بعد 3 أشهر من المظاهرات.. لبنان يفتح ملف الفساد
صدرت تعليمات للمصارف بإعادة تحديد مصدر أموال السياسيين وتقديم معلومات بشأن تواريخ وأحجام التحويلات إلى سويسرا منذ 17 أكتوبر الماضي
في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019، خرج عشرات الآلاف من اللبنانيين إلى الشوارع والساحات وقطعوا الطرق احتجاجا على أداء الطبقة السياسية التي يتهمونها بالفساد، وبعد 3 أشهر كاملةً استجابت السلطات اللبنانية جزئيا لمطالب المتظاهرين عبر إجراءات بدأها مصرف لبنان المركزي لفحص حسابات الشخصيات السياسية في البنوك.
التعميم الموقع من جانب هيئة مكافحة تبييض الأموال في 9 يناير/كانون الثاني الجاري، الذي خرج إلى النور، الخميس، حدد قائمة مطالب واضحة، تتضمن تحميل المصارف مسؤولية تحديد مصادر الأموال المودعة فيها وإفادة هيئة التحقيق الخاصة في حال وجود أي شبهة على الحسابات.
وتضمن التعميم إمهال البنوك حتى 31 يناير/كانون الثاني الحالي للرد على هذه الاستفسارات وتقديم إيضاحات بشأنها.
ولم تتوقف خطوات السلطات الرقابية عند هذا الحد، بل إن لجنة الرقابة على المصارف في البلاد طلبت من البنوك تقديم معلومات بشأن تواريخ وأحجام التحويلات إلى سويسرا منذ أول يوم لانداع المظاهرات.
وهذه خطوة مهمة لأن المصارف امتنعت عن تحويل أي مبالغ خارج البلاد عندما اندلعت احتجاجات مناهضة للحكومة، ولكن الطلب يقتصر حتى الآن على تورايخ وأحجام التحويلات دون أن يمتد إلى تقديم معلومات عن أسماء العملاء الذي قاموا بالتحويلات، بحسب وكالة "رويترز".
وقد كشف رياض سلامة، حاكم المصرف المركزي، في مقابلة مع قناة "إم.تي.في" التلفزيونية اللبنانية الأسبوع الماضي، أنه طُلب منه بالفعل التحقيق في تحويلات حدثت بعد 17 أكتوبر/تشرين الأول.
ولكن سعد الحريري، رئيس الوزراء اللبناني السابق، كان له رأي آخر بشأن المطالب التي تلقاها حاكم المصرف المركزي، إذ اعتبر أن هناك "حملة لاقتلاع" سلامة، الذي يشغل المنصب منذ 1993، وأنه يجري تحميله على نحو غير عادل المسؤولية عن التدهور المالي والاقتصادي للبلاد.
وأضاف الحريري أن سلامة لديه حصانة "ولا أحد يستطيع أن يقيله".
ولكن على جانب آخر، تتزامن تحركات الجهات المصرفية الرقابية داخل لبنان مع احتدام الموقف الاقتصادي للبلاد واتخاذ بعض المظاهرات منحنى تصعيديا، بعد أن هاجم متظاهرون ليل الثلاثاء الماضي واجهات المصارف في منطقة الحمراء وسط بيروت بسبب فرضها قيودا مشددة على المودعين الذي يرغبون في سحب أموالهم.
كما طرح الموقف المتأزم للاقتصاد اللبناني مخاوف التخلف عن سداد سندات حكومية قيمتها 2.5 مليار دولار مستحقة هذا العام، منها 1.2 مليار دولار يستوجب سدادها في مارس/آذار المقبل.
وعلق الحريري في تصريحات سابقة مشيرا إلى أنه يتعين على لبنان أن يتعاون مع صندوق النقد والبنك الدوليين بشأن الاقتصاد الذي يعاني من أزمة عميقة.
ومن المعروف أن المؤسسات الدولية ترهن تقديم مساعدات سواء مالية أو استشارية لهيكلة الاقتصاد بالإشراف على عملية الإصلاح الاقتصادي، ومن ثم تنفيذ خطة واضحة لمواجهة أي ممارسات فساد.
وتعدّ الأزمة الاقتصادية الراهنة، الأسوأ منذ انتهاء الحرب الأهلية (1975-1990)، وهي وليدة سنوات من النمو المتباطئ، مع عجز الدولة عن إجراء إصلاحات بنيوية، وتراجع حجم الاستثمارات الخارجية، عدا عن تداعيات الانقسام السياسي الذي فاقمه النزاع في سوريا، وارتفاع الدين العام إلى نحو 90 مليار دولار، أي ما يعادل أكثر من 150% من إجمالي الناتج المحلي.