قصف الزاوية الليبية.. عملية أمنية أم تصفية حسابات سياسية؟
تعاين مدينة الزاوية الليبية أزمة عنوانها العريض أمني لكنها ما تخلو من الأبعاد السياسية والمخاطر التي تصل إلى جر البلاد لحرب أهلية.
وقبل أيام، أعلنت حكومة الوحدة الوطنية الليبية منتهية الولاية أنها نفذت ضربات جوية "ضد أوكار عصابات تهريب الوقود وتجارة المخدرات والاتجار بالبشر في منطقة الساحل الغربي للبلاد".
ذلك الإعلان جاء خلال بيان لوزارة الدفاع بتلك الحكومة، قالت فيه "إن الوزارة وهي تقوم بمهمتها الوطنية بمتابعة مباشرة من رئيس الحكومة، تؤكد تنفيذ التعليمات والخطة العسكرية الموضوعة من أجل تطهير مناطق الساحل الغربي وباقي مناطق ليبيا من أوكار الجريمة والأعمال العصابية وأنها لن تتأخر أبداً في القيام بواجبها الوطني".
عملية أمنية ضد الجريمة
وفي بيانها، لم تحدد وزارة الدفاع بحكومة عبد الحميد الدبيبة المواقع التي استهدفها الطيران الحربي، إلا أن نشطاء ليبيين ومواقع إخبارية محلية أكدت أن الضربات الجوية كانت جميعها في مدينة الزاوية غربي البلاد.
ورغم أن الإعلان جرى الخميس الماضي، إلا أن صدى العملية تواصل بالتوازي مع استمرار القصف يوميا إلى أن تطورت الأمور اليوم الإثنين.
التطور جاء عقب جلسة رسمية عقدها مجلس النواب الليبي في مقره الرسمي بمدينة بنغازي شرقي البلاد برئاسة المستشار عقيلة صالح بحث فيها "تداعيات الهجوم الذي أطلقته حكومة الوحدة الوطنية في الساحل الغربي الخميس الماضي"، وفق ما أٌعلن في افتتاح الجلسة التي تابعها مراسل "العين الإخبارية" في المدينة.
تصفية حسابات؟
وعقب الجلسة، أصدر المجلس بيانا قال فيه إن "القصف الجوي الذي تتعرض له مدينة الزاوية منذ أيام بواسطة الطيران المسير يتم تنفيذه لتصفية لحسابات سياسية وليس لمكافحة التهريب كما يٌدعى من وراءه".
وتابع مجلس النواب الليبي في بيانه أن "ما يؤكد ذلك، قصف منزل عضو مجلس النواب علي أبوزريبة بالإضافة إلى القيام بذلك دون التنسيق مع الجهات ذات الاختصاص".
وأعرب المجلس عن إدانته واستنكاره "بأشد العبارات لهذا القصف" معتبرا أن "هذا العمل يعد خرقاً لقرار مجلس الأمن رقم 2021/2570"، وفق نص البيان.
كما أشار البرلمان الليبي إلى أنه "سيقوم بمخاطبة النائب العام واللجنة العسكرية المشتركة (5+5) وبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا ومجلس الأمن الدولي والمحكمة الجنائية الدولية والبرلمان التركي بخصوص هذا الاعتداء على مدينة الزاوية".
قصف منزل برلماني
وفي ذات الجلسة اليوم الإثنين، قال النائب عن مدينة الزاوية علي أبوزريبة إن "أغلب الضربات الجوية التي استهدفت منطقتي أبوصرة والماية في مدينة الزاوية وغيرها في المنطقة الغربية منذ الخميس الماضي، جاءت لتصفية حسابات سياسية".
وطالب البرلماني الليبي في كلمة أمام مجلس النواب اليوم، "النائب العام بفتح باب التحقيق"، كما طالب "مجلس النواب بمخاطبة البرلمان التركي لطلب استيضاح بشأن الطيران المسير وما إذا كانت هذه الطائرات استعارة أم بيعا وشراء بين الجانبين التركي والليبي".
وأضاف "في كلتا الحالتين نحن أمام مشكلة؛ في الحالة الأولى جرائم ضد الإنسانية، والحالة الثانية اختراق لقرار مجلس الأمن حول حظر بيع الأسلحة إلى ليبيا".
ومنذ اليوم الأول للعملية الأمنية في الزاوية، خرج البرلماني الليبي علي أبوزريبة معلنا قصف منزله بالطيران المسير. كما أعلن بعدها أيضا إصابة ابن أخيه محمد عدنان أبوزريبة نتيجة القصف بمنطقة الماية بالزاوية.
وعلى وقع الأحداث أيضا، أصدر اللواء عصام أبوزريبة وزير الداخلية بالحكومة الليبية المكلفة من مجلس النواب والمنافسة لحكومة الدبيبة، بيانا هو الآخر أعلن فيه مقتل اثنين من رجال إدارة خفر السواحل المنطقة الغربية جراء القصف الذي تعرضت له نقطة ميناء الماية قرب الزاوية أمس الأحد.
واعتبر الوزير أبوزريبة أن "استمرار القصف في مدينة الزاوية يستند إلى حجج واهية يجري استخدامها لتصفية حسابات شخصية على حساب مصلحة الوطن والمواطن" متابعا "المصالح الشخصية لا تزال تتفوق على حياة المواطنين وأمنهم وسلامتهم".
تعليق المشري
ورغم أنه يقف في خندق آخر مناوئ لخندق مجلس النواب الليبي، إلا أن رئيس ما يعرف بالمجلس الأعلى للدولة الاستشاري، خالد المشري، كان له نفس الرأي حول العمليات العسكرية القائمة في الزاوية التي تعد مسقط رأسه.
المشري وفي بيان، له عبر عن رفضه "لتوظيف سلاح الطيران المسير لتصفية حسابات سياسية بحجة مكافحة الجريمة".
وقال إن "القصف الذي تعرضت له بعض مناطق الزاوية بالطيران المسير تم دون علم المجلس الرئاسي ورئاسة الأركان العامة والمنطقة العسكرية الغربية واللجنة العسكرية والأمنية التي شٌكلت أخيرا".
وأضاف أنه "تهريب الوقود في الزاوية عمل منظم لكنه غير سري أو خفي لأنه يجري بوساطة بواخر تأتي إلى مواقع معينة على ساحل المدينة وتملأ خزاناتها بشكل واضح وجلي في غياب للدولة".
واتهم المشري "الدولة بأنها تكون راضية عن هذه الأعمال أحيانًا لأن هذه المجموعة التي تقوم بهذه الممارسات مشرعنة وذات نفوذ".
وقال إن "رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة تسلم ملف الزاوية ولم يكن يتحرك في إطار محاربة الجريمة؛ فهذا عمل مكلف به القائد الأعلى ورئيس الأركان".
وأوضح أن "الضربات الجوية في الزاوية حدثت مرتين الأولى في منطقة الماية والثانية في المنطقة السكنية لعضو مجلس النواب علي أبوزريبة وبجانب استراحة يملكها النائب شخصيا".
واعتبر المشري أن "الضربة الثانية غرضها تهديد أبوزريبة"، موضحا "إذن هي رسالة سياسية للسيد علي أبوزريبة والنواب وكل من يتحدث عن حكومة أخرى" بأن "اليد طويلة وتستطيع الوصول إلى بيوتكم".
وفي بيانه أيضا، طالب خالد المشري "المجلس الرئاسي الليبي بصفته القائد الأعلى للجيش بسحب صلاحيات الطيران المسير وقيادته من رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة"، قائلا إن "الدبيبة يستغل الطيران المسير لإرهاب خصومه السياسيين".
وفي ظل كل تلك الاتهامات، لم تعلق حكومة الوحدة الوطنية حتى الآن عما يجري في الزاوية إلا أنها مستمرة حتى اليوم في ذلك القصف.
تعليقات دولية
ما يجري في الزاوية الليبية منذ الخميس حظي أيضا بتعليق دولي وأممي، حيث أكدت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا أن "أحداث الزاوية تشكل تذكيرا بالحاجة الملحة إلى توحيد المؤسسات الأمنية والعسكرية في ليبيا وتمكينها وجعلها خاضعة للمساءلة من أجل ضمان سلامة واستقرار الشعب الليبي في جميع أنحاء البلاد".
وقالت البعثة الأممية في تغريدات على موقع تويتر إنها "تتابع عن كثب الأحداث التي وقعت في مدينة الزاوية غرب طرابلس وتظل على تواصل مستمر مع السلطات الليبية المعنية بهذا الخصوص".
وشددت البعثة "أي إجراءات متصلة بإنفاذ القانون يجب أن تراعي القوانين الوطنية والدولية ذات الصلة ـ كما يجب أن تظل حماية المدنيين أولويةً قصوى".
أما المملكة المتحدة فقالت عبر سفارتها في ليبيا اليوم الإثنين إنها "تتابع عن كثب الوضع في مدينة الزاوية"، مؤكدة أن "استخدام الأسلحة التي تعرض أرواح المدنيين للخطر أمر غير مقبول".
وأضافت أنه "يجب على جميع المعنيين عدم التصعيد وتجنب أي أعمال تهدد حياة الناس اليومية بشكل أكبر".
عملية مزدوجة
بدوره، قال فرج أوحيدة، السياسي الليبي والدبلوماسي، إن "ما يجري في الزاوية يعد عملية مزدوجة ".
وشرح أوحيدة في حديث لـ"العين الإخبارية" قائلا إن "الزاوية فعلا مقر للجريمة وفيها يتواجد أحد أكبر مهربي البشر مثل (البيدجا) و(القصب) وغيرهم كما يوجد هناك أيضا أكبر مهربي الوقود عبر مصفاة الزاوية".
وأضاف أن "تواجد هؤلاء يؤكد أن العملية العسكرية القائمة حاليا مهمة في القضاء على تلك الأوكار إلا أن ما شهدناه يعد فعلا تصفية لحسابات سياسية خاصة بعد قصف منزل النائب المناوئ لحكومة الدبيبة".
وتابع أن "القصف طال أيضا وحدات عسكرية تابعة لوزارة داخلية الحكومة الليبية المكلفة من قبل مجلس النواب؛ أي الحكومة المنافسة لحكومة عبد الحميد الدبيبة".
aXA6IDMuMTQ0LjQuNTQg جزيرة ام اند امز