الفراغ الرئاسي في لبنان.. هل «أطفأ» لهيب الجنوب زخم الأزمة؟
غابت أزمة الفراغ الرئاسي بلبنان في زخم حرب غزة والتصعيد في الجنوب لتخفت محليا وينحسر عنها الاهتمام الدولي، في مد تنازلي يفجر استفهامات.
وتستمر أزمة الشغور في منصب رئاسة الجمهورية بعد خفوت زخم البحث عن رئيس جديد وتراجع الاهتمام بالملف، رغم تداعياته السلبية على المستويات كافة.
يأتي ذلك في الوقت الذي لم يسفر فيه حراك سفراء اللجنة الخماسية عن مؤشرات إيجابية حتى الآن، لحلحلة الأزمة، وتلاشي اهتمام الخارج جراء فقدان الثقة في قدرة الفرقاء على التفاهم للوصول إلى تسوية وانتخاب رئيس جديد للبلاد.
وتسعى "اللجنة الخماسية"، التي تضم ممثلين عن كل من الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية وقطر ومصر، لمساعدة لبنان في حل الأزمة المستعصية، عبر حث المسؤولين على إيجاد المخرج المناسب.
وأفادت وسائل إعلام محلية بأن سفراء اللجنة الخماسية سيجتمعون، اليوم الثلاثاء، في قصر الصنوبر، بعد اجتماع عقدوه نهاية يناير/كانون الثاني الماضي مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي وصفه بـ"الجيد والمفيد".
ومنذ اليوم التالي لهجوم حركة حماس الفلسطينية على إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تشهد الحدود تصعيدا بين حزب الله وإسرائيل.
وأسفر التصعيد، منذ بدايته، عن مقتل 269 شخصا في لبنان بينهم 188 عنصرا من حزب الله و40 مدنيا، ضمنهم 3 صحفيين، وفق حصيلة جمعتها فرانس برس، بينما أحصى الجيش في إسرائيل، مقتل 10 جنود و6 مدنيين.
وفي أحاديث منفصلة لـ"العين الإخبارية"، ألقى ممثلو قوى سياسية وكتل نيابية وخبراء، بتبعات مسؤولية "تجميد الملف الرئاسي" الداخلي على بعض الفرقاء وبينهم حزب الله.
ودعوا الحزب في الوقت ذاته إلى ضرورة عدم ربط مسار الاستحقاق الرئاسي في الداخل، بمسار الأزمة الفلسطينية، محذرين من أن ذلك "سيُكلف البلاد الكثير"، وتبني أيضا قرار مجلس الأمن 1701، وسحب قواته من جنوب نهر الليطاني".
كما لم يفت هؤلاء التأكيد أيضا على "غياب الإرادة الفعلية" لدى الفرقاء بإنهاء الفراغ في الموقع الرسمي الأول للدولة، مع استمرار الانقسام والاصطفاف بين قوى المعارضة والممانعة، ما أدى إلى عدم إنهاء الشغور الرئاسي.
ويتمسّك الثنائي الشيعي (حزب الله وحركة أمل)، بمرشحه رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، فيما أعلنت قوى في المعارضة استمرار تقاطعها مع "التيار الوطني الحر" على ترشيح الوزير السابق جهاد أزعور.
وتتكثف غيوم الضبابية في أفق الواقع اللبناني على ملف الرئاسة، وسط استمرار الفراغ الرئاسي منذ انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون في 31 أكتوبر/ تشرين الأول 2022.
وفشل مجلس النواب على مدار 12 جلسة، في انتخاب رئيس جديد للبلاد، وسط غياب كتلة نيابية تملك الأغلبية القانونية اللازمة لاختيار رئيس.
لهيب الحرب
في تعقيبه على الموضوع، قال النائب اللبناني بلال عبد الله، عضو اللقاء الديمقراطي (التكتل النيابي للحزب التقدمي الاشتراكي)، إن "جهود مساعدة لبنان لإنجاز الاستحقاق الرئاسي عبر اللجنة الخماسية من جهة، والتواصل الداخلي بين الفرقاء من جهة ثانية، تراجع بسبب اشتباكات الحدود بجنوب لبنان والمواجهة المباشرة مع إسرائيل".
وأضاف عبد الله، في تصريح لـ"العين الإخبارية"، أن "مراقبين ربطوا حل أزمة انتخاب الرئيس، بما هو متوقع من تسوية لاحقة بعد انتهاء الحرب مهما كانت نتائجها".
وفي هذا الصدد، لفت إلى أن "مشكلة الشغور في الموقع الرئاسي كانت تسبق حرب غزة، لكن الأخيرة ساهمت في تعقد الأمور وتعثر انتخاب رئيس الجمهورية، بسبب الحسابات الإقليمية".
واعتبر القيادي الحزبي أن "ربط بعض الفرقاء بين ملف الرئاسة والتطورات الإقليمية خطأ؛ لأن المعادلات الخارجية، مهما يكن تأثيرها على لبنان، تتطلب معالجات داخلية، مع مساندة اللجنة الخماسية العاجزة حتى الآن، عن تحقيق النجاح في اختراق جدار الأزمة".
وأعرب النائب عن أمله في أن "يرتقي اللبنانيون جميعا إلى مستوى المسؤولية الوطنية، وإنجاز هذا الاستحقاق؛ لتغليب مصلحة لبنان وحماية الداخل في ظل هذا الوضع الخطير في الجنوب".
وفي تقدير مراقبين، فإن حزب الله، لن يتجاوب بالمرونة الكافية مع أي طرح فرنسي أو أمريكي أو غربي بشكل عام خلال الفترة الحالية بسبب انحياز تلك الدول لإسرائيل في الحرب على غزة.
وشددوا على أن الحزب لن يرضى بوصول رئيس للجمهورية بعيدا عن مرشحه، وبالتالي سيتشدد أكثر من أي وقت مضى بالتمسك بمرشحه سليمان فرنجية، مع ربطه أيضا فك شفرة الرئاسة بمسار الأزمة الفلسطينية، وحرب غزة.
أزمة الطبقة السياسية
"لا أرى ضمن المعطيات الحالية أملاً في ملء سريع للفراغ الرئاسي"، هذا ما يراه النائب اللبناني السابق محمد الحجار، القيادي في تيار المستقبل، مرجعا ذلك إلى عدد من العوامل.
وأوضح الحجار، في تصريح خاص لـ"العين الإخبارية"، أنه "ليست هناك إرادة فعلية لدى الفرقاء بإنهاء هذا الفراغ في الموقع الرسمي الأول للدولة، والذي يشل عمل كل المؤسسات الدستورية وينعكس بمزيد من الفوضى والانهيارات على كل المستويات في لبنان".
وأضاف: "تقدم الطبقة السياسية مصالحها الفئوية والطائفية والحزبية على مصلحة الوطن والشعب اللبناني، ويفاقم الوضع أيضا ابتعاد الخارج عن لبنان؛ لفقدانه الثقة في قدرة الفرقاء على التفاهم للوصول إلى تسوية".
وتابع: "كما أن الخارج منشغل بمشاكل الإقليم في ظل الحرب الحالية والتي تنذر جديا باتساع الصراع إلى دول أخرى".
متى؟
أما النائب فادي كرم، عضو تكتل الجمهورية القوية (التكتل النيابي لحزب القوات اللبنانية)، فيعتبر أن "هناك مجالا لانتخاب رئيس جديد، حين يسمح محور الممانعة من خلال رئيس مجلس النواب، نبيه بري، بأن يكون هناك جلسة مفتوحة بدورات متتالية، أو التفاهم بين الموالاة والمعارضة على الخيار الثالث، بعيدا عن أزعور وفرنجيه".
وحول توقعاته لموعد انتخاب رئيس جديد للبلاد، قال "كرم"، إن "حل الأزمة ليس رهن وقت بل تحكمه الظروف"، مفسرا أنه "في حال كان محور الممانعة يريد فك أسر لبنان، فعليه أولا فك الارتباط بين بيروت ووحدة الساحات الإيرانية".
وأشار إلى أن رئاسة الجمهورية تعد أحد أبرز محطات "الخلاف العميق" مع هذا المحور، مشيرا إلى أن "الخلاف العميق هو بالأساس على هوية هذا البلد وثقافته وكيفية إدارته".
غير أن "كرم" أكد في الوقت ذاته "إمكانية التواصل والتعايش مع محور الممانعة في حال تخلى عن أيديولوجيته".
خطة إنقاذ
لتقليص حدة الأزمة اللبنانية الحالية، يرى النائب اللبناني زياد الحواط، عضو تكتل "الجمهورية القوية"، ضرورة "وجوب عدم ربط مسار لبنان بمسار الأزمة الفلسطينية لأن هذا سيُكلف البلاد الكثير، وأن يتبنى أيضا حزب الله قرار مجلس الأمن 1701، وأن يسحب قواته من جنوب نهر الليطاني".
وقال الحواط، في تصريح إذاعي، إن "دستور لبنان واضح بأنه (لا سلاح خارج إطار الشرعية)، ونحن نريد بلداً يحترم الدستور، وتشكيل حكومة تضع خطة إنقاذ، ونريد رئيساً صاحب رؤية وأن يقول لحزب الله لا يمكنك حمل السلاح، ولا يمكنك وضع مصالح لبنان على المحك".
فيما أكد النائب ميشال موسى، عضو كتلة "التنمية والتحرير (الكتلة النيابية لحركة أمل) ، أن "هناك حراكَين على صعيد الملف الرئاسي، الأول هو التواصل بين الكتل وهو لم يفضِ إلى أي تقدم".
والثاني "هو الذي تقوم به اللجنة الخماسية التي تتابع عملها من خلال السفراء، تحضيرًا لاجتماع على مستوى أعلى، لكن حتى الساعة لا إشارات إيجابية".
وشدد في حديث إذاعي اليوم، على أن" انتخاب الرئيس يجب أن يكون لبنانياً، فاللجنة الخماسية مؤلفة من أصدقاء يريدون مساعدة البلد، إنما في لبنان لا نشعر بأن هناك تقدماً جدياً، وهذا أمر مؤسف في ظل الظروف الصعبة".
ورأى موسى أن "ما يجري اليوم في المنطقة وتحديداً في لبنان، يجب أن يكون مدعاة لتنازلات بين الفرقاء من أجل إيجاد مساحة مشتركة تتيح انتخاب رئيس".
اهتمام يتراجع
لم تختلف رؤية فادي عاكوم، الكاتب الصحفي والمحلل السياسي اللبناني، عن طرح ممثلي القوى السياسية بشأن تراجع أولوية الاهتمام بالملف الرئاسي في لبنان.
وقال عاكوم في حديث خاص لـ"العين الإخبارية"، إن "ملف الرئاسة غير مرشح على الإطلاق للعودة إلى الواجهة مجددا رغم جهود اللجنة الخماسية التي تتابع الشأن اللبناني".
وأشار إلى أن "غالبية الجهود تنحصر حاليا في إبعاد شبح الحرب الشاملة في لبنان، ودعم الجيش اللبناني للحفاظ على الأمن الداخلي، ومسألة النزوح الجماعي من منطقة الجنوب نحو المناطق الأخرى".
وفي تقدير الخبير اللبناني، فإن "ملف الجنوب سيكون عاملا أساسيا لانتخاب الرئيس الجديد باعتبار مسألة سلاح حزب الله وخضوعه للدولة اللبنانية، وما يتعلق بقرار الحرب والسلم من الشروط الأساسية التي وضعتها دول بالمنطقة وأوروبا وواشنطن للوصول لحل للأزمة".
وختم بالقول إنه "في ظل الأجواء والظروف الحالية، فإنه من الصعب جدا تحديد موعد انتخاب الرئيس الجديد للبنان".
aXA6IDMuMTQ0LjkzLjE0IA== جزيرة ام اند امز