"النخبة" و"قانون الغاب".. لبنان يسير "معصوب العينين" نحو الهاوية
بين نخبة متصارعة بات يحكمها "قانون الغاب" وفساد مستشر يأكل الأخضر واليابس، بات لبنان كمن يسير معصوب العينين نحو الهاوية.
وما بين هذا وذاك يقبع اللبنانيون بين مطرقة لا تتوقف عن الدق وسندان بأسوار يمنعهم من الفكاك من الضربات المتتالية.
- تمدد احتجاجات لبنان.. مخاوف من إشعال مرفأ بيروت "فوضى شاملة"
- احتجاجات وقطع طرق وبنزين "فوق المليون" لأول مرة.. لبنان على "صفيح ساخن"
دفن التحقيق
وبحسب محللين فإن تحرك النخبة الحاكمة في لبنان نحو دفن التحقيق في انفجار مرفأ بيروت، والصراع الدائر في الهيئة القضائية لتجنب المساءلة بأي ثمن، يدق مسمارا آخر في نعش الدولة المنهارة.
وانفجرت توترات التحقيق بعد توجيه القاضي طارق البيطار اتهامات لأشخاص من الأكثر نفوذا في البلاد، بينهم حلفاء من أقوى الفصائل في لبنان، بما في ذلك حزب الله.
ورد المدعي العام باتهام البيطار بأنه يغتصب السلطات، في تحد للضغوط السياسية باستئناف التحقيق، فيما وصف آخرون الأمر بأنه بمثابة "انقلاب" على تحقيق البيطار.
وكان البيطار استأنف عمله الإثنين الماضي، ووجه اتهاما إلى عدد أكبر من المسؤولين من بينهم المدعي العام غسان عويدات، واللواء عباس إبراهيم المسؤول الأمني المرتبط بحزب الله.
وكان عويدات قد تنحى سابقا عن نظر القضية حينما كان صهره، العضو بحركة أمل والوزير سابق من بين المتهمين، لكنه عاد هذا الأسبوع ليرد على البيطار بإجراءات تضمنت إطلاق سراح محتجزين بقضية انفجار المرفأ.
واعتبر نزار صاغية من مجموعة "المفكرة القانونية" للحقوق المدنية، إنه عندما يقرر شخص اتهمه قاض أن يدافع عن نفسه بإبعاد القاضي الذي وجه إليه الاتهام، وأن يطلق سراح جميع المعتقلين، فإن هذا يعد بمثابة "انقلاب".
ترسيخ الإفلات من العقاب
وتقود حرارة هذا الصراع إلى تبخر الآمال في تحقيق العدالة بقضية انفجار المرفأ الذي أودى بحياة 220 شخصا ودمر مساحات شاسعة من بيروت.
وينذر هذا الصراع بأن تسلك القضية نفس الطريق الذي سلكه عدد لا يحصى من القضايا الأخرى بلا نتيجة، في ترسيخ لقاعدة الإفلات من العقاب.
وحذر نبيل بومنصف، نائب رئيس تحرير جريدة النهار اللبنانية، من أن الصدوع العميقة بالقضاء تساهم في تفكك الدولة الذي يتسارع بفعل أزمة مالية مستمرة منذ 3 سنوات، جراء ترك النخبة الحاكمة لها لتتفاقم.
ونبه إلى أن "اللبنانيين أصبحوا يواجهون الفوضى، وقانون الغاب"، معبرا عن خشيته من "تفكك البلاد".
الأزمة المالية
وتمثل مرحلة انهيار النظام المالي اللبناني الحالية أكثر المراحل خطورة منذ الحرب الأهلية التي دارت رحاها بين عامي 1975 و1990.
وفقدت العملة اللبنانية أكثر من 97% من قيمتها منذ عام 2019، مع تسارع انهيارها خلال الأيام الماضية، مما قاد إلى إفقار مزيد من اللبنانيين.
وبحسب دراسة مدعومة من الأمم المتحدة، فإنه "من المتوقع في الربع الأول من هذا العام أن يواجه قرابة 2.3 مليون لبناني، أي نحو 42% من السكان، من انعدام حاد في الأمن الغذائي".
فيما لا تحرك النخبة السياسية الحاكمة ساكنا لمعالجة الأزمة، وتغلب المصالح الخاصة على الإصلاح، الذي قد ينتشل البلاد من الهاوية.
المؤسسات.. صراع وفراغ
وما قاد البلاد نحو مزيد من المشكلات، الخصام بين الفصائل، والأزمة الحكومية غير المسبوقة، ومنصب الرئاسة الشاغر منذ شهور، الذي لا يتولاه إلا مسيحي ماروني، ضمن نظام المحاصصة الطائفية الذي يسير به لبنان.
ومن الحكومة والرئاسة إلى البنك المركزي الذي يتهم حاكمه رياض سلامة، الذي له علاقات سياسية وطيدة، باختالس مئات الملايين من الدولارات خلال فترة ولايته التي استمرت 30 عاما، رغم نفيه لها.
وما كشف سطوة النفوذ السياسي على القضاء المحاولات المتعددة والعقبات أمام قاض لبناني للتحقيق مع سلامة.
ومن جانبه، قال سامي عطا الله، مدير مبادرة "سياسات الغد"، إن "المؤسسات تحاول بشكل منهجي حماية أعضائها من المساءلة بشأن انفجار المرفأ، والانهيار المالي، وغيرها من الأزمات".
التوترات الطائفية
واعتبر مهند الحاج علي، من مركز كارنيجي للشرق الأوسط، أن "عرقلة التحقيق في قضية انفجار مرفأ بيروت قد تفاقم التوترات الطائفية".
ولفت إلى أنه رغم قتل الانفجار للبنانيين من جميع الطوائف، إلا أن الضرر الأكبر وقع إلى حد كبير بالمناطق ذات الأغلبية المسيحية، ما دعا البطريرك الماروني إلى المطالبة بالعدالة.
وحذر الحاج علي من حدوث اشتباكات في الشوارع أسوأ من التي فجرها حزب الله في عام 2021، في ظل فراغ رئاسي، وزيادة حدة الخطاب الطائفي، وانهيار الاقتصاد.
وكان مسؤول في حزب الله بعث برسالة إلى البيطار في عام 2021 توعده باقتلاعه، وشارك أنصار الحزب بمسيرة مناهضة له تسببت في نشوب أعمال عنف دامية بين أحياء مسيحية وشيعية.
وأضاف أن "أسر الضحايا ومن يدعمونهم إذا نظموا احتجاجات أدت إلى اشتباكات أو إصابات أو اعتقالات، فإنها ستكون بلا شك نقطة انطلاق نحو مزيد من الاضطرابات التي لا يحمد عقباها".