اجتماع دول جوار ليبيا.. حفتر يكسب أرضا سياسية
اتفاق القاهرة بدا كـ"مماطلة" لكسب الوقت من أجل تعزيز وضع المشير سياسيا وعسكريا.
يشارك وزير الخارجية المصري، سامح شكري، في اجتماع دول جوار ليبيا المنعقد في تونس، اليوم الأحد، وهو يطوي بين أوراقه اتفاقا طازجا من أربعة بنود بشأن مسار التسوية السياسية في ليبيا، جرى التوافق بشأنه الأسبوع الماضي في القاهرة. لكن الاتفاق الذي بدا كـ"إرجاء للحل"، بحسب مراقبين، عزز الحضور السياسي لقائد الجيش المشير خليفة حفتر، الذي يراهن، على ما يبدو، على عامل الوقت لكسب "كل شيء أو لا شيء على الإطلاق"، في لعبة محفوفة بالمخاطر.
وأعلنت القاهرة، الثلاثاء الماضي، التوصل لاتفاق بين حفتر، ورئيس حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا، فايز السراج، من دون أن تنجح في دفع المشير لعقد لقاء مباشر مع السراج.
ويتساءل الباحث المتخصص في الشأن الليبي، كامل عبد الله؛ هل فشلت القاهرة بالفعل في دفع حفتر للتفاوض المباشر مع السراج؟!. يجيب.. "أشك.. ربما أرادت القاهرة أن تخرج الأمور على هذه الصورة".
ويضيف عبد الله، وهو باحث في مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، قائلا لـ"العين" إن "اتفاق القاهرة يبدو كمماطلة لكسب الوقت من أجل تعزيز موقع حفتر سياسيا وعسكريا.. لكنها مغامرة محفوفة بالمخاطر".
وتميل موازين القوى نسبيا في الوقت الراهن لصالح حفتر وحلفائه، بحسب الدكتور خالد حنفي علي، الذي يشير في دراسة تحليلية له عن الوضع الليبي إلى أن ثمة اتجاها إقليميا ودوليا لاستيعاب حفتر في سياق المساعي لتعديل الشق الأمني في اتفاق الصخيرات المتعثر. ذلك أن أحد أبرز معضلات هذا الاتفاق، والتي عرقلت نيل حكومة الوفاق لثقة مجلس النواب، تركزت في نقل صلاحيات المناصب الأمنية لمجلس رئاسة الوزراء، بما يعنى تهميش حفتر من معادلة الشق الأمني في البلاد.
ويقول مطلعون على الشأن الليبي إن اتفاق القاهرة وفّر للمشير حفتر وضعا شرعيا يمكن البناء عليه من أجل إنهاء حظر التسليح المفروض علي ليبيا، من دون تقديم التنازل الذي كان محلا للخلاف منذ توقيع اتفاق الصخيرات أوائل العام قبل الماضي، وهو أن يعمل كقائد للجيش تحت إمرة القيادة السياسية.
ووضع اتفاق القاهرة خارطة طريق من أربعة بنود، أولها تشكيل لجنة مشتركة مختارة من أعضاء مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة وبحد أقصى 15 عضواً عن كل مجلس، للنظر في القضايا التي سبق التوافق على تعديلها في الاتفاق السياسي. وخطوة إجرائية أخرى بقيام مجلس النواب بإجراء التعديلات الدستورية اللازمة لتضمين الاتفاق السياسي في الإعلان الدستوري، مع خطوة هي الأهم باستمرار جميع شاغلي المناصب الرئيسية في ليبيا، لحين إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية في موعد أقصاه فبراير/شباط 2018.
وفي تونس، حيث يعقد وزراء خارجية مصر والجزائر إلى جانب البلد المضيف لقاء حول مسار الحل السياسي في ليبيا، يمثل الشق الأمني الهاجس الأبرز، فالدول الثلاث التي تشاطر ليبيا حدودا يصعب ضبطها ترغب في إنهاء الفوضى التي تضرب البلاد منذ ما يزيد عن 5 سنوات. واليوم بات الملف الأمني أكثر من أي وقت مضى في يد المشير حفتر.
ويقول المحلل السياسي الليبي عبد الباسط بن هايل لـ"العين" إن اجتماع دول الجوار يعكس رغبة الدول الثلاث مساعدة ليبيا للخروج من الأزمة الراهنة.. وهو اجتماع على قدر كبير من أهمية بغض النظر عن نتائجه المباشرة.. لأنه يشير في نهاية المطاف إلى إدراك تلك الدول أن مصالحَ تتقاطع وأصبح التكاتف واجبا".
ويشير بن هايل إلى أنه بالنظر إلى تسارع الأحداث على الساحتين الإقليمية والدولية جرى التوافق على تقديم موعد اللقاء الذي كان من المفترض عقده في وقت لاحق الشهر الجاري.
وفيما تتسارع الخطى نحو إيجاد صيغة للمعالجة السياسية في ليبيا، سيكون على المؤتمرين في تونس حسم شكل وطريقة استيعاب المشير حفتر في المعادلة الليبية، وهو الطريق الذي حرصت القاهرة على تعبيده خلال الشهور الماضية.
ويقول الدكتور حنفي عبد الله إن احتمال استيعاب حفتر كليا في العملية السياسية وارد عبر تقلده السلطة الأمنية والعسكرية في كافة مناطق ليبيا عبر اتفاق محتمل مع حكومة السراج حال تصاعد صراع المليشيات في طرابلس وعدم قدرة مصراتة على حسمه لصالحها، وهو أمر تطرحه بعض الاتجاهات الغربية لحل أزمة عدم استقرار ليبيا جذريا.
ويحذر عبد الله من المخاطر المترتبة على الرهان على عامل الوقت لتكريس حفتر كحل أوحد في ليبيا، ويقول لـ"العين" إن "الأوضاع في الشرق (حيث معاقل حفتر) ليست كما يتم تصويرها إعلاميا.. فحفتر لا يهيمن تماما على الشرق، خذ مثلا المعارك العنيفة التي شهدها الجبل الأخضر الفترة الماضية بين قوات حفتر وقوات العقيد فرج الرعصي أحد القادة البارزين في معركة الكرامة (وهي المعركة التي شنها حفتر ضد الميليشيات المتشددة في بنغازي)، هذه المعارك تشير إلى إمكانية أن يفقد حفتر صورته كضامن للاستقرار في الشرق".
ويضيف عبد الله أن أطماع حفتر في كسب كل شيء ربما تتسبب في نسف كل المكاسب التي حققها، وهو أمر ستتكفل الشهور المقبلة باختباره.