اختلفت الحسابات مع فوز ترامب.. ماذا يحدث في طرابلس؟
لا تخلو الاشتباكات المسلحة في العاصمة الليبية طرابلس من دلالات سياسية مهمة مرتبطة بالعملية السياسية المعقدة التي تجرى بالبلاد
لا تخلو الاشتباكات المسلحة في العاصمة الليبية طرابلس من دلالات سياسية مهمة مرتبطة بالعملية السياسية المعقدة التي تجري بالبلاد منذ اندلاع ثورة 2011 التي أطاحت بحكم العقيد معمر القذافي.
ودارت معارك عنيفة بين عدد من الكتائب المسلحة الأسبوع الماضي في العاصمة الليبية طرابلس، حيث مع دوي إطلاق نار وانفجارات في جنوب المدينة، وتم نشر أسلحة ثقيلة، واتخذت دبابات وعربات مسلحة مواقع لها في بعض أحياء جنوب العاصمة الليبية من بينها حي باب بن غشير وحي أبو سليم، في حين وردت أنباء عن وقوع اشتباكات في أبو سليم ومنطقة الهضبة التي يوجد بها سجن الهضبة الذي يضم قيادات من رموز النظام السابق.
وذكرت وسائل إعلام ليبية أن 7 أشخاص على الأقل قتلوا، وأدت الاشتباكات إلى حالة من الارتباك بين المواطنين في المدينة.
وطرابلس يسيطر عليها خليط من الكتائب المسلحة التي يتمتع بعضها بوضع شبه رسمي، وغالباً ما يندلع القتال بسبب الصراع على النفوذ أو الهجمات الانتقامية، في حين أن الجماعات المسلحة مقسمة أيضاً بين تلك التي تساند الحكومة المدعومة من الأمم المتحدة بقيادة فايز السراج وأخرى تعارضها.
وأظهر تقرير للمخابرات البريطانية عام 2012 أن الميليشيات المسلحة بمختلف أنواعها فى ليبيا وصل إلى 1700 تشكيل مسلح، مع انتهاء وجود الميليشيات بجميع أشكالها فى الشرق الليبي حتى حدود مدينة سرت وسيطرة الجيش النظامى الليبي على الوضع العسكري وإعلان القائد العام للجيش المشير خليفة حفتر أن الجيش يستهدف تحرير كامل التراب الليبي من الإرهاب والعمل على محاربة جميع أنواع الميليشيات.
ومدينة مصراتة عدد سكانها حوالى 400 ألف نسمة وبها أكبر الكتائب الليبية المسمى بدرع الوسطى، وهي أقرب لقوات الجيوش النظامية لما تملكه من سلاح وتنظيم، ويقدر منتسبو درع الوسطى بحوالى 35 ألف مقاتل بجانب ميليشيات أخرى تتبع جماعة الإخوان .
وتمتلك قوات مصراتة حوالى 820 دبابة ومئات من قطع المدفعية الثقيلة وأكثر من 2500 سيارة مجهزة بمدافع 14.5 المضادة للطائرات بجانب بعض الطائرات الحربية، وتحالف قوى مع الدول الغربية بدعمها السياسي للمجلس الرئاسي برئاسة فايز السراج المدعوم غربياً.
ويؤكد الوضع العسكرى الحالي أن الجيش الليبي لابد أن يلتف أولاً للاستحواذ على العاصمة طرابلس لما تعانيه من كثرة وجود ميليشيات متناحرة ومختلفة التوجهات تسيطر عليها، حيث تسيطر أكثر من 12 ميليشيا رئيسية بجانب عشرات الميليشيات الصغيرة مما يفقدها قيادة موحدة لهذه الميليشيات، للتنسيق العسكرى بينها.
بعض الميليشيات التي تنتمى لمدينة مصراتة وهى القوة العسكرية الأكبر ، منها كتيبة ثوار طرابلس الذى يقودها هيثم التاجوري وهي معنية بحماية المجلس الرئاسي وميليشيا قوات الدرع ويقودها هاشم بكر، بجانب تشكيلات عسكرية ضخمة من لواء المحجوب ولواء الحلبوص قادمة من مدينة مصراتة لتتمركز فى العاصمة، وهذان اللواءان هما قوات عسكرية نظامية لا تعترف بقيادة المشير حفتر للجيش، ولكنهما صرحت بتصريح مهم جداً بدعمهما ومباركتهما لسيطرة الجيش الليبي على الموانئ النفطية.
وبجانب قوات مصراتة تأتي ميليشيات التيار الإسلامى المتشدد متمثلاً فى الجماعة المقاتلة، وهى تسيطر على مطار معيتيقة العسكري "المطار الوحيد الذي يعمل بالعاصمة" بقيادة عبدالحكيم بلحاج أحد قيادي الجماعة المقاتلة وكان ضمن تنظيم القاعدة ومعتقلاً بسجن جونتانامو قبل الثورة الليبية فى 2011 وقواته مدعومة بشكل كبير من تركيا وقطر، في حين يسيطر القيادي بالجماعة المقاتلة خالد الشريف على قوات تسمى بحرس السجون وهو أيضاً قيادي بالجماعة المقاتلة ومع أنه لا يحمل أي رتبه عسكرية، إلا أنه كان يشغل منصب وكيل وزارة الدفاع خلال فترة حكومة الكيب وزيدان عامي 2012 حتى 2014.
وفي العاصمة طرابلس ميليشيا غرفة ثوار ليبيا التابعة لأنصار الشريعة بقيادة شعبان هدية الملقب بـ"أبو عبيدة الزاوي" وهو أحد الإرهابيين المطلوبين لدى الإنتربول الدولي، وتعتبر ميليشيا غرفة ثوار ليبيا الجناح العسكري للجماعة الإرهابية بالعاصمة الليبية وتنضم معها ميليشيا النواصي وميليشيا صقور الثورة وميليشيا الشهيد يوسف البوركي التابعة للمفتي المنتمي للإخوان الصادق الغرياني، كما تسيطر الجماعة على جهاز المخابرات بالعاصمة فرئيس المخابرات مصطفى نوح أحد قيادات التنظيم .
أيضاً بالعاصمة عدد من الميليشيات الإجرامية التى تعرف بأسماء أشخاص وتسيطر على بعض المبانى الحكومية، وتعمل على أنها جزء من حفظ الأمن منها ميليشيا صلاح بادى التى شاركت فى حرق مطار طرابلس الدولى، وميليشيا غنيوة وميليشيا ثوار حى بوسليم وميليشيا صلاح المرغنى، وجميعها ميليشيات صغيرة ولا يوجد بها منتسبون عسكرييون وقادتهم لا يحملون رتباً عسكرية، وأيضاً السلفيون لهم ميليشيا بقيادة رؤوف كارا، وقد أعلن دعمه لمحاربة الجيش للجماعات الإرهابية في بنغازي، كما توجد قوات للأمازيغ تسمى بالقوة المتحركة الوطنية.
وأرجع عبدالستار حتيتية الباحث المتخصص في الشأن الليبي ما يحدث في طرابلس إلى مجموعة من العوامل كانت سبباً في انفجار الوضع هناك، أهمها تكرار عمليات الاغتيال لقيادات من الميليشيات المسلحة التابعة للقاعدة والتيار السلفي والجماعة الليبية المقاتلة وجماعة الإخوان المسلمين، تلك العمليات التي أوجدت نوعاً من الشك في عملية الشراكة التي يحاول الجميع تصديرها للرأي العام، مما دفع كل ميليشيا إلى اتهام الأخرى بتقويض نفوذها في المناطق التي تسيطر عليها.
"حتيتية" لفت إلى أن ما يحدث في ليبيا من صراعات مسلحة يتم تحت غطاء سياسي ، حيث من المفترض أن كل تلك الميليشيات تنضوي في النهاية تحت لواء حكومة الوفاق الوطني بقيادة فايز السراج والتي كانت أحد مخرجات اتفاق الصخيرات، ولكن يبدو الواقع على الأرض مغاير لذلك تماماً، حيث تتصرف كل ميليشيا وفقاً لمدى قوتها على الأرض وما هو متاح لاستكمال توسعها في الغرب الليبي دون الالتزام بالإطار العام الذي يحكم تلك المنطقة.
وفي نفس السياق يرى مراقبون أن ما يحدث في طرابلس من صراعات مسلحة يؤكد أن اتفاق الصخيرات أصبح لا محل له من الإعراب حيث لم يلتزم به أي من الأطراف، كما أن بعض الميليشيات -حسب مصادر ليبية- بدأت تجهز لاحتمال دخول قوات الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر إلى مدينة طرابلس وأبدت مرونة في التعامل مع حكومة عبدالله الثني التي يدعمها البرلمان في الشرق، بحيث تجد لنفسها موطئ قدم في الحياة السياسية بليبيا حال دخلو الجيش الليبي إليها.
ما يحدث في العاصمة الليبية طرابلس لا يمكن قراءته بمعزل عن التطورات الحاصلة على المستوى الإقليمي، حيث وجدت بعض الميليشيات المسلحة في طرابلس نفسها مضطرة لتغيير إستراتيجيتها بعد وصول دونالد ترامب لسدة الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية، وهو الذي أعلن عن إستراتيجية جديدة للتعامل مع مشاكل منطقة الشرق الأوسط وخصوصاً الملف الليبي – حسب مدير مكتب الإعلام الخارجي لمجلس القبائل الليبية عز العرب أبوالقاسم-.