أزمة ليبيا.. رئيس مفوضية الانتخابات يفتح أوراقه لـ"العين الإخبارية"
على مدار سنوات يكافح الليبيون لبلوغ انتخابات تنهي أزمة سياسية خانقة تعصف بالبلاد.
ونشأت الأزمة بسبب صراع بين حكومتين على السلطة، أفرز انقساما حادا بمؤسسات الدولة الاقتصادية والسياسية والأمنية أيضا.
وبعد مساع حثيثة لليبيين بمتابعة وإشراف الأمم المتحدة فشلت ليبيا العام الماضي في بلوغ تلك الانتخابات، إلا أن الآمال تجددت هذا العام للوصول إلى ذلك الاستحقاق، لا سيما أن العديد من أسباب فشلها سابقا قد وجدت لها الحلول.
ومع تخطي البلاد لتلك الأسباب إلا أن عيون الليبيين والعالم أجمع انصبت على الجسم المخول بالإعداد لتلك الانتخابات المنتظرة والإشراف عليها وهو "المفوضية الوطنية الليبية العليا للانتخابات".
"العين الإخبارية" حاورت الدكتور عماد السايح رئيس مفوضية الانتخابات لمعرفة آخر تطورات عمل المفوضية، والموعد المتوقع لإجراء الانتخابات الليبية..
*منذ أعوام تجري المفوضية استعدادات لوجستية وفنية، فأين وصلت جهودها بشكل عام؟ هل يمكن الإفصاح عن نسبة تقريبية لجاهزية المفوضية لإطلاق الانتخابات الليبية؟
تعتبر جاهزية المفوضية اليوم في أعلى مستوياتها، فقد استكملت كل متطلبات تنفيذ العمليات الانتخابية المقبلة في انتخابات 24 ديسمبر/كانون الأول (المتوقفة) من حيث البنية التحتية والموارد البشرية اللازمة لاستئناف العملية الانتخابية في هذا العام، وكنسبة يمكن أن تصل إلى (80%) وما تبقى (20%) يرتبط بما يرد من نصوص في القوانين الانتخابية قد يكون لها انعكاسات فنية تستوجب اتخاذ ما يلزم من تجهيز لوضعها موضع التنفيذ، ونستطيع القول إن المفوضية سوف تنطلق في عملية التنفيذ خلال مدة أقصاها (15) يوما من تاريخ استلامها للقوانين الانتخابية.*هل استلمت المفوضية الميزانية الخاصة بالعملية الانتخابية؟
بخصوص الميزانية اللازمة لتنفيذ العمليات الانتخابية التي أقرها التعديل الثالث عشر من الإعلان الدستوري، فقد تقدمنا بطلب إلى حكومة الوحدة الوطنية بميزانية تقديرية بلغت (203 ملايين دينار ليبي)، وما زلنا ننتظر التنفيذ، وقد يسأل البعض عن حجم هذه الميزانية، إذ تعتبر هذه الميزانية من أكبر الميزانيات التي خُصصت لتنفيذ العملية الانتخابية ويرجع ذلك إلى أن هذه العملية تحتوي في حقيقة الأمر على 3 عمليات متزامنة، هي عملية انتخاب رئيس الدولة، وعملية انتخاب مجلس النواب، وعملية انتخاب مجلس الشيوخ.
وعملية انتخاب رئيس الدولة سوف تكون على جولتين، بالإضافة إلى المقاعد غير المحسومة من عمليتي انتخاب مجلس النواب ومجلس الشيوخ وفق ما نصت عليه المادة (30) من التعديل الثالث عشر.
وهذا الأمر دفع بالتكاليف اللازمة لتنفيذ تلك العمليات مجتمعةً إلى أعلى مستوياتها، كما أن هذه الميزانية تتضمن تنفيذ مشروعين مكملين لعملية التنفيذ، هما توريد منظومات تتعلق بالتحقق من هوية الناخب يوم الاقتراع، ومشروع آخر يتعلق بإنشاء شبكة اتصالات مغلقة تربط غرفة العمليات بالمراكز الانتخابية التي يصل عددها إلى 2000 مركز انتخاب.
*ما آخر المستجدات المتعلقة بتنظيم الانتخابات هذا العام؟ وهل أنتم متفائلون بانعقاد هذه الانتخابات؟
آخر المستجدات تمثلت في عقد عدة اجتماعات مع لجنة 6+6 تم خلالها استعراض النصوص الفنية الواردة بالتعديل الثالث عشر من الإعلان الدستوري الصادر في 23 فبراير/شباط 2023 والمتعلقة بالعمليات الانتخابية الثلاث، ومن خلال النقاشات بدا واضحاً للجميع أن التحديات التي تواجه اللجنة في صياغة مشاريع العمليات الانتخابية ليست كبيرة ولكنها تتطلب وقفة جادة ودعما فنيا وسياسيا لكي تنجح اللجنة في مهامها بما يحقق أهداف وغايات الخارطة الانتخابية التي نص عليها التعديل الدستوري.
وتفاؤلنا ينطلق من قدراتنا المتقدمة في مسألة تنفيذ العمليات الانتخابية، علاوة على الإرادة الشعبية التي تطمح إلى المشاركة في عملية وطنية قبل أن تكون انتخابية، بالإضافة إلى التوافق السياسي القائم بين الأطراف السياسية والذي مهد الطريق نحو تشكيل لجنة معنية بصياغة القوانين الانتخابية محل توافق تلك الأطراف.
وأعتقد أنه لا مخرج للأزمة السياسية القائمة إلا بالعودة إلى صندوق الاقتراع، فكل الطرق البديلة التي سلكها الساسة في الماضي لم تأت بنتيجة تذكر سوى المزيد من الانقسام في هياكل ومؤسسات الدولة الليبية.
*ما الاستشارات والتوصيات التي يمكن أن تقدموها للجنة 6+6 لكي تمتثل القوانين الصادرة للمعايير والمبادئ الحاكمة والمتعارف عليها دولياً؟
من الناحية الفنية، ولكي تكون مشاريع القوانين التي ستصدر عن لجنة 6+6 مثالية عليها الأخذ في الاعتبار ما يلي:
أولاً: يجب أن تركز اللجنة على نظام الانتخاب الذي يتلاءم وطبيعة المرحلة والعملية السياسية التي تمر بها البلاد، ونظام الانتخاب يجب أن يتوافق مع تقسيم الدوائر وتوزيع المقاعد، وفي هذا الشأن ننصح باعتماد النظام المتوازي، أي الذي يجمع نظام القوائم ونظام الأفراد، لما لهذا النظام من دور في التأكيد على مصداقية نتائج العملية الانتخابية، ولكي يكون هذا النظام ناجحا يجب أن توزع مقاعد العملية الانتخابية بنسبة (65% لنظام القائمة، و35% للنظام الفردي) هذا في عملية انتخاب مجلس النواب، أما ما يتعلق بانتخاب مجلس الشيوخ فيظل النظام الفردي هو السائد في مثل هذه الحالات، إلا أنه يجب الأخذ في الاعتبار أن يشمل التنافس على مقاعد المستقلين ومرشحي الأحزاب.
ثانيا: التأكيد على آلية فاعلة فيما يتعلق بالفصل في الطعون والنزاعات الانتخابية، ونوصي بالتواصل مع المجلس الأعلى للقضاء لكي يتم صياغة نصوص قانونية محكمة فيما يتعلق بآلية الفصل في الطعون والنزاعات الانتخابية بشكل توافقي يمكن معه الوصول إلى أحكام قضائية تتوافق مع نصوص القوانين الانتخابية.
أما فيما يتعلق بالنصوص الفنية والإجرائية فنحن كمجلس المفوضية مستعدون للعمل عن قرب فيما يتعلق بصياغة المواد والنصوص الفنية التي من شأنها أن تعمل على تنفيذ عمليات انتخابية ترتقي للمعايير والمبادئ الدولية الناظمة.
*القوة القاهرة التي سبق أن أعلنتم أنها حالت دون إنجاز الانتخابات في 24 ديسمبر/كانون الأول 2022، ماذا حل منها وماذا تبقى؟
تشكلت القوة القاهرة لعدة أسباب، منها ما هو سياسي ومنها ما هو تشريعي، بالإضافة إلى عوامل أخرى اجتمعت مع بعضها البعض وحالت دون أن تتمكن المفوضية من استكمال تلك الانتخابات، ولا ننكر أن عملية انتخاب رئيس للدولة الليبية هي أول تجربة يخوضها الليبيون منذ الاستقلال، وكانت عملية محفوفة بالمخاطر السياسية والتشريعية والأمنية، غير أن القرار الذي اتخذه مجلس المفوضية كان قراراً حكيماً من مختلف الجوانب وفي مثل تلك الظروف، فلولا هذا القرار لانعدمت فرص إجراء الانتخابات في ليبيا لسنوات ولما ذلك من انعكاسات سلبية على الأزمة السياسية، فقد تُركت المفوضية لوحدها في الساحة وتخلى عنها الجميع دون استثناء، وواكبت هذه الظروف آلة إعلامية تبنت خطاب الكراهية والتحريض على ما تقوم به المفوضية، ونُخب سياسية (بحسب ما يعتقدون في أنفسهم) ينشرون معلومات مضللة كان همهم الوحيد ضرب مصداقية المفوضية وتنفير الليبيين من المشاركة في العملية الانتخابية، إلا أن تلك الظروف شكلت مجتمعةً دروساً مستفادة بالنسبة للمفوضية وأعطتنا مؤشرات فنية وقانونية على ما يجب القيام به مستقبلاً، وفعلاً أنجزنا وطورنا الكثير من الإجراءات التي تحمي تنفيذ واستكمال العملية الانتخابية المخطط لعقدها هذا العام.
*ما حقيقة التشكيك في شرعية مجلس المفوضية القائم حالياً؟ وهل هذا الأمر من شأنه أن يعيق إجراء الانتخابات قريباً؟
بدأت حملة التشكيك مع بداية تنفيذنا انتخابات 24 ديسمبر/كانون الأول، وكان الهدف من هذه الحملة إعاقة مجلس المفوضية ومنعه من أداء واجباته ومسؤولياته نحو القانون والشعب الليبي الذي يتطلع إلى عملية انتخابية تنقذ مستقبله ومستقبل أبنائه، بل تنقذ كيان الدولة الذي أصبح مهددا من قبل قوى لا تعترف بوحدة وسيادة الدولة الليبية من منظور أجنداتهم، فقبل أن تكون مهمتنا فنية فنحن أبناء هذا الوطن، ومن حقنا أن نسهم وفق صلاحياتنا التي يخولها القانون في إخراج بلادنا من محنتها والدفع نحو الخيارات السلمية والاحتكام إلى صناديق الاقتراع بدلاً من الرصاص.
وبالمناسبة نؤكد شرعية المجلس القائم بموجب القرارات التي صدرت في هذا الشأن، وفي جميع الأحوال نحن نستمد شرعيتنا الحقيقية من دعم الشعب لنا، والثقة العالية بالمفوضية وهذا يتضح من رضاء الليبيين عن أدائنا ولا نكترث لمن يسعى إلى تخريب هذه المؤسسة كما فعلوا بمؤسسات الدولة الأخرى، فبقاء هذه المؤسسة موحدة وغير منقسمة خير دليل على أدائنا المستقيم والمحايد الذي يتوافق مع روح دولة المؤسسات والقانون.
* في العملية الانتخابية التي عُرفت بانتخابات 24 ديسمبر/كانون الأول تم استبعاد عدد كبير من مرشحي الانتخابات الرئاسية، وهناك من يدفع بأن هذا الاستبعاد لبعض المرشحين كان بسبب دوافع سياسية، هل هذا صحيح؟ وما المرجعية التي استندت إليها المفوضية في ذلك الإجراء؟
المفوضية هيئة دستورية أُنشئت بموجب الإعلان الدستوري الصادر في 3 أغسطس/آب 2011، وشُكلت بموجب القانون رقم (8) لسنة 2013، ومهمتها تنحصر بشكل عام في تنفيذ نصوص القوانين والتشريعات الانتخابية الصادرة عن السلطة التشريعية، أي أنها تلتزم بتطبيق كل ما ينص عليه قانون الانتخاب دون تحيز لأحد من المرشحين، فمن لا تنطبق عليه نصوص القانون سيتم استبعاده دون النظر إلى الخلفية السياسية أو الاجتماعية التي يحظى بها هذا المرشح أو ذاك، فالفيصل بين المفوضية والمترشح هو القانون، ومن يرى في نفسه أنه ظُلم عليه الطعن في قرارات المفوضية أمام القضاء، أما أن يتم وصف قرارات مجلس المفوضية بأنها سياسية فهذا لا يعي دورها ومسؤولياتها بشكل واضح، ويسعى إلى توجيه الرأي العام نحو أغراضه وأجنداته فقط لا غير.
*هل هناك إمكانية لعقد الانتخابات المقررة بموجب التعديل الدستوري الثالث عشر هذا العام؟
ما زال الوقت مبكراً لتقرير ما إذا ستكون لدينا عملية انتخابية هذا العام أم لا، وهذا يتوقف على مدى سرعة لجنة 6+6 في إنجازها القوانين الانتخابية، فإذا أنجزت تلك القوانين قبل نهاية شهر يونيو/حزيران من هذا العام فمن المؤكد أن العملية الانتخابية ستنطلق هذا العام وقد تستمر حتى الربع الأول من العام المقبل، تحت فرضية أن كافة التحديات والعراقيل قد تم الاتفاق عليها من قبل الأطراف السياسية، ولا ننسى أن التعديل الدستوري الثالث عشر قد حدد الفترة الزمنية لإجراء تلك الانتخابات في مدة أقصاها (240) يوما منذ استلام المفوضية القوانين الانتخابية.
* ما دور المجتمع الدولي في دعم العملية الانتخابية والانتقال السلمي للسلطة؟ فهناك من يشكك في هذا الدور ويصفه بغير الجاد ويخدم مصالحهم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة؟
من خلال تواصلنا مع مسؤولي البعثة الأممية، والتصريحات التي يُدلي بها العديد من سفراء الدول المهتمة بالشأن الليبي، هناك توافق كلي على أن الانتخابات هي المخرج الوحيد لحل الأزمة السياسية واسترجاع الاستقرار للدولة الليبية، ويتضح ذلك من خلال الدعم العيني والمادي اللامحدود المقدم للبعثة، والذي ينعكس بشكل مباشر على الرفع من مستوى أداء وجاهزية المفوضية، كما أن اهتمام سفراء تلك الدول بمدى جاهزية المفوضية يجعلهم في كل المناسبات يدفعون بخيار اللجوء إلى الانتخابات بدلاً من الاتفاقات السياسية التي لم تأت بنتيجة تذكر خلال العشر سنوات الماضية.