خبراء يحذرون لبنان من فخ "جهنم" حال رفع الدعم
خبراء يؤكدون أن لبنان قد يدخل في مجاعة وتتسع دائرة الفقر حال رفع الدعم الذي تدرسه الحكومة.
يقف لبنان على مفترق طرق قد يؤدي إلى انهيار اقتصادي واجتماعي مع استمرار انهيار الليرة وتوجه الدولة إلى رفع الدعم عن المواد الاستهلاكية والمحروقات والدواء.
ورفع الدعم في لبنان من شأنه أن ينعكس سلبا على القدرة الشرائية للمواطنين وتزايد نسبة الفقر بشكل غير مسبوق.
ومع بدء العمل على خطة لرفع الدعم ارتفعت الأصوات المحذرة من نتيجة هذا القرار في ظل عشوائية القرارات التي تتخذها السلطة في السنوات الماضية وأدت الى الانهيار الاقتصادي.
ويستخدم البنك المركزي احتياطيات النقد الأجنبي المتناقصة لدعم الواردات الرئيسية مثل القمح والوقود والأدوية. وسيؤدي إلغاء الدعم الذي قال البنك المركزي إنه لا يمكن أن يستمر لأجل غير مسمى إلى مزيد من المعاناة.
وتعقد في لبنان اجتماعات عدة بين المسؤولين ومصرف لبنان للبحث في كيفية رفع الدعم والآلية التي ستُعتمد للتعويض عنه، بعدما تراجع الاحتياطي من العملات الأجنبية بشكل غير مسبوق، حيث تشير المعلومات إلى أنه لا يوجد أكثر من مليار و800 مليون دولار فقط، علماً أن الدعم يكلّف مصرف لبنان نحو 600 مليون دولار".
صرخات نقابية.. ومسكنات حكومية
من هنا بدأت الصرخات النقابية تصدر من قبل قطاعات عدة، وحذّرت نقابة مستوردي المواد الغذائية من انكشاف الأمن الغذائي للبنانيين، مبدية تخوفها من ارتفاع إضافي لسعر صرف الدولار نتيجة فشل تشكيل الحكومة.
فيما دعا اتحاد النقل البري السائقين العموميين إلى الاستعداد للتحرك رفضا لرفع الدعم عن صفيحة البنزين، وأعلن الاتحاد العمالي العام عن نيته الدعوة إلى تحركات شعبية عند اتخاذ هذا القرار.
وفي هذا الإطار تحدث الخبير الاقتصادي اللبناني وليد أبوسليمان لـ"العين الإخبارية" عن خطورة هذا القرار على حياة اللبنانيين، معتبرا أن الحل الذي يتم الحديث عنه عبر توزيع بطاقات تموينية للعائلات الفقيرة لا يفي بالغرض المطلوب، وهو ما وصفه البعض بمجرد مسكنات حكومية مؤقتة.
وقال أبوسليمان "تكلفة الدعم الشهري للسلع تقدر بنحو 600 مليون دولار شهريا، يذهب الجزء الأكبر منه للمحروقات التي تهرّب بدورها عبر المعابر غير الشرعية إلى سوريا دون حسيب أو رقيب بدل أن يستفيد منها الشعب اللبناني، فيما يربح سنويا تجار النفط ما يقارب 250 مليون دولار".
ويرى أبوسليمان أن لبنان وبدل أن يرفع الدعم عن المواد الاستهلاكية وعلى رأسها القمح والدواء والمحروقات وغيرها، كان عليه أن يتولى مهمة الاستيراد ويحصل على هذه الأموال ويعمل وفق خطة واضحة لترشيد الإنفاق وضبط الحدود ومراقبة التهريب ما سيوفّر بذلك العملة الصعبة لتأمين هذه المواد.
لبنان يتحول إلى غابة
ويوضح أبوسليمان أنه إضافة إلى رفع الدعم عن المواد الاستهلاكية فإن الوقود الذي من المتوقع أيضا أن يشمله هذا القرار (يدخل في 60% من الإنتاج في لبنان)، وبالتالي من شأن هذا الأمر أن ينعكس إلى ارتفاع جنوني في الأسعار على المواطن في لبنان، حيث لا يزال الحد الأدنى للأجور محددا بـ675 ألفا، نحو 450 دولارا عندما كان سعر صرف الدولار محددا بـ1500 ليرة، لينخفض اليوم إلى نحو 80 دولارا مع ارتفاع سعر الصرف إلى حوالي 8500 ليرة.
من هنا يحذّر أبوسليمان من انعكاس رفع الدعم، ويعطي مثالا على ذلك، أن ربطة الخبز تباع اليوم بألفي ليرة، ومن المتوقع أن ترتفع إذا اتخذ القرار إلى نحو 10 أو 11 ألف ليرة، وهو الأمر الذي لن يختلف عن المواد الغذائية والاستهلاكية بشكل عام.
وتابع "إضافة إلى ذلك في اللحظة التي سيعلن فيها عن رفع الدعم من المتوقع أن يرتفع الدولار إلى مستويات مرتفعة جدا نتيجة زيادة الطلب عليه".
ويضيف: "رفع الدعم هو كارثة بالنسبة إلى اللبنانيين حيث ستتزايد نسبة الفقر وقد نصل إلى مرحلة الجوع حيث من المتوقع أن نتحول إلى بلد تسودها شريعة الغاب حيث يبقى الهم للمواطن تأمين لقمة عيشه بأي طريقة".
ومع الحديث عن توزيع بطاقات تموينية للعائلات الفقيرة، يشكك أبوسليمان بفائدة هذا المشروع، إلا إذا اعتمدت لوائح العائلات الفقيرة الموضوع من البنك الدولي، لأن أي خطوة غير ذلك ستكون نتيجة المشروع المحاصصة السياسية والطائفية، ولن تصل البطاقات إلى مستحقيها.
"ذاهبون إلى جهنم"
ما يقوله أبوسليمان يعبر عنه أيضاً النائب المستقيل في حزب الكتائب إلياس حنكش، قائلًا في حديث لـ"العين الإخبارية": "بعدما سرقوا أموال الناس في المصارف، ها هم اليوم يزيدون معاناتهم برفع الدعم، وهو ما بات ينذر بكارثة اجتماعية".
ويضيف حنكش مذكرا بتوصيف رئيس الجمهورية قائلا "ذاهبون إلى جهنم" ولا يبدو أن هناك أي حل بعدما أجهضوا وأفشلوا محاولة الإنقاذ الأخيرة التي طرحتها فرنسا لتشكيل حكومة، وتنفيذ الإصلاحات للحصول على المساعدات الدولية، وبالتالي فقد المجتمع الدولي الثقة بلبنان وبهذه السلطة التي لم تعد أيضاً تتمتع بثقة الشعب.
ويؤكد: "بتنا اليوم أمام مفترق طرق إما أن يستفيدوا مما تبقى من دعم خارجي بعدما منح الرئيس الفرنسي المسؤولين فرصة 6 أسابيع لتشكيل الحكومة أو سنذهب من دون أدنى شك إلى مرحلة من الجوع، مع رفع الدعم".
ويشكك حنكش أيضًا بالحل المطروح كبديل عن رفع الدعم عبر توزيع بطاقات تموينية على العائلات الفقيرة، ويقول: "كما اعتدنا عليهم هذه البطاقات ستذهب إلى المحسوبين على المسؤولين وأحزابهم لاستخدامها في الانتخابات النيابية بعيدا عن أي حس بالمسؤولية".
وبانتظار القرار النهائي حول رفع الدعم الذي يعقد حوله اجتماعات دورية، فيما تشير المعلومات إلى احتمال إقراره قبل نهاية العام، ارتفعت الأصوات المحذرة والمهددة في الشارع رفضا لهذا القرار، من قبل النقابات والقطاعات المختلفة.
وفي مؤتمر صحفي عقده قبل أيام، اعتبر رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال لبنان مارون الخولي "وقف دعم استيراد هذه المواد الأساسية، سيؤدي إلى مضاعفة أسعار السلع بشكل جنوني ليفقد المواطن 90% من قدرته الشرائية، ما سيؤدي إلى فقدان السيطرة على الاقتصاد وانتقاله إلى حالة التضخم الانفجاري والسقوط شبه الحر لسعر الصرف في السوق الموازي".
ولفت إلى أن هذا القرار سيزيد الطلب والضغط على الدولار بقيمة 300 مليون دولار وسترتفع أسعار كل المنتجات السلعية والخدمية ليدور الاقتصاد حول حلقة تضخمية تصل إلى الأسوأ، حيث إن كل أسعار السلع والخدمات ومنها المواد الأساسية التي يؤمن مصرف لبنان 90% من تكلفتها بالدولار من احتياطه على سعر صرف 1500 ليرة، والاعتمادات الائتمانية التي يفتحها التجار من أجل استيراد باقي السلع سترتفع بحدود الخمسة أضعاف، حيث ستبدأ أسعار السلع والخدمات بالارتفاع أكثر من 400% في غضون شهر واحد.
وأوضح "قد يرتفع سعر صفيحة البنزين من 25 ألف ليرة إلى 100 ألف ليرة في أقل من 5 أيام، ومن 100 ألف ليرة إلى أكثر، في حال قفز الدولار الأمريكي فوق سعر 8000 ليرة".
وستتوقف تلقائيا خدمات وعطاءات جميع الصناديق الضامنة الصحية وستصبح أسعار السلة الغذائية الشهرية للأسرة الواحدة 4 مرات الحد الأدنى للأجور.
ورأى أن لبنان اليوم في مرحلة ما قبل الجوع في حال رفع الدعم، حيث سيدخل أغلبية المجتمع اللبناني في حالة من الفقر المدقع والجوع والموت من تفشي الأمراض وعدم قدرة اللبنانيين على تلقي العلاج والموت بردا من غلاء المازوت وسيضرب الركود والشلل الاقتصادي من جراء فقدان القيمة الشرائية لأكثر من 80% من الشعب اللبناني وسيفقد أكثر من 60% من اللبنانيين وظائفهم".
من جهتها، أطلقت نقابات قطاع النقل البري والاتحاد العمالي العام في لبنان صرخة رافضة لرفع الدعم عن السلع الاساسية والمحروقات مهددة بأن هذه الخطوة التي من شأنها أن تزيد الاسعار أضعافا، ستكون الشرارة لاشعال البلاد، معلنين عن تحرك شعبي يحدد موعده لاحقا.
وفي مؤتمر صحفي عقده رؤساء عدد من رؤساء مختلف القطاعات المعنية من اتحادات ونقابات قطاع النقل البري ورئيس الاتحاد العمالي العام ونقابة الشاحنات والسائقين وغيرهم، قال اتحادات ونقابات قطاع النقل البري بسام طليس، رفع الدعم عن السلع والمواد الغذائية والمحروقات والأدوية والقمح سيؤدّي الى انفجارٍ اجتماعي كبير.
وأشار إلى أن رفع الدعم عن البنزين والمازوت سيرفع سعر صفيحة البنزين (20 لترا) إلى 70 ألف ليرة لبنانية (سعرها اليوم نحو 25 ألفا) والمازوت إلى ما بين 45 و50 ألف ليرة ما سيؤدّي إلى كارثة اجتماعية في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمرّ بها البلاد.
ودعا اتحادات ونقابات قطاع النقل البري إلى اجتماع يعقد في 19 أكتوبر/تشرين الأول الجاري لإعلان موعد التحرك والإضراب لمواجهة هذا القرار بالتعاون مع قيادة الاتحاد العمالي العام.
من جهته قال رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر "فور الإعلان عن أي خطوة برفع الدعم سنبادر فوراً للنزول إلى الشارع، لأن ما يحصل غير مقبول وهو دعوةٌ لتهجير الشعب اللبناني".