تصعيد عسكري في ليبيا.. نذر حرب أم استعراض قوة؟
تصعيد عسكري في ليبيا يفاقم المخاوف من عودة شبح الاقتتال، في حين يقلل البعض من أهمية التحشيدات، معتبرا أنها مجرد استعراض للقوة.
ومنذ مارس/آذار الماضي، تشهد ليبيا صراعا على السلطة نتج بعد رفض رئيس حكومة الوحدة الليبية عبدالحميد الدبيبة المنتهية الولاية تسليم السلطة لحكومة فتحي باشاغا المكلفة من مجلس النواب.
فيما يتصاعد هذا الأسبوع التحشيد المسلح في العاصمة طرابلس من قبل مجموعات تابعة للطرفين، ما يفاقم المخاوف من انزلاق البلاد لحرب جديدة تعيدها لنقطة الصفر.
ومما رفع منسوب التوتر، صدور بيانات منفصلة عن الحكومة الأمريكية والبعثة الأممية في ليبيا، تحذر من مخاطر انزلاق البلاد إلى الحرب من جديد.
وأيضا ما عزز من فرضية وقوع تلك الحرب هو التهديدات الأخيرة التي أطلقها رئيس الحكومة المكلف مؤخرا فتحي باشاغا، في أثناء لقائه عددا من حكماء وأعيان المنطقة الغربية الليبية، حين قال إن "الليبيين يطالبونه بدخول العاصمة طرابلس ومن يعارض ذلك سيواجه القوة وقد يفقد حياته".
وأعاد باشاغا التلويح باستخدام القوة، أمس الثلاثاء، في بيان هاجم فيه الدبيبة، بالقول: "لا ظلم ولا قتال مع من اتبع الشرعية واختار الوطن دون سواه".
وخاطب باشاغا "رجال ليبيا الشرفاء" قائلا "أنتم عماد الوطن ومستقبله فلا تكونوا جنودًا للظالمين"، في إشارة للقوات المؤيدة للدبيبة التي تحتشد بدورها في طرابلس لمواجهة باشاغا في حال دخوله العاصمة.
وفي مقابل ذلك، هدد الدبيبة علنا، في أكثر من مرة، بأنه "سيستخدم القوة لمواجهة من يفكر في دخول العاصمة طرابلس" في إشارة لباشاغا.
تلك المعطيات مجتمعة تنبئ بسير ليبيا وعاصمتها طرابلس تحديدا، وهي رمز الحكم في البلاد ومقر السلطة المتنازع عليها، إلى حرب أهلية قريبة بحسب مراقبين.
الحرب قادمة
المحلل السياسي الليبي، أحمد شلهوب، علق على مجريات الأمور قائلا إن "الحرب قادمة، وما يؤكدها هي تلك البيانات الدولية والأممية التي قطعا صدرت بعد رصد مخابراتي دولي دقيق، مؤكدا أن واشنطن "تعرف ما تقول".
وأضاف شلهوب، في حديث لـ"العين الإخبارية"، أن "المسألة ليست فقط صراعا بين باشاغا والدبيبة، فالمليشيات الواقفة وراء كليهما تنذر بدخول حرب لإثبات الوجود وهي بالنسبة لهم مسألة بقاء".
وتابع أن "اللواء أسامة جويلي مثلا وهو الذي يقود القوات الداعمة لفتحي باشاغا، يرى أن هناك ضرورة قصوى لتمكين الأخير من الحكم وذلك بعد أن أقصاه الدبيبة من منصبه خلال الفترة الماضية".
أما "المليشيات التي تقف في صف الدبيبة"، يقول: "فتعي جيدا أنه في حال تمكن باشاغا من الحكم فإن وجودها سينتهي"، إضافة إلى أن "المليشيات الداعمة للدبيبة يهمها فقط المال الذي يغدقه عليهم".
ورغم ذلك، فإن المتحدث أكد أن "هناك فرصة سانحة لمنع وقوع الحرب تتمثل في نية المجتمع الدولي للدعوة للتهدئة".
وفي هذا الإطار، أوضح أنه "على المجتمع الدولي عمل شيء عملي على الأرض غير البيانات المجردة، أي أنه يجب مثلا توجيه ضربة لطائرة دون طيار تستهدف أحد التمركزات المليشياوية كي تتيقن تلك المليشيات من جدية رغبة المجتمع الدولي بعدم إدخال العاصمة في حرب".
استعراض قوة
الخبير لفت أيضا إلى أن المليشيات والقوى العسكرية في ليبيا جميعا خرجت لتوها من حرب سابقة العام الماضي في طرابلس، وهي منهكة تماما ولا حمل لها على حرب جديدة.
واستطرد بالقول: "وبالتالي فإنه في حال عدم تدخل أي من الدول في هذه الأزمة بمد المليشيات بالسلاح، ستكون هناك إمكانية لمنع الحرب"، وختم بالقول "إلا أن منع الحرب يكاد يكون ذا فرص ضعيفة جدا بالنظر للتحشيد الكبير الحاصل الآن".
ورغم ذلك إلا أن البعض يقلل من أهمية تلك التحشيدات التي تجري في العاصمة من قبل المليشيات الداعمة والمؤيدة للطرفين المتصارعين.
ومن بين أصحاب ذلك الطرح، عبد المنعم العرفي، عضو مجلس النواب الليبي الذي قال لـ"العين الإخبارية"، إن "ما يجري من تحشيد هو مجرد استعراض للقوة فقط، جرت العادة أن تجريها تلك المليشيات".
وأضاف: "لا أعتقد بوقوع حرب قرييا"، مستدركا في الآن نفسه أن "الحرب ربما تحدث في حالة واحدة فقط وهي أن يمارس عبدالحميد الدبيبة ألاعيبه المعتادة ويقوم بمنح المليشيات المسلحة في العاصمة طرابلس أموالا لتقوم بالدفاع عنه وعن كرسيه".
وفي ذات الإطار، اعتبر المحلل السياسي الليبي عطية مخلوف أن "ما يجري من تحشيد لن يقود لحرب، وذلك لكون المليشيات المسلحة تعرف جيدا معنى أن تحذر أمريكا منها".
وقال مخلوف لـ"العين الإخبارية"، إن تلك المليشيات تخشى واشنطن وتعتبر مطالباتها في البيانات أوامر لها وبناء على ذلك لن ترتكب أي حماقات وتدخل في حرب جديدة قد تجعل أمريكا تستخدم طيرانها المسير ضد الطرفين أو على الأقل ضد قيادات تلك المليشيات".
وأشار إلى أن ما يجعل أمريكا جادة في ذلك ويدفعها لمنع وقوع حرب في طرابلس ليس الحفاظ على حياة المدنيين أو خوفا من دمار عاصمة ليبيا بل إن النفط هو محرك رد الفعل الأمريكي.
وتابع شارحا رؤيته في ذلك أن "النفط الليبي عاد للتدفق وكذلك ارتفعت كمية إنتاجه من ليبيا في وقت تحتاج الولايات المتحدة إلى ذلك التدفق لمواجهة العجز العالمي للطاقة الناتج عن الحرب التي شنتها غريمتها التقليدية روسيا على أوكرانيا مؤخرا".
وبالتالي وبحسب المحلل السياسي الليبي، فإن "الولايات المتحدة لن تسمح بحرب بكل تأكيد.. ستوقف عجلة الإنتاج النفطي الليبي في هذا الوقت الهام من المشهد العالمي".