اعتصام السبت ينكأ جراح مرفأ بيروت.. اتهامات متبادلة وأسئلة بلا أجوبة
فيما لا تزال التحقيقات في انفجار مرفأ بيروت معلّقة منذ نهاية 2021، كان لبنان على موعد مع احتجاجات نكأت جراحًا لم تندمل، وألقت بظلالها الوخيمة على الأزمة السياسية في البلد المأزوم اقتصاديًا.
واعتصم العشرات من أهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت وناشطين يوم السبت أمام المديرية العامة لأمن الدولة احتجاجاً على توقيف وليام نون، شقيق أحد ضحايا فوج الإطفاء، فيما أخلت السلطات سبيله بعد ذلك، تحت وطأة الاحتجاجات.
وتسبب انفجار مرفأ بيروت الذي وقع في الرابع من أغسطس/آب 2020 في مقتل أكثر من 215 شخصًا وإصابة أكثر من 6500 شخص بجروح، عدا عن دمار واسع في المرفأ وعدد من أحياء العاصمة.
نكء الجراح
وبينما لا يزال التحقيق معلقًا منذ نهاية 2021، جراء تدخلات سياسية ودعاوى رفعها تباعاً مدعى عليهم بينهم نواب حاليون ووزراء سابقون لكف يد المحقق العدلي القاضي طارق بيطار، جاءت احتجاجات السبت، لتعيد الملف إلى الصدارة، وسط اتهامات بين سياسيين حوله.
ويزور قاضي تحقيق فرنسي في 23 من الشهر الحالي بيروت للاستفسار عن معلومات طلبها القضاء الفرنسي حول انفجار مرفأ بيروت ولم يحصل على أجوبة بشأنها، بحسب مسؤول قضائي لبناني.
ودخل التيار الوطني الحر على خط الجدل الذي اشتعل مجددا بشأن انفجار مرفأ بيروت، قائلا إنه مستمر في العمل من أجل تحرير التحقيق في قضية انفجار المرفأ، لكشف الحقيقة كاملة وإنصاف الضحايا وإطلاق الموقوفين "ظلما وتعسفا".
واعتبر التيار الوطني الحر، في بيان اطلعت "العين الإخبارية" على نسخة منه، أن "مواصلة إعاقة التحقيق والملابسات الناجمة عنها، يتحمل مسؤوليتها أولا مجلس القضاء الأعلى ورئيسه على وجه الخصوص، بفعل القصور في إدارة عمل القضاء للوصول إلى الحقيقة"، مشيرًا إلى أن ما وصفه بـ"التقصير القضائي في تطبيق القانون ومنع الإفلات من العدالة".
"سيف العدالة"
وأبدى التيار ثقته الكاملة بأن الحقيقة في تفجير المرفأ آتية، "مهما طال التعسف والمماطلة والتلاعب في الوقائع"، محذرا "المنظومة من أن افتعالها الأزمة تلو الأخرى، لن يجنبها سيف العدالة ولن يحجب مفاعيل الدينامية القضائية الأوروبية التي فضحت هشاشة التعامل القضائي مع سرقة العصر والسطو على أموال المودعين".
مجلس نقابة المحامين في بيروت علق بدوره على انفجار مرفأ بيروت، مطالبا القيادات الأمنية بـ"فتح تحقيق فوري لمعاقبة الفاعلين"، ومحذرا من "مغبة العودة إلى النظام البوليسي".
وقال مجلس النقابة في بيانه الذي اطلعت "العين الإخبارية" على نسخة منه، إنه "يجب احترام صرح قصر العدل والقضاء، وتطبيق القوانين وحسن سير العدالة ورفض التدخلات السياسية في تطبيق القانون"، مبديًا رفضه تعطيل التحقيق والمحاسبة بـ"جريمة العصر والامتناع عن توقيف المجرمين الفعليين".
جريمة العصر
في السياق نفسه، دان المكتب السياسي للحزب الشيوعي اللبناني، في بيان، "انقضاض بعض القضاة والأجهزة الأمنية على أهالي شهداء جريمة المرفأ، فيما لا يزال المتورطون والمقصّرون والمهملون من أزلام السلطة ومسؤوليها والأجهزة الأمنية يمتنعون عن المثول أمام التحقيقات في جريمة العصر، وتقوم أحزابهم وأذرعها القانونية والأمنية بتعطيل التحقيق بشكل كامل".
وأضاف: "إنّ هذه الهجمة ناتجة من قرار سياسي بالدرجة الأولى بهدف قمع أهالي الضحايا وإسكاتهم وإنهاء كل ما له علاقة بالتحقيق بجريمة تفجير المرفأ بالكامل"، مشيرًا إلى أن "جريمة انفجار المرفأ هي جريمة نظام سياسي مولّد لكل أنواع الجرائم، فلا جريمة من دون مجرمين، والتحقيق فيها ومحاسبة المرتكبين قضية وطنية تهم كل الشعب".
ودعا الحزب الشيوعي اللبناني في هذا الإطار إلى "كف يد القضاة المتسلّطين على أهالي الضحايا، وكفّ التدخلات السياسية السافرة في القضاء لاستئناف التحقيق العدلي بشكل فوريّ، وكشف كلّ المتورطين والمهملين والمقصّرين في هذه الجريمة النكراء وانزال أشد العقوبات بحقهم".
أساليب "القمع"
واستنكر رئيس كتلة اللقاء الديموقراطي النائب تيمور جنبلاط "ما يحدث من ممارسات تسلطية ممن يفترض بهم تقديم النظم والقوانين الإنسانية على أساليب القمع والعدالة الاستبدادية التي لا تزال تتحكم ببعض العقول تجاه أهالي ضحايا انفجار المرفأ خصوصا، والذين ما زالوا ينتظرون كشف الحقيقة كاملة لقضيتهم المحقة ومحاسبة المسؤولين عن تلك الفاجعة".
وقال عضو تكتل "الجمهورية القوية" النائب بيار بو عاصي، في تغريدة عبر حسابه بموقع التواصل الاجتماعي "تويتر": "كلنا أهالي شهداء المرفأ. نرفض عرقلة التحقيق. نريد الحقيقة. نواجه القمع. قلبنا مجروح. رأسنا مرفوع".
من جهة أخرى، دخلت الحكومة المؤقتة على خط الجدل، قائلة في بيان أصدره المكتب الإعلامي لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي، كال فيه اتهامات لبعض القوى السياسية التي لم يسمها.
تبادل الاتهامات
وقال المكتب الإعلامي لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي، في بيانه، إنه "في زمن الصخب السياسي والمزايدات المعروفة وتعميم نهج اللامنطق على كل المستويات، يعمد بعض الإعلام المر إلى استغلال دماء ضحايا انفجار مرفأ بيروت ومعاناة ذويهم لتوجيه سهامه باتجاه دولة رئيس الحكومة، في سياق نهج ابتزازي رخيص، لم يعد خافيا على أحد".
وتابع البيان: "ينبغي تذكير من خانته الذاكرة أو يسخّر ضميره لإطلاق الأكاذيب والشائعات، أن دولة الرئيس اجتمع أكثر من مرة مع ذوي ضحايا انفجار مرفأ بيروت، ويعتبر قضيتهم قضية حق يجب أن تستكمل بالطرق القانونية المطلوبة لتصل إلى خواتيمها في إحقاق الحق والعدالة للجميع والاقتصاص من المسؤولين عن هذه الجريمة الخطيرة التي هزت وجدان الجميع".
"لكن الرئيس، الذي يحترم فصل السلطات والمؤسسات، واستقلالية القضاء، لن يسمح لنفسه ايا تكن الاعتبارات بالتدخل في أي أمر قضائي، وهو الذي قدّم نموذجا شخصيا في الامتثال لسلطة القضاء"، بحسب البيان الذي قال إن ميقاتي "سيلجأ مجددا إلى القضاء لتبيان كل الحقائق في كل الملفات المثارة ولن يسجل على نفسه الخضوع للنهج الابتزازي الذي يتقنه البعض ودأب عليه".