بيان مفوضية انتخابات ليبيا.. مخاوف وجدل
"قرارات قضائية وقانونية"؛ 3 كلمات شكلت جزءاً من بيان لمفوضية انتخابات ليبيا، تفتح باب التكهنات وتلقي بكرة لهب بالمشهد المأزوم.
وفي وقت سابق السبت، أعلنت مفوضية الانتخابات أنها ستتبنى بعض الإجراءات القضائية والقانونية، قبل الإعلان عن القائمة النهائية لمرشحي انتخابات الرئاسة.
وفيما لم تكشف المفوضية، في بيانها الذي اطلعت "العين الإخبارية" على نسخة منه، ماهية الإجراءات القضائية أو القانونية، أكدت أنها ستحرص على استنفاذ جميع طرق التقاضي للتأكد من تطابق قراراتها مع الأحكام الصادرة فيها، بما يعزز مبدأ "المصداقية" في تطبيق نص القانون وتنفيذه، نظرا لـ"حساسية" هذه المرحلة والظروف السياسية والأمنية التي تحيط بها.
بيان فرض تفسيرات متعددة وصلت إلى تكهن البعض باتخاذ المفوضية الوطنية العليا للانتخابات قرارات بإقصاء بعض المرشحين، أو إرجاء الاستحقاق الدستوري المقبل، إلا أن مراقبين حذروا من أن التأجيل "سيؤجج الأوضاع" ولن يساعد في حل الأزمة التي قد تصل إلى اندلاع الحرب من جديد في البلد الأفريقي.
استبعاد المخالفين
"العين الإخبارية" استطلعت آراء محللين سياسيين حول القرارات المرتقبة وأسبابها وتأثيرها على المشهد السياسي الليبي، وسر توقيتها، وخاصة أنها تأتي قبل 13 يومًا من إجراء أول انتخابات رئاسية في تاريخ ليبيا.
انتخابات ليبيا.. قرارات قضائية وقانونية قبل إعلان القائمة النهائية
المحلل السياسي الليبي أيوب الأوجلي، يعتبر أن المفوضية ستصدر القائمة النهائية للمرشحين بحسب ما نصت عليه القوانين الصادرة عن مجلس النواب، وستستبعد كافة الملفات المخالفة لهذا القانون، ما يعني استبعاد كافة المرشحين الذين تسبب قبول ملفاتهم في لغط كبير في الشارع الليبي.
وحول سبب الاستعانة بالبرلمان والمجلس الأعلى لقضاء، أوضح الأوجلي أن الضغوطات التي تعرض لها رئيس مفوضية الانتخابات عماد السايح خلال المرحلة الماضية أجبرته على تحويل ملفات المرشحين لجهات تعد أكثر قوة.
وأشار إلى أن المفوضية ومن خلال بيانها ستذهب في اتجاه الاستناد على القوانين لمنع أي لغط قد يصاحب استبعاد المرشحين، لا سيما إذا كان الحديث عن رئيس حكومة تصريف الأعمال عبدالحميد الدبيبة، والذي يملك قوة فعلية على الأرض.
تأجيل الانتخابات
ولفت الأوجلي إلى أن تأجيل الانتخابات سيكون خيارًا مطروحًا بكل تأكيد؛ إلا أنه قال إن المفوضية لن تضع خيار التأجيل في مقدمة خياراتها لكنها قد تلجأ إليه في حال نشوب فوضى مفتعلة.
وأكد أن العنصر الرئيسي في موضوع إرجاء الانتخابات سيكون مرتبطا بردة فعل المرشحين الذين سيستبعدون من السباق الرئاسي ومدى جدية مجلس الأمن والدول الداعمة لإجراء الانتخابات في تطبيق عقوباتها التي تلوح بها منذ أشهر.
من جانبه، قال المحلل السياسي الليبي أحمد المهدوي إن بيان المفوضية جاء بسبب شعورها بـ"الخجل" لعدم تمكنها من الإعلان عن القائمة النهائية لأسماء المرشحين لمقعد رئيس الدولة، وبدء الحملة الانتخابية.
وقال إن "المفوضية تأخذ من التنسيق مع الهيئات القضائية واللجنة المشكلة بمجلس النواب ذريعة للتهرب من التزامها"، وفق تعبيره.
شبح الحرب
وفيما أشار المهدوي إلى أن المفوضية جهةٍ فنية لتنفيذ التشريعات الانتخابية والإشراف عليها، عبر عن عدم اعتقاده بأن الأخيرة تسعى لاتخاذ إجراءات قانونية، إلا أنه قال إن المشهد بشكل عام يوحي بأن هناك بوادر تأجيل تلوح في الأفق.
ورغم ذلك، حذر من أن التأجيل سيؤجج الأوضاع ولن يساعد على حل الأزمة، مضيفا أن هذا السيناريو سيؤدي إلى اندلاع الحرب من جديد والذهاب نحو الانقسام السياسي.
أما المحلل السياسي الليبي كامل المرعاش، فيرى أن بيان المفوضية حمل جملة "مريبة" لها تفسيرات متباينة ويدخلها في صلب اللعبة السياسية، والتي كان من المفترض أن تبتعد عنها كليا، وأن ينحصر عملها في الإعداد الفني واللوجستي للعملية الانتخابية.
الجملة التي اعتبرها المرعاش "مريبة" تقول: "نظرا لحساسية هذه المرحلة والظروف السياسية والأمنية التي تحيط بها، فإن المفوضية ستحرص على استنفاذ جميع طرق التقاضي (...)"، مؤكدًا أنها تفتح الطريق للتأويلات والتشكيك في مصداقية المفوضية، كون الأخيرة مهمتها إحالة أي مخالفة للقوانين الانتخابية، فيما ليس لها أي حق في أن "تحرص أو لا".
رسالة دعم أممية.. عقد انتخابات ليبيا بموعدها ينعكس على الاستقرار
وأشار المحلل السياسي الليبي إلى أن "خيارات المفوضية باتت ضيقة إلى أبعد الحدود، لتعرضها للضغط من حكومة عبدالحميد الدبيبة والميليشيات الموالية له، مؤكدًا أنه كان يجب على رئيس المفوضية أن يكون شجاعًا، ويعلن عن الضغوطات التي تتعرض لها المفوضية وأيضا التهديدات الجسدية التي تتعرض لها عائلة وشخص رئيسها لإجبارها على تأجيل الاستحقاق الانتخابي، وبقاء حكومة الدبيبة كأمر واقع.
وحذر المرعاش من أن تأجيل الانتخابات لن يحل المشاكل التي تحدث عنها البيان، مطالبًا السايح بالإفصاح بشكلٍ مفصل عن المعرقلين للانتخابات وأن يضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته في معاقبة المعرقلين بدلًا من مكافأتهم في البقاء.
إقصاء المرشحين
"وفق القانون الانتخابي واختصاصات المفوضية ليس من حقها إقصاء أحد"، يقول المحلل السياسي الليبي، معتبرا أن المفوضية ليس عليها إلا تطبيق القانون الانتخابي بحذافيره ورفض أي ملف به أي مخالفة للقانون، لينتهي دورها، ويبدأ دور القضاء في حسم الطعون.
انتخابات ليبيا.. "الأعلى للقضاء" يرد على اتهامات الرشاوى
وأشار إلى أن ملف ترشح الدبيبة هو ما تسبب في هذه الأزمة؛ فالمادة 12 من القانون الانتخابي تقول إنه يتعين على أي مرشح أن يترك منصبه قبل ثلاثة أشهر من بدء الاقتراع وهو شرط لا يتوفر في المرشح الدبيبة، مؤكدًا أنه كان ينبغي على المفوضية رفض ملفه للترشح، إلا أن تعرض رئيس المفوضية للتهديد والضغط، جعله يقبل ملف الترشح ولا يعلن القائمة النهائية للمترشحين لانتخابات الرئاسة، على حد قوله.
تصريحات المرعاش وافقها المحلل السياسي معتز بلعيد الذي قال إن المفوضية تعرت الفترة الماضية لضغوط كبيرة، مشيرًا إلى أنه "لحساسية الموقف وأسماء بعض المرشحين، لجأت المفوضية إلى هذه الخطوة التي وصفها بـ"الذكية"، في إعلانها عن قرارات قضائية وقانونية مرتقبة، والتي ستراجع بموجبها كافة أحكام الطعون والاستئناف للتأكد من تطابقها مع القرارات الصادرة عن قرارات الترشح والاستبعاد، وتطبيق قانون الانتخاب، مع إدخال المجلس الأعلى للقضاء واللجنة النيابية إلى اللعبة، لتكون المسؤولية جماعية.
استبعاد الدبيبة
وحول احتمال استبعاد الدبيبة، قال بلعيد إنه في حال صدقت المفوضية وكانت أكثر شجاعة فمن المتوقع استبعاده، خاصة أن حججًا قانونية دامغة بحقه تؤدي إلى ذلك أبرزها المادة 12؛ والتعهد الذي قطعه على نفسه أمام ملتقى الحوار السياسي، في فبراير/شباط الماضي، بعدم الترشح لأي مناصب بالمرحلة المقبلة.
وحول آثار القرارات المرتقبة، أوضح بلعيد أنه من المفترض أن تكون "إيجابية وقانونية"، وتخدم العملية الانتخابية والاستقرار في ليبيا، مستدركا أن السؤال الأهم يظل: "ما مدى رحابة صدر الدبيبة وغيره من المرشحين المرتقب استبعادهم تجاه القرار، وهل سيستقبلونه باحترام للقانون أم سيصعدون المشهد ويعيدون البلاد إلى المربع الأول".
وتوقع المحلل السياسي الليبي أن يلجأ المرشحون المستبعدون إلى التصعيد، محذرا من أن التجارب السابقة بليبيا تلقي بظلالها الوخيمة، كما أن ما حدث بمقر المفوضية الأيام الماضية ليس ببعيد، في إشارة إلى اقتحامهما من قبل مليشيات مسلحة.
aXA6IDEzLjU4LjIwMC43OCA= جزيرة ام اند امز