المحددة من مصرف لبنان المركزي.
وقال مالك شركة لبنانية للملابس إنه توقف عن استيراد خامات هذا الصيف، ويعتمد الآن على مصادر إمداد محلية، ملقيا باللوم على ضعف الطلب وقلة تحويل العملة المحلية إلى الدولار في البنوك لتلبية الحاجة إلى العملة الصعبة.
aXA6IDE4LjIxOS4yMDcuMTEg جزيرة ام اند امز