لبنان 2019.. مخاض عسير لحكومة الحريري ومغادرة على وقع المظاهرات
الحريري قدم استقالته من رئاسة الحكومة اللبنانية في 30 أكتوبر على خلفية الاحتجاجات الشعبية التي انطلقت في 17 من الشهر ذاته
لم تصمد حكومة سعد الحريري الثالثة أكثر من 8 أشهر لتسقط على وقع الاحتجاجات الشعبية اللبنانية التي انطلقت في 17 أكتوبر/تشرين الأول للمطالبة بالإصلاحات وحياة كريمة.
وقدم الحريري استقالته في 30 أكتوبر الماضي على خلفية الاحتجاجات الشعبية، بعدما كانت الحكومة اللبنانية قد أنجزت ما سمتها "ورقة إصلاحية" بهدف تهدئة غضب الشارع والتي لم تلق تجاوبا من قبل المتظاهرين.
واعتبر المتظاهرون اللبنانيون أن ما جاء في الورقة الإصلاحية لا يعدو كونه وعودا غير قابلة للتنفيذ على غرار الوعود التي لطالما كانوا يتلقونها من قبل السلطة نفسها.
8 أشهر كان بإمكان المسؤولين اللبنانيين أن يحققوا فيها الكثير باعتراف الفرقاء المشاركين في الحكومة أنفسهم، لكن السباق على المحاصصة والحسابات الشخصية والسياسية أودت بحكومة الحريري إلى هذا المصير، وأدخلت لبنان في أزمة تكاد تكون الأولى من نوعها سياسيا وبشكل خاص اقتصاديا واجتماعيا.
وكانت الحكومة اللبنانية بقيادة الحريري تشكّلت من 30 وزيرا بعد 8 أشهر من المخاض العسير نتيجة الخلافات السياسية على تقاسم الحصص وتوزيع الوزارات بين الفرقاء كان آخرها اشتراط حزب الله تمثيل حلفائه من النواب السنة المعارضين للحريري بوزير في الحكومة وهو ما كان يرفضه الأخير إلى أن تم التوصل إلى حل بتمثيلهم من حصة رئيس الجمهورية اللبنانية.
وجاء تشكيل حكومة الحريري إثر الانتخابات النيابية التي أنجزت في شهر مايو/أيار، بعد عامين على التسوية السياسية، التي أدت إلى انتخاب ميشال عون رئيسا للجمهورية اللبنانية، مدعوما من حزب الله وحلفائه الذين أدخلوا البلاد في فراغ رئاسي استمر حوالي سنتين ونصف السنة لتمسكهم بوصول عون إلى الرئاسة.
وفي كلمته بعد تلاوة مرسوم تشكيل الحكومة، قال الحريري: "لم يكن هناك ما يستدعي كل هذا التأخير، لأنه فعلا هناك ملفات وقضايا أهم من توزيع الحقائب الوزارية، كانت مرحلة سياسية صعبة خصوصا بعد الانتخابات، لكننا نريد أن نطوي الصفحة ونقوم بالعمل المطلوب، التعاون بين أعضاء الفريق الوزاري شرط واجب لنكون على مستوى التحدي ولتنجح الحكومة بتجاوز هذه المرحلة".
التعويل الأساسي على حكومة الحريري كان يفترض أن يفتح الطريق أمام لبنان للحصول على مساعدات وقروض بمليارات الدولارات، وعد بها المجتمع الدولي لدعم اقتصاده المتهالك وأبرزها تلك التي كانت في مؤتمر "سيدر" الذي عقد في باريس أبريل/نيسان 2018.
لكن المجتمع الدولي كان يربط تقديم هذه الأموال بأن ينفذ لبنان إصلاحات اقتصادية وبنيوية وتحسين معدل النمو وتخفيض العجز، وهو ما لم يتحقق.
حيث لم يتم تسجيل أي إصلاح، ولا سيما في القضايا المعروفة على غرار الكهرباء والمعابر غير الشرعية والتهرب الجمركي وغيرها، ما أدى إلى الانهيار الاقتصادي تباعا وخروج الشعب اللبناني إلى الشارع، مطالبا بإسقاط السلطة، لتعود بعدها اليوم وتدخل مجموعة الدول الداعمة للبنان على الخط مكرّرة التوصيات نفسها في مؤتمر باريس الذي عقد في 11 ديسمبر/كانون الأول 2019.
وكان الحريري واضحا في هذا الإطار عند تشكيل الحكومة حيث قال إن "التمويل لا يمكن أن يتم من دون إصلاحات جدية"، مشيرا إلى تلازم بين المجتمع الدولي والأخوة العرب بالتمويل، والتزام الدولة بالإصلاحات والتنفيذ الشفاف للأعمال.
وبإلقاء نظرة سريعة على عمل الحكومة اللبنانية في الأشهر الثمانية، يمكن اختصار ما قامت به ببضعة قرارات هي من البديهيات في أي بلد يعاني مما يعانيه لبنان، وهي قرارات كانت قد تأخرت سنوات، من دون أن تجد طريقها إلى التطبيق حتى بعد إقرارها، على غرار خطة الكهرباء.
وتكاد تقتصر هذه القرارات على بعض التعيينات في الإدارات الرسمية وخطة للكهرباء كانت قد أعدت عام 2010، وإقرار موازنة بتأخر أشهر عن موعدها لتأتي خالية من أي رؤية اقتصادية وحلول للوضع الاقتصادي المتردي، وترافقت كذلك جلسات مناقشاتها مع تحركات شعبية رافضة لإجراءات كانت تتجه السلطة لفرضها، ما أدى إلى تراجعها عنها.
في ذات السياق أعلن فرقاء سياسيون، وعلى رأسهم وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل، أنه يمنح لنفسه ولوزراء تكتل "لبنان القوي" الذي يرأسه مهلة 100 يوم لتحقيق إنجازات في الوزارات اللبنانية التي تولوها وإلا سيقدمون استقالاتهم، وبعد ذلك مددوا المهلة 10 أيام إضافية، لكن قرارهم لم ينفذ لتأتي استقالة الحكومة بأكملها على وقع ضغط الشارع.
وتبادل الفرقاء السياسيون الاتهامات بالمسؤولية حول فشل الحكومة اللبنانية، حيث أقر وزير الشؤون الاجتماعية اللبناني في حكومة تصريف الأعمال ريشار قيومجيان المحسوب على "حزب القوات اللبنانية" بأن الحكومة لم تسجل أي إنجاز رغم كل الفرص التي كانت متوفرة.
وقال قيومجيان في تصريحات لـ"العين الإخبارية": "لا يمكن الحديث بتاتا عن إنجازات في وقت لم تستطع الحكومة طيلة 8 أشهر أن تنفذ الحد الأدنى من الإصلاحات المطلوبة وكان همّ الفرقاء المحسوبيات والمحاصصة".
وتابع: "في الوقت الذي كانت فيه الدعوات الدولية تتوالى على لبنان محذرة من نتائج عدم السير بالإصلاحات، كانت الصفقات بالتراضي والملفات المشبوهة تسير على قدم وساق، أبرزها ملف توظيف 5 آلاف موظف بطريقة غير قانونية وبالتالي زيادة العجز على الدولة".
ويعدد قيومجيان الذي استقال مع وزراء "حزب القوات اللبنانية" بعد أيام على اندلاع الانتفاضة الشعبية، عددا من الملفات كان بإمكان الحكومة إنجاز إصلاحاتها، أهمها ملفات: "الكهرباء والاتصالات والتهرب الجمركي" بالإضافة إلى المعابر غير الشرعية التي تكلف لبنان خسارة بنحو 600 مليون دولار سنويا.
ويرى قيومجيان أن الحكومة لم تعط أي إشارات إيجابية لا للداخل اللبناني ولا للخارج؛ حيث كان المجتمع الدولي يترقب ما ستقوم به، وخاصة فيما يتعلق بتوصيات مؤتمر "سيدر" التي ربطت المساعدات بالإصلاحات.
وتابع: هذا الأمر "أدى إلى اتخاذ (حزب القوات) قرار الاستقالة في شهر سبتمبر/أيلول"، مضيفا: "كل المؤشرات كانت تؤكد أننا واصلون إلى الانهيار المالي لكن أحدا لم يحرك ساكنا".
ورغم مرور نحو شهرين على التحركات الشعبية، يرى قيومجيان أن المسؤولين يعيشون حالة إنكار ولا يزالون يتسابقون على الوزارات في الحكومة ويتجاهلون مطالب الشارع.
aXA6IDMuMTQ5LjIzLjEyNCA= جزيرة ام اند امز