سياسة
"رئيس للفراغ".. الخطاب الأخير لـ"عون" بميزان الخبراء
بات شغور المناصب الدستورية في لبنان هو عنوان اللحظة الراهنة، وسط حالة من الانهيار الاقتصادي والمالي والاجتماعي.
ووفقا لخبراء سياسيين، في أحاديث لـ"العين الإخبارية"، فإن خطاب الرئيس عون الأخير، اليوم الأحد، بدا وكأن معه الرئيس السابق رئيسا لفريق أو حزب واحد (التيار الوطني الحر)، ولم يكن رئيسا لجميع اللبنانيين، معتبرين أن "رئيس الفراغ"، مصطلح ينطبق على "عهد عون" المنتهية ولايته، وفق تعبيرهم.
وغادر الرئيس اللبناني ميشال عون، الأحد، قصر بعبدا، بعد انتهاء فترة ولايته الرئاسية، تاركا البلاد لـ"الفراغ" في موقع الرئاسة حتى إشعار آخر، وتعثر على صعيد ملف التشكيل الحكومي.
وقال الرئيس اللبناني، في تصريحات قبيل مغادرته القصر في مراسم رسمية، إنه وقع "مرسوم استقالة الحكومة"، بالتزامن مع الشغور الرئاسي.
تبرير الفشل
وبخطاب مليء بـ"قنابل من الاتهامات"، ومرسوم أضاف به الشغور الحكومي إلى الرئاسي.. بهذه الطريقة اختار ميشال عون مغادرة قصر بعبدا للأبد.
وقال الرئيس اللبناني، في خطابه الأخير قبيل مغادرته القصر الرئاسي، إن "لبنان أمواله وخزائنه مسروقة، ولم نستطع تقديم حاكم المصرف المركزي للمحاكمة بسبب الجهات التي تحميه".
ورغم كونه رئيس البلاد، زاد عون: "مؤسسات لبنان مهترئة، والقائمون عليها يخافون من عصا تهددهم".
ووصف "الحكم في لبنان" بـ"الثأري"، كما وزع الاتهامات على القضاء أيضا مؤكدا أنه "لا يقوم بدوره، وأن الجناة خارج المحاكم".
وبرر عون سبب فشله في الإصلاح، بقوله إن "الفساد كان أقوى".
رئيس الفراغ
وفي قراءاته لخطاب عون الأخير، وقراراته الأخيرة ، يقول الدكتور محمد سعيد الرز المحلل السياسي اللبناني، في حديث خاص لـ"العين الإخبارية" إن "الرئيس المنتهية ولايته ميشال عون أصر على أن يحدث المزيد من الفراغ الدستوري حين أعلن في خطاب الرحيل عن مرسوم أصدره، ويقضي بقبول استقالة حكومة تصريف الأعمال برئاسة نجيب ميقاتي".
ويردف: "مع أن هذا المرسوم، كما وصفه عدد من قضاة المجلس الدستوري، لزوم ما لا يلزم؛ لأن الحكومة استقالت بعد انتخاب البرلمان الجديد بموجب نص الدستور وكلفت بتصريف الأعمال، إلا أن سياسة الفراغ هي التي حكمت عهد ميشال عون، حتى استحق عن جدارة لقب رئيس الفراغ".
"فرئيس الفراغ" مصطلح ينطبق على عهد عون بعد سلسلة من الوقائع والأحداث، "عون جيء به كرئيس أمر واقع بعد فراغ رئاسي مقصود استمر عامين ونصف العام، وترأس الجمهورية لمدة 6 سنوات أي 2190 يوما، تسبب خلالها بفراغ حكومي دام 920 يوما"، وفقا للرز.
كما يستشهد بـ"تعطيل عون العمل بالدستور خلال كل مراحل حكمه، وخاصة بالنسبة لما نص عليه من صلاحيات، حيث إنه في المادة 53 نص الدستور على أن (رئيس الحكومة هو الذي يشكل مجلس الوزراء ويتفق مع رئيس الجمهورية على إصدار مرسوم تشكيل الحكومة)، ونص في مادة أخرى على أن (مجلس الوزراء يجتمع أسبوعيا او حين تدعو الحاجة في مقره وإذا حضر رئيس الجمهورية فإنه يترأس الاجتماع)، لكن عون أصر على التدخل في أسماء المرشحين لدخول الحكومة، وأن تكون له حصة وازنة بينهم، وعلى أن يعقد مجلس الوزراء برئاسته دائما في القصر الجمهوري ".
وتسبب عون أيضا في "فراغ قضائي"، والحديث للرز، لأنه رفض التوقيع على التشكيلات القضائية التي أقرها مجلس القضاء الأعلى منذ 3 سنوات، وما زالت حتى اليوم في أدراج القصر الجمهوري.
كما أنه وقف خلف الفراغ الوظيفي في دوائر ومؤسسات الدولة فرفض توقيع مرسوم توظيف الناجحين في مباريات مجلس الخدمة المدنية قبل عامين بمن فيهم حراس الغابات حتى اليوم.
ويتابع: "كان عون أيضا خلف الفراغ في علاقات لبنان العربية وهو ما لم يحدث مثيل له منذ 75 سنة وكانت بداية المقاطعة العربية، عندما رفض وزير الخارجية آنذاك جبران باسيل وحيدا دون سائر وزراء الخارجية العرب إدانة الاعتداء على السفارة السعودية في إيران، ولم يقم بأي خطوة، أو زيارة واحدة لدول الخليج العربي كي يصحح الأوضاع".
إنجازات غير واقعية
وفي يناير 2016، أعلنت الجامعة العربية دعمها للسعودية في مواجهة الأعمال العدائية والاستفزازات الإيرانية، وذلك في ختام اجتماع طارئ لوزراء خارجية الدول الأعضاء. وصدر البيان بإجماع الدول العربية، فيما امتنع لبنان على الموافقة، بسبب الإشارة إلى حزب الله.
وإضافة إلى رئاسته للفراغ، يشير المحلل السياسي اللبناني، إلى أن عون نسب إلى نفسه وإلى صهره جبران باسيل إنجازات لا علاقة له فيها، حيث إن معركة تصفية الإرهابيين في جرود لبنان، قامت بتنسيق بين الجيشين اللبناني والسوري، وحدد الجانب السوري مكانها وتوقيتها فاندفع الجيش اللبناني لتنفيذ المهمة ثم أعلم بها رئيس الجمهورية.
ويتابع : بالنسبة لترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل فقد بدأ المفاوضات بشأنها الرئيس نبيه بري منذ عام 2011 وصولا إلى عام 2021 حين توصل إلى وضع اتفاق الإطار، وبعدها حرصت الولايات المتحدة على تسريع إتمامها بسبب تداعيات الأزمة الأوكرانية والحاجة الأوروبية للغاز.
ويضيف: اتفق كافة المسؤولين اللبنانيين على تمرير هذه الأيام بهدوء ودون ردود أفعال، حتى يتم تقطيع فترة رحيل عون عن الرئاسة من غير مطبات، وبعدها فإن الأحجام ستعود إلى وضعها الطبيعي المعروف حين تذوب الظاهرة العونية عن المشهد العام .
أما خالد ممتاز، الباحث السياسي اللبناني، فيوضح سبب إقدام الرئيس عون على التوقيع على مرسوم باستقالة الحكومة قبيل مغادرة موقع الرئاسة، قائلا لـ"العين الإخبارية": عون ومن حوله يسعون للدخول في جدل دستوري طويل وعميق وتشنج وخطاب طائفي عالي النبرة، لفرض أمر واقع".
ويستطرد: "يعمل الفريق الذي انتهت ولايته وصلاحيته، على محاولة إجبار الكتل المناهضة لحزب الله بالقبول بمرشح الحزب الرئاسي حين الإعلان عنه".
ويلفت - في اتفاق مع ما ذهب إليه محمد سعيد الرز- إلى أن "عون اختصاصي فراغ وتعطيل خاصة عندما لا يحصل على ما يريد".
حالة عون
"لم يكن رئيسا للبنان بل لتيار واحد"،هذا ما يؤكده رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة، في قراءته للخطاب الأخير لعون.
وقال السنيورة في حديثه لإحدى القنوات المحلية: "عون كان يُفترض به أن يكون فوق الجميع ولكنه تصرف كأنه رئيس فريق أو حزب، وفي خطابه اليوم كان يتصرف كأنه رئيس لمجموعة التيار الوطني الحر".
ويبرز: "الحكومة تعتبر مُستقيلة عند انتخاب مجلس نيابي جديد، والمرسوم الذي وقعه رئيس الجمهورية الأحد، هو لزوم ما لا يلزم”.
ويذهب الكاتب والمحلل السياسي اللبناني حسن الدر في حديث إذاعي إلى القول: لم نر اليوم وداعًا وطنيًا للعماد ميشال عون".
ويرى أن ما وصفه بـ"الحالة العونية" تحتاج إلى "محلل نفسي وليس سياسياً"ـ وفق تعبيره.
وكان مناصرو عون من "التيار الوطني الحرّ" افترشوا محيط القصر منذ مساء السبت، وباتوا ليلتهم هناك، تعبيرا عن حبّهم ووفائهم لـ"الجنرال" ميشال عون، ومطلقين شعار "معك مكملين".
وحرص قادة التيار الوطني الحر على التأكيد في كلماتهم الحماسية أمام قصر بعبدا قبيل مغادرة عون للقصر، على استكمال ما وصفوه ب"المسار الإصلاحي" مع عون.
وغرد النائب هاغوب بقرادونيان عن حزب الطاشناق، قائلاً :" فخامة المواطن ميشال عون، تحملت الكثير في السنوات الستّ الماضية، لكن بالتأكيد سينصفك التاريخ، جنرالاً حمل الوطن على أكتافه حتّى النهاية".
وبدوره، قال النائب سيمون أبي رميا عن تكتل "لبنان القوي" إن "الوداع الشعبي للرئيس عون هو وقفة وفاء لشخصية استثنائية شكلت ظاهرة وطنية".
وقال أبو رميا في تصريحات تلفزيونية، إن "مقولة فشل العهد خاطئة؛ لأن السلطة السياسية ليست العهد، السلطة هي منظومة ونظام مكون من كل القوى السياسية التي اضطررنا للتعامل معها لأنها موجودة وتمثل شريحة من الشعب اللبناني، لكن للأسف شكلت قوة معرقلة لمشاريع العهد الإصلاحية".
aXA6IDEzLjU4LjE2MS4xMTUg
جزيرة ام اند امز