لبنان.. هكذا انتصرت الدولة على «الدويلة»
زخر خطابه برسائل للداخل، لكنه أسقط ذكر «المقاومة» في منعطف تجاوز غياب اللفظ ليرسم بوصلة عودة القرار إلى الدولة اللبنانية.
الرئيس اللبناني الجديد جوزيف عون يبدو حاسما في تحديد ملامح ولايته من خلال استثمار ذكي لإسقاط عبارة واحدة، في لقطة قال فيها الغياب أكثر مما كان ليفعل الكلام.
ففي خطاب القسم الذي تلى أداءه اليمين الدستورية بمقر البرلمان، أكد عون رغبته في عودة القرار السياسي والعسكري إلى الدولة، في مؤشر يشي بأن لبنان يدخل عهدا جديدا لا سطوة فيه لحزب الله على قراره السياسي والعسكري.
وفي وقت سابق الخميس، انتخب البرلمان اللبناني قائد الجيش جوزيف عون رئيسا للجمهورية، بعد فوزه بتأييد 99 نائبا من إجمالي عدد النواب البالغ 128 الذين شاركوا في العملية الانتخابية.
السلاح.. النقطة الحاسمة
حين أعلن عون بدء "مرحلة جديدة" في تاريخ لبنان تعهد بالعمل على تأكيد "حق" الدولة في احتكار حمل السلاح، وبناء وطن يكون الجميع فيه "تحت سقف القانون والقضاء".
ولم يكن من يقصده الرئيس الجديد بعيدا عن الأذهان، فالجماعة الوحيدة التي تحمل السلاح في لبنان هي حزب الله، ما يعني أن الفترة المقبلة ستحمل للأخير الكثير من التغييرات الاضطرارية.
وقال عون «إذا أردنا أن نبني وطنا فعلينا أن نكون جميعا تحت سقف القانون والقضاء»، متعهدا بالعمل على منع التدخل في عمل القضاء، في إشارة أخرى لحزب الله.
وأوضح «لا صيف ولا شتاء تحت سقف واحد بعد الآن. ولا مافيات أو بؤر أمنية ولا تهريب أو تبييض أموال أو تجارة مخدرات.. ولا حمايات أو محسوبيات ولا حصانات لفاسد أو مجرم أو مرتكب».
رسائل لحزب الله
ويرى مراقبون في تعليقات عون حول حق حمل السلاح إشارة جزئية إلى ترسانة حزب الله، وهو ما يعتبر سابقة بالنسبة لرجل لم يتطرق أبدا طول مسيرته قائدا للجيش إلى هذا الموضوع.
وعلى مدار عامين شكل حزب الله العقبة الأساسية بوجه انتخاب رئيس للبلاد بعد انتهاء ولاية ميشال عون في نهاية أكتوبر/ تشرين أول 2022.
لكن الحرب التي أشعل فتيلها مع إسرائيل لاحقا، قتلت قياداته وأضعفته عسكريا وأجبرته على الانحناء لعاصفة الضغوط، حيث أدلى نواب من الحزب وحليفته حركة أمل بأصواتهم لصالح عون.
انحناءة تشي بأن الحزب الذي ورط معه دولة بأكملها في حرب إسناد قد غادرها محاصرا بالنكسات والصدمات: خسارات فادحة، واتفاق أمني يعيد إحياء القرار 1701، قبل أن يفاجأ بسقوط مدو لبشار الأسد في سوريا.
سقطت الدويلة
انتخاب رئيس للبنان بعد عامين من الفراغ، في توقيت بالغ الحساسية، يشكل، وفق خبراء، انتصارا في حد ذاته لمفهوم الدولة، وتأكيدا على أفول نفوذ «الدويلة» التي كان يحتكرها حزب الله.
فعون الرجل القادم إلى السياسة من المؤسسة العسكرية، يشكل أحد رموز مشروع الدولة، وبالتالي فإن صعوده للرئاسة سيغلق جميع تلك الفجوات التي كان يتسلل منها حزب الله ليضع يده على قرارات الدولة.
فمع انتخاب الرئيس سيشكل لبنان حكومة جديدة، والمؤكد أنها لن تكون خاضعة لأي ضغوط بل سترسم مسارا جديدا يعزز مشروع الدولة ويقضي على ما تبقى من أعمدة «الدويلة» المتهاوية.
aXA6IDE4LjIyMC45NC4xODkg جزيرة ام اند امز