لبنان في 2021.. حكومات مع إيقاف التنفيذ
لم يكن عام 2021 مختلفا كثيرا عن سابقه في لبنان فالحكومات واصلت حالة الفراغ التي عانت منها البلاد وضرب العقم نظامها المؤسسي.
بلد استقالت حكومته في أغسطس/آب 2020، وكلف مجلس نوابه سعد الحريري في 27 سبتمبر/ أيلول من العام نفسه بتشكيل حكومة جديدة مع وعد وضغط دولي بتأليفها خلال 6 أسابيع، لكنه لم ينجح.
والأسابيع الستة التي وعِد بها اللبنانيين لتشكيل حكومتهم مرت ومر بعدها أشهر من دون أن ينجح الحريري؛ حيث تمسك بمهمته وأصر على حكومة من 18 وزيراً من الاختصاصيين.
لكن الأجواء السياسية شهدت حالة من الشك والغموض، خصوصاً من خلال محاولات الرئيس اللبناني ميشال عون وتياره فرض معاييرهم على الرئيس المكلف بدءًا من البدعة العونية الباحثة عن "التأليف قبل التكليف"، والتمسك بـ"الثلث المعطّل" داخل مجلس الوزراء .
و"الثلث المعطل" يعني حصول فصيل سياسي على ثلث أعداد الحقائب الوزارية بالحكومة؛ ما يسمح له بالتحكم في قرارتها وتعطيل انعقاد اجتماعاتها.
غير أن الحريري قسّم في تشكيلته الـ18 وزيراً على ثلاثة تحالفات، بحيث يكون من حصته وحصة وليد جنبلاط 6 وزراء، ومثلهم لفريق رئيس الجمهورية، و6 وزراء لتحالف "حزب الله" و"حركة أمل" وسليمان فرنجية.
وبعد عدة جولات من المشاورات، تقدم الحريري في فبراير/شباط 2021 لرئيس الجمهورية بتشكيلة كاملة لكنها لم تحظ بقبول عون، لتعود جهود تشكيل الحكومة إلى المربع الصفر دون وجود أيّ بادرة لحلّ العقد التي تؤخر ولادة الحكومة.
وباءت جميع المساعي بالفشل وعلى رأسها المحاولات الفرنسية، كما عجزت الجهود التي قادها البطريرك الماروني بشارة الراعي عن دفع عون والحريري لاعتماد الحوار لفكّ أسر التشكيلة الحكومية.
مبادرة الراعي
ورغم نجاح الراعي في كسر المقاطعة ما دفع الحريري للقيام بزيارة جديدة إلى القصر الرئاسي، لكن عون تعمّد إفشاله من خلال إرساله لائحة بتوزيع الوزارات على الطوائف والقوى السياسية مع جندي في قوى الأمن الداخلي مرفقة بعبارة من "المستحسن تعبئة الجدول".
واعتبر الحريري هذا التصرف بمثابة محاولة مكشوفة لفرض عون تشكيلة حكومية تكرّس حصول التيار على الثلث المعطّل، وعلى الوزارات المهمّة.
وقد حصلت الزيارة في مارس/ آذار الماضي، لكنّها انتهت بتلاوة الحريري من القصر الجمهوري بياناً شرح فيه فشل الاجتماع وأسبابه، وأدى إلى قطيعة امتدت حوالي شهرين ونصف.
وفي جميع المراحل، لم تتوقف الجهود الدبلوماسية بل توسعت لتشمل زيارة أجراها وزير الخارجية المصرية سامح شكري، والأمين العام المساعد للجامعة العربية السفير حسام زكي، إلى بيروت في الأسبوع الأول من أبريل/ نيسان الماضي، لكن دون جدوى.
مبادرة بري
عقب ذلك، تقدّم رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه برّي بمبادرة أيّدتها القاهرة، تقوم على اقتراح تشكيل حكومة من 24 وزيراً، تقسم على 8 وزراء للحريري وجنبلاط، و8 للرئيس عون و8 لحزب الله وحركة أمل وفرنجية.
هذه التشكيلة قبل بها الحريري، لكن ما لبثت أن تعرقلت من جديد مع شروط جديدة وضعها عون وصهره جبران باسيل، حيث تمسكا بتسمية الوزراء المسيحيين ورفضا أن يسمي الحريري أي اسم من المسيحيين إضافة إلى التمسك بالثلث المعطل ولو بطريقة مواربة.
ولعل هذا ما أشعل سجالاً وخلافاً بين بري وعون وباسيل، أوقف على إثره مبادرته.
جهود دولية
ورغم ذلك، لم تتوقف الجهود الدولية لمحاولة إعادة التواصل، فقد عقدت اجتماعات بين وزراء الخارجية اللبنانية والفرنسية والسعودية على هامش قمة المناخ، أعقبتها تحركات للسفيرتين الأمريكية والفرنسية.
كما تواصلت الجهود المصرية عبر سفيرها في لبنان وفريق من وزارة الخارجية الذي استكمل اتصالاته مع عدد من الفرقاء، إضافة إلى زيارات مستمرة للموفدين الفرنسيين.
لكن جميع تلك التحركات لم تثمر عن أي تقدم في ظل تمسك كل فريق بمطالبه.
اعتذار الحريري
ومع تطور الأحداث وفي يوم الأربعاء 14 يوليو/تمو الماضي، زار الحريري "عون" عقب قطيعة طويلة، وقدم له تشكيلة حكومية من 24 وزيراً واعتبرها الفرصة الأخيرة قبل الاعتذار.
لكن في اليوم التي 15 يوليو/تموز، زار الحريري القصر الرئاسي من جديد ليخرج بعدها مؤكداً عدم إمكانية الاتفاق مع الرئيس الذي طلب منه تغييرات اعتبرها جوهرية لا يستطيع القيام بها، ليطوي بذلك صفحة التكليف، ويقف لبنان من جديد بوجه العاصفة.
تكليف ميقاتي
وبعد اعتذار الحريري لم تتوقف الاتصالات السياسية والضغوط الدولية، والتي انتجت اتفاقاً على نجيب ميقاتي من أغلبية الكتل النيابية باستثناء كتلتي "التيار الوطني الحر" التابعة لرئيس الجمهورية ميشال وكتلة القوات اللبنانية.
بينما نال تأييد كتلة مليشيات "حزب الله" بالإضافة إلى دعم الحريري ونادي رؤساء الحكومات السابقين بدعم ميقاتي ما شكل له غطاء طائفياً.
وكلف نجيب ميقاتي بتشكيل الحكومة اللبنانية في 26 يوليو/تموز بأغلبية 72 صوتاً ليبدأ من بعدها رحلة تأليف الحكومة.
التأليف
لم تكن رحلة التأليف لنجيب ميقاتي معبدة بالورود فالإشكالات والعوائق التي واجهت الحريري في مسيرة التشكيل بقيت نفسها، لكن زيادة الضغط الدولي وخصوصاً الفرنسي دفع الرئيس عون إلى التخفيف من شروطه.
وبالفعل تنازل الرئيس اللبناني عن المطالبة بحقيبة وزارة الداخلية الذي أصر الحريري على بقائها معه، وبعد 14 زيارة الى القصر الرئاسي.
وفي 10 سبتمبر/أيلول الماضي، أعلن أمين عام مجلس الوزراء اللبناني محمود مكية، تشكيل الحكومة الجديدة، المؤلفة من 24 وزيرا، وضمت نجيب ميقاتي رئيسا لها وسعاده الشامي كنائب له.
وجرى تعيين عبدالله بو حبيب وزيرا للخارجية، وعباس الحلبي وزيرا للتربية والتعليم العالي، وجورج القرداحي وزيرا للإعلام، وهنري خوري وزيرا للعدل، ثم بسام مولوي وزيرا للداخلية.
كما عين جورج كلاس وزيرا للشباب والرياضة، وموريس سليم وزيرا للدفاع الوطني، وعصام شرف الدين وزيرا للمهجرين، ويوسف خليل وزيرا للمالية.
وجرى اختيار نجلا رياشي لمنصب وزير دولة لشؤون التنمية الإدارية، وهيكتور الحجار وزيرا للشؤون الاجتماعية، وفراس أبيض وزيرا للصحة، ووليد فياض وزيرا للطاقة.
وفيما أكد ميقاتي أن لا ثلثاً معطلا لأي فريق سياسي في الحكومة، وجرى تقسيمها على أساس 8 وزراء من حصته، و8 من حصة عون، و8 من حصة ثنائي "أمل" و"حزب الله" وحلفائهما، إلا أن هذا الأمر بقي غامضاً.
وظلت هناك شخصيات وزارية محسوبة على ميقاتي لكنها غير واضحة الولاءات، ما دفع العديد من المراقبين إلى التشكيك بعدم حصول عون على الثلث المعطل للحكومة.
الثقة النيابية
وفي 21 سبتمبر/أيلول الماضي، نالت ميقاتي ثقة "شبه كبيرة" في البرلمان اللبناني، أمنتها لها الكتل النيابية الأساسية الممثلة في الحكومة، وخرقتها معارضة يتيمة لـ"القوات اللبنانية" وبعض المستقلين.
وبعد يوم مارثوني نالت الحكومة ثقة 85 نائباً فيما رفض 15 منحها الثقة.
وبدا لافتاً حصول ميقاتي على ثقة نواب كتلة عون "التيار الوطني الحر" بعدما كانت رفضت تسميته لتشكيل الحكومة.
وقال ميقاتي في رده على مداخلات النواب قبيل التصويت: "لن أستطيع وحدي وحكومتي إصلاح ما أفسده الدهر".
وأضاف: "لن تكون هناك مساعدات انتخابية بل ستكون التقديمات للمحتاجين".
وأعلن البدء بالمفاوضات مع صندوق النقد الدولي، قائلاً: "نحن مضطرون للقيام بهذه الخطوة".
العرقلة وتوقف الاجتماعات
لم يستمر "شهر العسل" الحكومي طويلاً، ولم تستطع الوزارة الانعقاد سوى لبضع جلسات، حتى فجر وزراء "حزب الله" مجلس الوزراء من الداخل.
ففي 12 أكتوبر/ تشرين الأول 2021 دار نقاشا حادا داخل اجتماع مجلس الوزراء اللبناني، حول إجراءات المحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار.
وقد دارت مداخلات ونقاشات حادة لوزراء "حزب الله" وحركة أمل رفضاً لإجراءاته، وحملت تهديدات من هؤلاء الوزراء إلى زملائهم ولرئيسي الجمهورية والحكومة داعين الحكومة اللبنانية إلى إقالته.
وقد دفع ذلك عدد من الوزراء إلى الخروج من الجلسة قبل أن يرفعها الرئيس وتتوقف الحكومة من ذلك الوقت عن الاجتماع.
ولم تنجح جميع الوساطات التي قام عدد من الأفرقاء السياسيين لـ"حزب الله" لفك أسر الحكومة والتخلي عن مطلبه بإقالة القاضي علما أنه من الناحية القانونية لا يمكن للحكومة اللبنانية ولا لمجلس القضاء الأعلى، عزل القاضي البيطار من منصبه كمحقق عدلي من دون حكم بكف يده.
وفي خضم الأزمة مع "حزب الله"، بثت قناة "الجزيرة" في 26 أكتوبر/ تشرين الأول مقابلة لوزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي تعرض فيها لدور السعودية ودول الخليج في اليمن، ما أدى إلى أزمة كبيرة مع هذه الدول.
وسحبت السعودية والإمارات والبحرين والكويت سفرائها من بيروت وألزمت سفراء لبنان بمغادرة أراضيها.
وبدل أن يتم تدارك الأمور سريعا عبر استقالة الوزير قرداحي وتقديم الاعتذار للدول الخليجية، تمسك بموقعه الحكومي بغطاء كامل "من حزب الله" ما عقد الأمور أكثر في ظل عدم رغبة رئيس الحكومة دعوة الحكومة للاجتماع بحضور ميقاتي.
وحتى الساعة لم تحلّ أي من الإشكاليتين فيما تعمل الحكومة على تصريف الأعمال من دون أن تلتئم لاتخاذ القرارات.
aXA6IDMuMTQ3LjY4LjM5IA==
جزيرة ام اند امز