بين "السيادية" و"الخدمية".. المال يحكم الصراع على وزارات لبنان
تعرف عمليات تشكيل الحكومات في لبنان بطقوس وأعراف خاصة، لا تتمتع بها أي دولة في العالم.
وبخلاف التوزيع الطائفي والمذهبي الدقيق، تتنافس الأحزاب السياسية على حقائب وزارية معينة، توصف بـ"السيادية" و"الخدماتية" وأخرى عادية توزع كجوائز ترضية للفرقاء.
ورغم أن أصوات الوزراء كانت متساوية على طاولة مجلس الوزراء عند اتخاذ أي قرار، إلا أن الوزارت قسمت إلى 4 مجموعات.
فهناك الوزارات السيادية الأربعة التي تم تكريسها عرفيا وهي "المال" و"الدفاع" و"الداخلية" و"الخارجية" وهي توزع على الطوائف "الأرثوذكس" و"الموارنة" و"السنة" و"الشيعة".
- بوادر انفراجة.. الكشف عن اللمسات الأخيرة لحكومة لبنان
- عون يلتقي الحريري.. خطوة للأمام لتشكيل حكومة لبنان
وإلى جانبها الوزارات الخدمية كالصحة، والتربية والتعليم والتعليم العالي، والأشغال العامة والنقل، والاتصالات، والطاقة والمياه، والشؤون الاجتماعية، والعدل، والعمل، والاقتصاد والتجارة والزراعة.
كما أن هناك وزارات ثانوية كالبيئة، والثقافة، والإعلام، والصناعة، والزراعة، والشباب والرياضة إضافة إلى السياحة.
وإضافة إلى ذلك يأتي وزراء الدولة الذين يتم اختيارهم عادة فقط لإرضاء أكبر عدد من مكونات الطبقة السياسية، لتتخطى بهم غالبية الحكومات عتبة الـ30 وزيراً.
ومنذ اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية في لبنان حتى اليوم كانت الحقائب التي سميت سيادية أساس التهافت بين الزعماء والأحزاب السياسية اللبنانية باعتبارها تعزز السلطة عبر الأمن وتفتح مدى العلاقات الخارجية مع الدول الأخرى بالإضافة إلى التحكم بالمالية العامة التي تعتبر شريان حياة أي دولة.
ولكن في الفترة الأخيرة ومع الكارثة الاقتصادية التي حلت في لبنان، والإفلاس السريع الذي أصاب خزينته تغيرت الأولويات، وضعفت الشراهة على الوزرات المسماة سيادية لتتجه الأنظار نحو الحقائب الخدمية، أو ما يسمى بحقائب المساعدات أي الوزارات التي من المتوقع أن تستلم المساعدات من الدول الصديقة.
فوزارتا الدفاع والخارجية لم تعودا مغريتين إذ تحوّل دور وزير الخارجية إلى ساعي بريد في الوقت الحاضر، فالعلاقات الدولية تنسج على مستوى الرؤساء والاتفاقيات الدولية عند رئيس الجمهورية وفق المادة 52 من الدستور.
وتنصّ على أن يتولى رئيس الجمهورية المفاوضة في عقد المعاهدات الدولية وإبرامها بالإتفاق مع رئيس الحكومة، وآخر مثال ملف ترسيم الحدود مع إسرائيل في ظل دور محدود لوزارة الخارجية.
أما وزير الدفاع فالإمرة الفعلية على الجيش ليست بيده بل بيد قائد الجيش والمجلس العسكري.
كما أن رئيس الجمهورية وفق المادة 49 من الدستور يرأس المجلس الأعلى للدفاع، وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة التي تخضع لسلطة مجلس الوزراء.
أما وزارة الداخلية، فبسبب الأوضاع الاقتصادية الحالية وضعف الموازنة، لم تعد باباً للتوظيف والخدمات، ولم يعد الانضمام إلى السلك العسكري الذي كان يؤمّن للمواطن شيخوخته وتعليم أولاده حلماً للشباب كما كان في السابق.
عدا عن قوانين منع التطوع التي صدرت عن الحكومة السابقة وستكون ملزمة بها الحكومة الحالية والتي تقضي بمنع التطوع وتُبقي على العدد الحالي.
هذا إضافةً إلى تضخم الجهاز العسكري والأمني لحزب الله الذي له اليد الطولى في هذا المجال، ولن تستطيع هذه الوزارة تحقيق المعجزات، وهو ما برهنته السنوات السابقة.
لكن في المقابل، تبقى وزارة المال التي نجح "حزب الله" بتكريسها لحليفه رئيس مجلس النواب نبيه بري ربما للأبد وإخرجها من حسابات جميع القوى لم تفقد بريقها باعتبارها تتحكم في كل ما يدخل ويخرج من خزينة الدولة.
وفي هذا السياق يشرح مدير شركة "ستاتيستيكس ليبانون" للدراسات ربيع الهبر، أن "وزارة الخارجية في لبنان فقدت بريقها منذ مدة ووزيرها أصبح صاحب صلاحيات محدودة نظراً لتجاوز حد السلطة من الأحزاب السياسية في لبنان والتي أصبحت تبني علاقاتها الخارجية بعيداً عن الدولة".
وأضاف الهبر لـ"العين الاخبارية": أنه "مثلها وزارة الدفاع الوطني التي يعتبر فيها منصب الوزير فخرياً مجردا من الصلاحيات التي عادة ما تكون بيد قائد الجيش".
وتابع: "هذا التهافت على الوزارات التي تسمى خدماتية هو بسبب الأموال الموعودة القادمة من صندوق النقد الدولي ومن المؤتمرات الدولية الموعودة لمساعدة لبنان التي تشترط تفعيل الوزارات لحسن التصرف في هذه الأموال وتوسيع دائرة الاستفادة الشعبية منها".
وذكّر الهبر بـ"مؤتمر سيدر"، الذي عقد عام 2018 في باريس ووعد بصرف حوالي 11 مليار دولار عبر إنشاء صندوق استثماري، أي مشاريع اقتصادية واستثمارية بالشراكة مع الدولة اللبنانية، وبالتالي ستكون هذه الوزارت الخدماتية شريكة أساسية في هذا المشروع.
ولفت إلى "أهمية وزارة الطاقة أيضا بالنسبة للاقتصاد اللبناني مع بدء المفاوضات الإسرائيلية-اللبنانية وإمكانية استفادة لبنان من ثرواته الطبيعية إذا وجدت".
وفي المقابل، لا يبدو الهبر متفائلاً بحصول لبنان على مساعدات إذا بقيت الأمور على حالها و"خصوصاً أن السلطة الحالية ارتكبت خطأ جسمياً مع صندوق النقد الدولي وعبره مع المجتمع الدولي بعدم الاتفاق على أرقام المالية العامة وتحديد الخسائر".
وأشار إلى أن "هذا من شأنه أن يفقد ثقة المجتمع الدولي بالبلاد إذا لم يتم تدارك الخطأ بسرعة ويوحد أرقامه ويتوجه بهم إلى المجتمع وإلاّ لم نجد أحدا يساعدنا أو يقدم لنا الأموال وبالتالي كلّ هذا التهافت والصراعات على الوزارات الخدماتية سيذهب سدى ولن يكون بإمكاننا فعل شيئ نهائياً إنما ستتحول عبئاً على حامليها".
وأوضح أن "وزارة الأشغال العامة ستحظى بحصة الأسد من هذه المساعدات الموعودة، فهي تعتبر وزارة الوصاية على مرفأ بيروت، ومن الطبيعي أن تكون المشرفة على إعادة إعماره وإعمار النصف المدمر من العاصمة جراء انفجار الرابع من أغسطس/آب".
إضافة إلى المشاريع المقترحة والتي تم إقرارها في مؤتمر سيدر، التي تشمل القيام لأوتوسترادات دولية وسكة حديد وغيرها من المشاريع.
ويفهم التهافت على وزارة الصحة فهي منذ سنوات تعتبر الوزارة الخدماتية الأساسية في الدولة اللبنانية، نظراً لارتباطها مباشرة بصحة المواطن، في ظل ارتفاع تكلفة الفاتورة الطبية وحاجة الناس إلى الاستشفاء والدواء.
كذلك وفي ظل تفاقم جائحة كورونا والاهتمام الدولي بمكافحتها، ستكون هذه الوزارة أيضاً أساسية عبر التعاطي الدولي معها كجهة لتلقّي المساعدات والقروض المسّهلة لشراء الأدوية واللقاحات وغيرها، وستعطي لمن يمسكها طاقةً خدماتية.
وما يصح في وزارة الصحة يصح في وزارة التربية بالنسبة للمساعدات والاهتمام الدولي في ظل كورونا والتعليم من بعد.
aXA6IDMuMTQ0LjI1LjI0OCA= جزيرة ام اند امز