ليبيا في ظل الفوضى السياسية والأمنية بعد مؤامرة «الربيع» العربي لتفتيت الدول العربية تم إغراقها في حال الفوضى.
ليبيا في ظل الفوضى السياسية والأمنية بعد مؤامرة «الربيع العربي» لتفتيت الدول العربية تم إغراقها في حال الفوضى حتى أصبحت بين حالين أحلاهما مُر «الفشل» أو «الانهيار»، فعند سقوط أي دولة ودخولها في حال الفوضى العامة والعارمة تصبح العودة إلى الدولة متطلبة وجود جيش قوي ينتشلها من الفوضى لتتحقق المعادلة الأمنية، جيش يمكن الشرطة من العمل لإنهاء الفوضى، ثم الشروع في العملية الديمقراطية عبر الانتخابات الحرة، ولهذا.. فالانتخابات المتعجلة دون جيش يحميها وتحقيق الأمان للمرشح والناخب ستكون نوعاً من العبث وضياعاً للوقت وإطالة لعمر الأزمة، ما دامت المعادلة الصحيحة لم تتحقق.
اليوم بدأ الجيش الليبي في استعادة قواته وبناء معسكراته بالتزامن مع معركته ضد الإرهاب، رغم التسويف والإهمال الدولي المتعمد والحظر على تسليح الجيش الليبي، بينما تغض البصر القوى العظمى عن تدفق السلاح إلى المليشيات، خصوصاً تلك التي تحمل مشروع الإسلام السياسي
جميع الديمقراطيات العتيقة والعريقة، من البريطانية إلى الفرنسية والأمريكية والإيطالية، لم تتحقق إلا بعد تكوين جيوش قوية تحمي الدولة وتحقق الاستقرار، فالجيوش سبقت الديمقراطية والانتخابات، ولهذا.. فالمعادلة الصحيحة: جيش؛ دولة ديمقراطية؛ انتخابات، وأي عكس في عناصر المعادلة يختل توازنها وتسقط.
فالجيش هو القوات المسلحة للدولة؛ سواء كان القوة النظامية أو قوة الاحتياط أو من هم تحت الخدمة الوطنية، ومهمته حماية الدولة من الاعتداء الخارجي، والمحافظة على الحدود البرية والمياه الإقليمية والمجال الجوي للدولة، وفي أثناء السلم من الممكن أن تستغل إمكاناته البشرية في بناء الجسور والسدود واستصلاح الأراضي.. وغيرها، وقد يوفر الجيش عوناً للمدنيين في مختلف الحالات الطارئة مثل الزلازل والفيضانات.
فالمعادلة الصحيحة: جيش قوي يحقق استقرار دولة تتمكن من انتخابات نزيهة.. جيش؛ دولة؛ انتخابات، وليس العكس: انتخابات، ثم دولة، ثم جيش، كما حدث في ليبيا وتصر بعض الأطراف عليه.
فالجيوش عبر التاريخ لم تكون للزينة أو الاستعراض، بل كانت عمود أساس الدول منذ نشأت الحضارات، ففي نهري دجلة والفرات كون البابليون جيشاً من حملة الرماح ورماة السهام، واستخدم السومريون أول مركبة حربية ذات عجلات، التي استخدمها أحمس الأول قائد الجيش المصري الذي طرد الهكسوس، بل تنبأ القرآن الكريم بهزيمة جيوش الروم «المسيحيين» في أدنى الأرض، وتنبأ بنصرهم على جيوش الفرس «الوثنيين»: {غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أدنى الأرضِ وَهُم مِن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأمرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ}. ولهذا حرص الإسلام في بناء دولته على تكوين الجيوش، فقال تعالى: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا استطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ}، وحض الإسلام على التبرع لبناء الجيش وتجهيز جنده بالعتاد، وجعل لهذا أجراً كبيراً، لما في ذلك من أهمية للحفاظ على استقرار الدولة واستتباب أمنها وتبديد خوفها.
فليبيا اليوم غارقة في الفوضى وصراع المليشيات، وهي التي كانت دولة عبر سنين طويلة قبل أن يسقط «الناتو» الدولة فيها، تكون أول جيش ليبي نظامي عام 1948، إلى أن تم تدمير معسكراته وقواعد انطلاقه في فبراير/شباط 2011 بضربات لحلف «الناتو» تجاوزت 11 ألف ضربة جوية، قضت جميع المعسكرات والقواعد الجوية ومنظومة الملاحة والسيطرة، ومن حينها غرقت ليبيا في فوضى المليشيات.
اليوم بدأ الجيش الليبي في استعادة قواته وبناء معسكراته بالتزامن مع معركته ضد الإرهاب، رغم التسويف والإهمال الدولي المتعمد والحظر على تسليح الجيش الليبي، بينما تغض البصر القوى العظمى عن تدفق السلاح إلى المليشيات، خصوصاً تلك التي تحمل مشروع الإسلام السياسي، إلا أن الجيش الليبي استطاع تحقيق الترتيب التاسع أفريقيا.
لعودة ليبيا دولة بالمفهوم الجيوسياسي لا بد من تمكين الجيش من استعادة قوته وبناء معسكراته وفرض الاستقرار وطرد المليشيات واحتكار السلاح لدى الجيش، وحينها يمكن تحقيق الديمقراطية واستخدام أدواتها.. ومنها الانتخابات الحرة.
نقلا عن "الشرق الأوسط"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة