عيد الأم في لبنان.. فرحة منقوصة بغياب الأبناء والهدايا
تكاد تغيب طقوس عيد الأم هذا العام عن معظم المنازل في لبنان، حيث تعيش الأمهات وعائلاتهنّ أوضاعا معيشية صعبة.
ورغم أن مظاهر هذا العيد لا تغيب عن بيوت اللبنانيين، وهو ما تعكسه الزحام اللافت أمام محلات الحلويات، حيث يتسابق اللبنانيون لشراء الحلوى لكن هذا الزحام لا يقارن مع السنوات السابقة، بعدما سجّل ارتفاعا غير مسبوق للأسعار وبات الحصول على "قالب الكيك" وباقة ورد وهدية للأم يتطلب دفع راتب بكامله.
وجعل غلاء الأسعار الحصول على باقة ورد وقالب "كيك" وأي هدية صعب المنال بالنسبة إلى الشباب الذين تآكلت رواتبهم، لا سيما وأن أسعارها ارتفعت إلى مستوى غير مسبوق، باتت باقة الورد الصغيرة تكلف حوالي ٣٠٠ ألف ليرة لبنانية، وسعر قالب الكيك المتوسط ٤٥٠ ألف ليرة.
تقول سناء لـ"العين الاخبارية": "اخترنا أن نصنع قالب الكيك في المنزل واتفقت مع أخوتي أن نشتري لها هدية واحدة بعدما اعتدنا أن نقدم لها كل منا هدية وأحيانا مجوهرات وهو الأمر الذي لم يعد بمقدورنا هذا العام.. وبذلك الخيار نكون قد احتفلنا بالعيد بأقل كلفة ممكنة".
ينسحب وضع سناء وأخواتها على معظم العائلات في لبنان فإن الأم التي حصلت على هدايا هذا العام كانت فرحتها منقوصة لاحتفالها وحيدة في غياب أولادها واقتصرت المعايدة على اتصال فيديو بعدما أدت الأوضاع الاقتصادية في لبنان إلى هجرة أبنائها، علما بأن هجرة الشباب في لبنان ارتفعت بشكل كبير في السنتين الأخيرتين بحثا عن فرصة عمل يستطيعون من خلالها مساعدة عائلتهم في لبنان بعدما تراجعت القدرة الشرائية إلى مستويات غير مسبوقة.
وعن هذا الموضوع يتحدث إيلي قرعا، صاحب محل للمجوهرات في بيروت لـ "العين الاخبارية"، قائلا: "حركة البيع لم تتراجع فقط إنّما أصبحت معدومة، وبعدما كنت أبيع خلال فترة عيد الأمم ما يزيد عن 30 هدية لم أبع هذا العيد أكثر من هديتين فقط".
ويعزو "قرعا" السبب إلى الوضع الاقتصادي الذي يعاني منه اللبنانيون بحيث لم يعد بمقدرتهم شراء الذهب والمجوهرات إضافة إلى ارتفاع سعره عالميا بحيث بات حتى من يملك المال لا يشتريه ويستعيض عنه بهدايا أخرى.
وتعبّر آمال وهي أم لفتاة وشاب عن حرقتها في هذا العيد بعدما لم يجد ولديها أمامهما إلا السفر لتأمين مستقبلهما.
وتقول لـ "العين الاخبارية": "نحن أمّهات لبنان نعيش وضعا نفسيا لا نحسد عليه.. فمن جهة نفرح عندما يحصل أبناؤنا على فرصة عمل جيدة في الخارج ونطمئن على أنهم يستطيعون العمل لتأمين مستقبلهم نعيش في الوقت عينه معاناة وأسى البعد عن أولادنا ومن ثم على أحفادنا الذين يولدون ويترعرون بعيدين عدا"، من هنا تقول: "نشكر الله على نعمة اتصال الفيديو الذي يسمح لنا رؤيتهم ولو عن بعد".
ويتحدث الباحث محمد شمس الدين، من شركة "الدولية للمعلومات" المتخصصة بالإحصاءات والدراسات عن ارتفاع الهجرة في أوساط الشباب في لبنان لوكالة "أسوشيتد برس"، ويقول: "نرى خلال السنوات الخمس الماضية ارتفاعاً كبيراً بأعداد المهاجرين والمسافرين حيث بلغ 18863 في العام 2017 وارتفع إلى 33129 في العام 2018، لكنه تضاعف ووصل إلى 66806 في العام 2019"، وهي السنة التي شهدت تفجر الاحتجاجات الشعبية ضد سوء الإدارة والحكم في البلاد، وتبعها انهيار الليرة وتسريح عشرات الآلاف من الموظفين وتجميد البنوك لودائع المواطنين.
ويحذر شمس الدين من أنه خلال السنوات الخمس الأخيرة "هاجر وسافر نحو 215653 لبناني ولبنانية، وأن غالبية المهاجرين والمسافرين هدفهم العمل، و70% منهم هم من الفئات الشابة ما بين 25 و40 سنة، وهم بالتالي لو كانوا في لبنان لكانت معدلات البطالة سترتفع إلى أكثر من 46%، ولهذا فإن الهجرة هي وسيلة لامتصاص البطالة وتوفير فرص عمل للبنانيين" المستمرين في البقاء بلبنان.